طباعة هذه الصفحة

أنهكها غلاء الورق وسياسة التقشف وفيروس كورونا

دور نشر مهددة بالإفلاس

دق عدد كبير من الناشرين، وللمرة الثانية في غضون أشهر معدودة، ناقوس الخطر حول وضعيتهم التي وصفوها بـ»الكارثية والصعبة والتي ستقضي لا محالة على الكثير من المؤسسات الناشرة إذا لم تتخذ تدابير استعجالية لانقاد الموقف».
قطاع النشر والإصدار من بين القطاعات التي تأثرت سلبا جراء تفشي فيروس كورونا وإقرار الحجر المنزلي الصحي منذ مارس الماضي، إلى حد أن عددا كبيرا من هذه الدور يواجه اليوم شبح الإفلاس، في حين قام الكثير من الناشرين بتسريح قدر كبير من عمالهم والاكتفاء بالحد الأدنى من النشاط.

لقد دفعت هذه الأوضاع المزرية بالوزارة الوصية إلى إطلاق سلسلة من اللقاءات شهر جويلية الماضي، أسفرت على صياغة النصوص التنفيذية لقانون الكتاب التي تم طرحها على الحكومة، هذا بالإضافة إلى الإعلان عن فرضية تنظيم صالون وطني للكتاب وصالونات محلية وكذا إطلاق منصة رقمية لبيع الكتب.
وعود وإعلانات يراها العديد من الناشرين بعيدة عن التجسيد في الوقت الحالي، في حين هم باقون يتخبطون ويواجهون شبح الغلق والإفلاس.

«تكبدنا خسائر كبيرة للغاية  بسبب الأزمة الصحية»

تأسف الناشر داود فليتس صاحب دار النشر «فليتس» بالمدية لواقع النشر الذي وصفه «بالمرير والصعب للغاية» قائلا: «لقد تكبدنا خسائر كبيرة للغاية بسبب الأزمة الصحية وغلق المكتبات، وإلغاء المعرض الدولي للكتاب كان بمثابة الضربة القاضية لدور النشر. الناشرون توقفوا على الإنتاج والمبيعات توقفت كليا، كما أصبح الإقبال على الكتاب شبه منعدم، فلا يوجد اليوم طلب من المؤسسات التابعة لوزارات التربية والثقافة والتعيلم والتكوين المهنيين، ولا من جانب وزارة التعليم العالي والشباب والرياضة وغيرها...»
من جهته، أرجع أعمر سي يوسف صاحب دار الأمل للنشر والتوزيع بتيزي وزو تاريخ الكارثة التي عصفت بمجال النشر إلى الأزمة الاقتصادية 2016-2017، أين بدأ الطلب ينقص وارتفع سعر الورق، مضيفا أن الأزمة تفاقمت مع انتشار الفيروس». فقد أفلست- يقول-» العديد من دور النشر وأصبح الكتاب لا يباع تقريبا،  ونحن اليوم نعاني من اكتظاظ رهيب في مستودعات التخزين».
وشاطره الرأي الناشر أحسن معزوزي صاحب دار الفاروق للنشر، الذي أشار أن تاريخ الركود الذي عرفه القطاع يعود، « إلى فترة ما قبل كورونا، حيت قال : « لقد توقفنا عن العمل قبل كورونا وبعد انتشار الفيروس لم يتلقى الناشرون أي دعم، فقامت الكثير من دور النشر بتسريح أغلب عمالها، وعلى مستوى دار الفاروق اكتفينا بالإبقاء على عاملين فقط، لم يعد في مقدورنا أن نتحمل كلفة الرواتب وأوقفنا شبكة التوزيع».

كتب مكدسة في المخازن..

صرح رضوان غضبان مدير دار نقطة بوك للنشر والتوزيع في السياق ذاته : « لقد سجلنا تراجعا كبيرا لهذه السنة خصوصا في فترة النصف الأول من السداسي الثاني لسنة 2020 الذي كان فيه الكتاب يتقدمون لدور النشر من أجل نشر أعمالهم لضمان التحاقهم بالمعرض الدولي للكتاب، الأمر الذي تراجع مع احتمالية عدم وجود معرض في ذلك الوقت، وهو ما استدعى الكتاب للتريث في النشر كي يحافظ على جديد أعماله، وهو طبعا موضوع مضر اقتصاديا بالنسبة لنا كمؤسسة نشر، طبعا هذا دون الحديث عن التوزيع الذي أضحى هاجسا، فقد قمنا بتوزيع أول شحنة مطلع سنة 2020، غير أنها لم تخرج للقراء ولم تبع وبقت حبيسة رفوف المكتبات المغلقة بعد انطلاق الأزمة، ونحن نعلم جميعا أن التوزيع يكلف مبالغ كبيرة جدا».
وبرأي عثمان فليسي صاحب دار العثمانية للنشر والتوزيع، ازدادت الوضعية سوءا بالنسبة للنشر والتوزيع قبل انتشار الكوفيد 19، حيت بدأت مع  الأزمة المالية العالمية وتفاقمت مع سياسة التقشف وترشيد النفقات التي اعتمدتها الحكومة الجزائرية سنة 2018. لقد أصبحنا اليوم، نحن الناشرين في وضعية المتسولين فافتحوا المكتبات واشتروا منا الإصدارات خاصة الإنتاج الوطني». النداء، هذا يشير فليسي « موجه لمؤسسات الدولة، للجامعات،... كل هذه الهيئات التي تشتري الكتب المستوردة ولا تشتري ما يصدر محليا، لمن نطبع الكتاب إذا وخاصة الرواية والدواوين الشعرية.؟ لماذا لا نقتدي يتأسف فليسي بما يتم العمل به في الدول الأوروبية التي تعتمد على «الكوطا» في اقتناء الكتاب، مساندة لقطاع صناعة الكتاب وتشجيعا لناشريها، هناك 1541 بلدية لوتفتح كل بلدية مكتبة وتشتري من الناشرين المحليين، ستتحسن أوضاعنا حتما».
نقص المقروئية والطلب أسباب أخرى تؤرق الناشرين

كشفت الأزمة الاقتصادية التي انجرت عن تفشي فيروس كورونا هشاشة الكثير من القطاعات ن من بينها مجال صناعة الكتاب، الذي يعاني حسب تصريحات الناشر سي يوسف من نقص شديد في نسبة المقروئية، كما أن مقولة «إن الجزائري يقرأ» المتداولة بكثرة بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش، فالإقبال الكبير للزوار على المعرض الدولي للكتاب لكن ليس معيارا صحيحا يمكن أن يقاس عليه، ولقد قمنا مع ارتفاع سعر الورق عالميا بتخفيض القيمة الربحية، حتى يبقى الكتاب في متناول الجميع».
لقد ألغت، يضيف وزارة التربية ميزانية شراء الكتب للمطالعة بالنسبة للمدارس وكان هذا الطلب يشكل نسبة 50 بالمائة من مبيعات دور النشر، كما أن هناك مكتبات على مستوى دور الشباب لا تقتني مشترياتها من الناشرين».
كنا منذ سنة 2010 يقول الناشر أحسن معزوزي « ننتج الكتاب الشبه- مدرسي الأمر الذي كان يساعدنا على الصمود، لكن مع تغيير البرامج كل مرة وجدنا أنفسنا مضطرين إلى رمي كل ما بدل وطباعة الجديد وهذه خسارة نتحملها لوحدنا، حتى الأولياء أصبحوا اليوم لا يشترون الكتب لأولادهم كما في السابق ويكتفون ببعض الكتب التي يستعملونها في الدروس الخاصة ورفع مستوى التلميذ ولا ننسى في هذا السياق انه القدرة الشرائية للمواطن قد شهدت هي الأخرى انخفاضا رهيبا.»
نداءات تنتظر تحرك الوزارة
يطالب الناشرون اليوم أمام هذه الأوضاع المزرية بضرورة تحريك الطلب العمومي للكتاب، مشيرين حسب داود فليتس إلى أن الوعود التي قطعتها الوزارة الوصية لهم لا تحمل لحد الساعة أي شيء ملموس لحد، قائلا أن « المنظمة الوطنية لناشري الكتب كانت قد اقترحت رزنامة معارض جهوية أن وزيرة الثقافة تحدثت على معرض افتراضي وبعدها معرض وطني، لكن...».
ويتفق الجميع انه لا بد أن تأتي الحلول من الوزارة، مقترحين عليها تقديم «إعانات مادية وقروض بدون فائدة مع تحديد نسبة شراء للمكتبات مع إلغاء الضريبة على عملية اقتناء الورق.
وأظن، يضيف فليتس في ذات السياق « أن الوقت قد حان لتلتفت لسلطات العمومية للكتاب، فهوقطاع اقتصادي يمكنه أن يكون ناجعا جدا وقطاع استراتيجي يحتاج إلى دعم كبير، فعندها نستطيع أن نؤسس لصناعة كتاب حقيقية ونعتمد على أنفسنا»، لقد أعلنت الوزيرة أن القوانين التطبيقية للكتاب هي الآن على طاولة الحكومة وقانون الكتاب منذ 2015 ونتفاجأ بلجنة أخرى وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر والكتاب باقي يحتضر».

إعانة مادية لا تسمن ولا تغني من جوع

لم تكن الإعانة المادية كدعم للخسارة التي لحقت بها جراء الأزمة الصحية، كافية للتخفيف من أضرار دور النشر، فناهيك أن عدد كبير من الناشرين لم يستفدوا منها، فمن أخدها اعتبرها غير كافية.
كشف الناشر غصبان رضوان أنه «على الرغم من استفادة مؤسسات النشر والتوزيع من مبلغ عشرة ألاف دينار قدم على دفعتين،، إلا أن المبلغ بكل صراحة لا يكفي لارستجاع شيء من الخسائر المترتبة عن غلق الفضاءات الثقافية العمومية والخاصة، وعدم توفر معارض كتاب ولا جلسات بيع بالتوقيع».
أيضا، يضيف « كمؤسسات نحن ملزمون بدفع الضرائب والتأمينات على العمال الذين لم يلتحقوا بمناصبهم، طبعا مع اعتبار وجود عمال يحتاجون للنقل غير المتاح لحد الساعة على مستوى بلدياتهم للوصول لمقر المؤسسة، ناهيك عن مختلف الخسائر الأخرى باختصار الأمر كارثي جدا. وعليه فإننا نطالب بإعادة النظر في الخسائر المرتبة عن هذا وإعطاء تسهيلات وتخفيضات في الضرائب والتأمينات، إضافة إنشاء معارض ولائية ووطنية هذه السنة لتقليل من ما تسبب فيه عدم وجود معرض سيلا».
ويرى المتحدث أن « المعارض الإلكترونية لن تحل المشكلة إطلاقا، ففائدتنا الحقيقية هي بيع الكتب من خلال المعرض وليس عرضه فقط، وهوالأمر الذي وإن تمت إتاحته عبر الموقع سيبقى له عدت مشاكل أخرى كمشكل التوصيل عبر البريد لبعض المناطق أوالعناوين السكنية التي لا تطابق وقد وقعنا فيه قبلا عند تجربتنا بالبيع عبر البريد، وعليه فالمعرض الإلكتروني لن يلقى نفس التجاوب كالصالونات والمعارض التي يكون فيها القارئ على تواصل مع كاتبه المفضل بشكل أكبر».