أكّد جامعيون ومحامون بعنابة، أنّ وثيقة تعديل الدستور المطروحة للاستفتاء الشعبي في الفاتح من نوفمبر المقبل، التي تتضمن دسترة الشفافية والوقاية من الفساد ومحاربته «تعكس إرادة صريحة وقوية للقطيعة مع ممارسات الماضي».
وقال جامعيون ومحامون في تصريحات لوكالة الأنباء الجزائرية، إن دسترة الشفافية تعد «أكبر دليل على إرادة المضي في هذا التوجه»، كما اعتبروا الشفافية «حجر الزاوية ضمن مقاربة الوقاية من الفساد ومكافحته، وأن ذلك لن يتحقق إلا باعتماد الشفافية في تسيير الشأن العام والمال العام».
فمصطلح الفساد الذي يعبر حسب ما صرح به الأستاذ عبد الرحمان عمارة، وهو قاضي سابق ومحامي حاليا وأمين عام لنقابة المحامين لناحية عنابة، عن سلوكيات الرشوة والاختلاس واستغلال السلطة والابتزاز وغسل الأموال وإعاقة سير العدالة، وغيرها من السلوكيات المضرة بالاقتصاد والمجتمع «ظل لمدة عشرين سنة يوظف كشعارات تستغل لأغراض انتخابية ودر للرماد في العيون» على حد تعبيره.
وقال في ذات السياق: «إن التصويت بنعم على التعديل الدستوري في الفاتح من نوفمبر المقبل لن يبقي مجالا لمثل هذه السلوكيات»، معتبرا دسترة الشفافية والوقاية من الفساد ومحاربته «استجابة لصرخة المواطنين في الحراك الشعبي لـ 22 فيفري».
ويرى ذات المتحدث كذلك، أن الشفافية «مفتاح الانتقال الفعلي للوقاية من الفساد ومحاربته»، موضحا بأن ما ورد في المادة 55 من التعديلات الجديدة والتى بموجبها يصبح للمواطن الحق في الوصول إلى المعلومات والوثائق والإحصائيات، وتداولها من شأنه أن «يكرس الشفافية ويرد الاعتبار لفعل الرقابة، ويحول المواطن إلى عنصر فاعل وفعال ضمن مقاربة مكافحة الفساد».
وأوضح في ذات السياق، بأن أدوات الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة، بالإضافة إلى التجارة الإلكترونية، يمكن توظيفها كآليات عصرية لتوفير شروط الشفافية، وإتاحة الفرصة أمام من يهمه الشأن العام من المواطنين، وذلك في إطار ما يخوله القانون من تداول المعلومات التي تمكن من تقييم الأداء في تسيير الشأن العام والمال العام.
دسترة حرية الصحافة تعزيز للشفافية
تأتي دسترة حرية الصحافة وحق الصحفي في الوصول إلى مصدر المعلومة، بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع المدني، من خلال رفع قدراته في الوقاية من الفساد ومحاربته، ونشر ثقافة الشفافية، وفق ما ذكره المتحدث الذي أكد في هذا السياق على «أهمية توفير آليات التجسيد الفعلي لفعل الرقابة المخول للسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته».
وقدّم الأستاذ عمارة في هذا الصدد بعض المقترحات على غرار «فتح رقم أخضر خاص بالتبليغ عن الفساد والفاسدين، مع ضمان الحماية القانونية والأمنية للمبلغين عن الفساد»، و»استحداث هيئات لتسيير الأرصدة المحجوزة ومتابعة عمليات الحجز’’، و»إعداد مرشد عملي يتعلق بإجراءات الحجز وتجميد ومصادرة، وتحصيل الأرصدة كآليات عملية تمكن من الوقاية من الفساد ومكافحته».
من جهته، اعتبر ناصر نايلي أستاذ العلوم القانونية والمالية بكلية الحقوق بجامعة باجي مختار بعنابة، أنّ المادتين 204 و205 من وثيقة التعديل الدستوري «تحدّد استقلالية السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وتحدد مهامها في تبني مقاربة محاربة الفساد تبنى على رؤية هدفها القضاء على مظاهر الفساد وتجلياته».
وحتى تتمكن هذه السلطة من أداء مهامها، أكّد المتحدث أنّه «من الضروري تحديد آليات بلوغها»، مشيرا إلى أن «الدراسات وتجارب الأمم في هذا المجال قد أثبتت العلاقة المباشرة بين الفساد وسوء التسيير».
وأضاف بأن عمل هذه السلطة تشاركي مع أجهزة الرقابة والمالية على غرار مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، بالإضافة إلى دور الصحافة والمجتمع المدني.
كما أبرز بأن تفعيل الدور الرقابي للأجهزة المختصة، وكذا المجتمع المدني والصحافة يمكن من «خلق وازع مجتمعي للتصدي للفساد»، مؤكدا في نفس الوقت أهمية تكوين كفاءات ومختصين في مجال مكافحة الفساد.
كما اعتبر الأستاذ فؤاد منصوري من كلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة عنابة، أن التعديل الدستوري «أعطى مكانة الأفضلية لمسألة الشفافية ومكافحة الفساد والوقاية منه من خلال المادتين 204 و205»، بحيث أصبح موقعها في محور مؤسسات الرقابة على غرار المحكمة الدستورية، ومجلس المحاسبة والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وذلك خلافا لدستور 2016 الذي كان يخص الفساد بموقع استشاري»، حسب قوله.
كما تحظى هذه السلطة في التعديل الدستوري، «بتفصيلات تحدد دورها الرقابي وعلاقتها بالسلطات الأخرى، وكذا المجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد وخلق ثقافة الحكم الراشد».
لكنه أشار في المقابل إلى أن مشروع التعديل الدستوري، «لم يحدّد طريقة اختيار أعضاء هذه السلطة»، معتبرا آلية التعيين «لن تخدم استقلالية هذه السلطة، وأن آلية الانتخاب هي التي تعزّز استقلالية السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته».