أبرز مختصون في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أمس، أن دسترة مبدأ مكافحة ظاهرة الفساد والوقاية منه، ضمن مشروع تعديل الدستور المطروح للاستفتاء في الفاتح من نوفمبر القادم يعكس إرادة حقيقية للتغيير، غير أنها تبقى مرهونة بالقدرة على التطبيق.
اعتبر المختصون أن ما جاء ضمن المواد الجديدة الخاصة بهذا الجانب على غرار تعزيز مشاركة المواطن والمجتمع المدني بفعالية في محاربة هذه الظاهرة، مكسب دستوري جدير بالتنويه لاسيما في ظل الحاجة الملحة لإحداث التغيير المنشود.
وحسب الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة وهران 2، والمختص في القانون الدستوري، عبد الغني سليماني، فإن الإرادة السياسية في التغيير موجودة وهي استجابة لأهم المطالب التي نادى بها الحراك الشعبي السلمي منذ بدايته، وعلى رأسها مكافحة الفساد ومحاسبة ومعاقبة المفسدين وتكريس الشفافية في تسيير الأموال العمومية وحمايتها.
وأضاف أنّ تعديل المادة 199 حول مجلس المحاسبة الذي أصبح بموجبها «مؤسسة عليا مستقلة للرقابة على الممتلكات والأموال العمومية»، وإدراج المادتين 204 و205 حول السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته ودورها ومهامها «أبلغ دليل على إرادة الدولة في تغيير الوضع الحالي، وتبني مقاربة أنجع في مكافحة الفساد وحماية المال العام مبنية على أسس صحيحة».
وعلاوة على كونها هيئة استشارية وقضائية وإدارية يكمن دورها في مراقبة تسيير المال العام في ظل الدساتير السابقة بالجزائر، فإن المادة الجديدة التي أدرجها مشرع التعديل الدستوري تجعل من مجلس المحاسبة «مؤسسة عليا مستقلة للرقابة على الممتلكات والأموال العمومية»، ومنحه أيضا استقلالية أكثر في مجال الرقابة القبلية والبعدية على تسيير أموال الدولة مثلما أوضحه الخبير.
وحسب الأستاذ سليماني، فإن كافة هذه الصلاحيات التي خص بها مجلس المحاسبة في ظل التعديل الدستوري سيمارسها بما ينسجم والآفاق والتطلعات إلى حكامة راشدة وتسيير شفاف ونزيه للأموال العمومية تسمح أيضا بالوقاية من شتى أشكال الفساد.
أما الهيئة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، التي جاءت بها المادة 204 كمؤسسة مستقلة، وحددت تنظيمها ومهامها المادة 205 «فجاءت بسبب وعي ودراية السلطات، والمشرع الجزائري بمحدودية التجارب السابقة في مكافحة الفساد، التي أثبتت فشلها في مجابهة هذه الظاهرة بالفعالية المرجوة، بينما ما فتأت تتجذر وتتنامى على جميع المستويات».
ومن هنا اتضح للمشرع - وفقا لذات المتحدث - إلزامية وضع آليات عملية لمكافحة الفساد على رأسها «الإخطار التلقائي» عن مظاهر الفساد، وفقا لذات المادة بهدف تعزيز صلاحيات هذه السلطة العليا.
وأبرز أيضا أهمية مهام وصلاحيات هذه السلطة من خلال المادة 205، والتي تتيح لها تولي مهمة وضع استراتيجية وطنية للشفافية، والوقاية من الفساد ومكافحته والسهر على تنفيذها ومتابعتها، وجمع ومعالجة وتبليغ المعلومات المرتبطة بمجال اختصاصها، ووضعها في متناول الأجهزة المختصة، وإخطار مجلس المحاسبة والسلطة القضائية المختصة كلما عاينت وجود مخالفات.
وعن الإستراتيجية التي كلّفت هذه السلطة العليا بوضعها، أكد المختص في القانون الدستوري أنه سيكون من المفيد العمل وفقا لها في مكافحة الفساد، «لكن التحدي الأكبر الذي يبقى على عاتق الدولة، لإنجاحها هو تطوير مجال الرقمنة لتعزيز الشفافية على الأموال العمومية، وتسهيل مهام الهيئات الرقابية ضد الفساد».
ومن جانبه، اعتبر الأستاذ بن حمادي عبد القادر أستاذ في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة وهران 2، أن دسترة مكافحة الفساد هي «خطوة نحو الأمام» في مكافحة هذه الظاهرة التي تفاقمت بشكل مقلق في المراحل السابقة، غير أنه ربط نجاح مكافحة هذه الظاهرة بمدى الحرص على معالجتها من المنظور الأخلاقي «لأن المواطن جزء من هذه الظاهرة، ولا يمكن تغيير الأوضاع دون مشاركته».
وذكر أنه «من المؤكد أن وضع قوانين وهيئات قوية وفعالة ورادعة لها شيء جيد، غير أن مكافحة الفساد ليست بالأمر الهين، وهي ظاهرة تنامت بفعل مناخ وذهنيات ساهمت كثيرا في تفشيها ومقاومتها للأعمال الوقائية والردعية».
وأعرب الخبير عن أمله في أن ينجح الدستور المطروح للاستفتاء في معالجة واستئصال هذه الظاهرة من جذورها، خاصة وأن تبعاتها خطيرة، تنخر الاقتصاد الوطني وتعيق مسيرة التقدم»، داعيا إلى إشراك جميع الفعاليات لتحقيق هذه الغاية على غرار تحضير الناشئة وتوعيتها، وكذا تعزيز دور المجتمع المدني.
واعتبر أنّ استحداث سلطة عليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته بمهام منصوص عليها في الدستور «شيء جيد وهام جدا»، ويبقى تفعيلها هو التحدي الأكبر حتى تساهم في إحداث التغيير.