تعديل الدستور يسمح بمؤسسات منتخبة جديدة قبل نهاية السنة
دول «لا تحـاربنا مبـــاشرة، بل تكلّف منظمات غير حكــوميــة»
قال رئيس الجمهورية أنّ «الدولة الجزائرية ستكون بعد التعديل الدستوري أكثر أخلقة وفي خدمة الشعب حقيقة وليس في خدمة مجموعة «، مقرّا بأنّه «يراهن على ثقل الشعب الذي يظل «الفيصل»، من أجل بلوغ «مؤسسات جديدة منتخبة قبل نهاية السنة».
مراجعة قانون الانتخابات خلال شهرين ونصف الشهر
أفاد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أن للجنة الوطنية المكلفة بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي للانتخابات مهلة «شهرين ونصف مبدئيا» لتقديم عملها، معربا عن أمله في الخروج بمؤسسات منتخبة جديدة، قبل نهاية السنة.
وقال رئيس الجمهورية، في مقابلة جمعته بمسؤولي وسائل إعلام وطنية بثها التلفزيون العمومي، سهرة الأحد: «ما أتمناه هو أن يصادق المواطنون على مشروع تعديل الدستور، لنمرّ مباشرة إلى مراجعة قانون الانتخابات الذي سيعرض على البرلمان من أجل الخروج، إذا كان في المستطاع، بمؤسسات جديدة منتخبة قبل نهاية السنة».
وشدّد الرئيس على أنّ «المصلحة الوحيدة التي يتوجّب عليه مراعاتها هي مصلحة الشعب والوطن، وكل ما تبقى غير ذلك يتعيّن التأقلم معه»، ليضيف بأنّ «الخروج بمؤسسات منتخبة ناقصة المصداقية، بعد كلّ التغييرات التي أنجزت إلى غاية الآن، يجعل منّا وكأنّنا لم نفعل شيئا».
وفي حديثه عن أهمّ التغييرات التي سيحققها الدستور المقبل الذي سيعرض على الاستفتاء، شهر نوفمبر القادم، أكّد الرئيس تبون على أن التمثيل سيكون من خلاله «حقيقيا، مع توفير صلاحيات واسعة للمنتخبين».
وتوقف عند «الفضائح» التي تكشف عنها المحاكمات الجارية، مشيرا إلى أن هذا الوضع «لا يعني عدم وجود أشخاص انتخبوا بصورة نزيهة، غير أن صوتهم ربما لم يكن عاليا بالشكل الكافي في الهيئات المنتخبة أمام من أغراهم المال الفاسد «.
وفي رد على سؤال حول إمكانية ظهور مقاومة لهذه التغييرات المنشودة، أكّد رئيس الجمهورية أنّه يراهن على ثقل الشعب الذي يظلّ «الفيصل»، مذكّرا بسعيه إلى أخلقة الحياة السياسية ممّا يعني «الإنصاف بين المواطنين، وترك الاختيار للشعب».
«هذا وقت التغيير إذا أراد الشعب»
وأعرب الرئيس تبون عن قناعته بأن «الدولة الجزائرية ستكون بعد التعديل الدستوري أكثر أخلقة وفي خدمة الشعب حقيقة وليس في خدمة مجموعة من المجموعات (تمارس) سيطرة أبوية عليه».
وبعد أن شدّد مجدّدا على أنّ الشعب هو وحده من يقرّر مصيره، تابع الرئيس تبون قائلا: «إذا أراد الشعب التغيير فهذا أوانه حتى لا نبقى في الغموض الذي كان سائدا من قبل»
وتطرّق تبون إلى الدور المنوط بالشباب ضمن الدستور الجديد، الذي ينصّ على إدماج هذه الفئة بالإضافة إلى المجتمع المدني الذي «أضحى، ولأول مرة، مدسترا وشريكا حقيقيا في تسيير أموره».
وبخصوص تنظيم الاستفتاء المقبل في ظل الأزمة الصحية نتيجة تفشي وباء كوفيد-19، أوضح رئيس الجمهورية بأنّ هذا الموعد سيشهد بدوره تطبيق بروتوكول صحي، خلال عملية الاستفتاء، من خلال تطبيق الإجراءات الصحية المتعارف عليها كالتباعد الجسدي وارتداء الكمامة وغيرها.
«الهوية مفصول فيها »
كما ذكّر بأنّ التخوّف من تنظيم هذا الموعد مثل التخوّف الذي كان قد أبداه الكثيرون بالنسبة لتنظيم امتحاني شهادة المتوسط والبكالوريا، غير أنّه أكّد على أنّ «الشعب واع» في هذا الشأن. كما أعرب عن أمله في أن يكون اللقاح الموجّه لهذا الوباء حاضرا قبل تنظيم استفتاء الفاتح من نوفمبر المقبل.
وحول سؤال يتعلّق بالأصوات التي ارتفعت تحت غطاء الحراك منادية بإلغاء بعض المواد المتعلقة بالثوابت الوطنية التي ينصّ عليها القانون الأسمى للبلاد، ردّ رئيس الجمهورية بالقول: «الهوية مفصول فيها «و»الأمازيغية لا تعني منطقة معيّنة بحد ذاتها»، كما أنّ «الإسلام يبقى دين الدولة».
قرار فتح المدارس لن يكون سلطويا
وأكد رئيس الجمهورية، أنّ قرار فتح المدارس تحسّبا للسنة الدراسية 2020-2021 لن يتّخذه بمفرده، بل بالتشاور مع الهيئة الوطنية المختصة والأطباء.
وقال تبون أن قرار فتح المدارس «لن أتخذه بمفردي ولن يكون هذا القرار سلطويا، بل بالتشاور مع علماء الطب الجزائريين ومع الهيئة الوطنية المختصّة التي ستتحمّل مسؤوليتها».
وتابع رئيس الجمهورية أن «دولا أوروبية فتحت المدارس وتمّ استئناف الدراسة فيها إلاّ أنّها اضطرّت فيما بعد إلى إغلاقها، بعدما اكتشفت أن الأطفال معرضون هم أيضا للإصابة بفيروس كورونا»، متسائلا بالمناسبة: «هل الهدف هو تطبيق برنامج تعليمي أم حماية المواطن».
وشدّد تبون على أن الجزائر «اختارت حماية المواطن»، مشيرا إلى إمكانية برمجة دخول مدرسي «حسب وضعية كل ولاية وليس بالضرورة أن يتمّ هذا الدخول في يوم واحد عبر كل ولايات الوطن».
وبالنّسبة للدخول الجامعي، أوضح رئيس الجمهورية بأنّه سيكون للجامعة «استقلالية» في تحديد تاريخ هذا الدخول، بحيث «لن يكون للجزائر يوم موحّد للدخول الجامعي، بل كلّ حسب تنظيمه وإمكانياته، إذ من الممكن أن تفتح جامعات أبوابها فيما تتأخر أخرى».
وفي هذا الصدد، تطرّق رئيس الجمهورية إلى المشاكل المرتبطة بالدراسة في الجامعة، مستدلا بضرورة تحقيق التباعد الجسدي في الإقامات الجامعية والمدرّجات مثلما تفرضه الإجراءات الخاصة بمكافحة فيروس كورونا، وهو الأمر الذي «يتطلب نظاما آخر».
وخلص إلى القول : «ما دمنا لم نحلّ هذه المسائل، لا يمكننا أن نغامر بصحة المواطن التي تعتبر أولوية بالنسبة لنا».
165 مليار دينار لمواجهة الجائحة
تطرّق الرئيس تبون للوضع الصحي في البلاد، مع انتشار وباء كورونا، مشيدا بدرجة الوعي التي تحلّى بها الجزائريون في تعاملهم مع هذا الوباء وتقيّدهم بالتدابير الوقائية، كاشفا عن مخصّصات مالية لمواجهة الجائحة قدّرت بـ165 مليار دينار، إضافة إلى جهود الدولة في إجلاء «قرابة 33 ألف جزائري كانوا متواجدين في 44 دولة وتم تسجيل 44 حالة مؤكّدة بينهم و4 وفيات».
قضية درارني لا تتعلق بالصحافة
أكّد الرئيس الجمهورية تبون، أن حرية الصحافة مكفولة في الجزائر ولا يوجد أيّ تضييق عليها، مبرزا أن حرية التعبير لها «حدود» وأنّ هناك قانون يطبّق على الجميع.
وقال رئيس الجمهورية: «لقد سبق لي التطرّق إلى موضوع حرية التعبير في الجزائر وقلت هل هناك دولة في العالم بحجم الجزائر لديها 180 جريدة يومية وما يقارب 8500 صحفي، فضلا عن تدعيم ورق الطباعة من طرف الدولة واستفادة هذه الجرائد من الإشهار، لتجد في النهاية كتابات كلّها سبّ وشتم ومساس بالأمن العمومي». وأضاف أنه بالرغم من ذلك، «لم يتم المساس بهم أو معاقبتهم تجاريا».
وفي رده عن سؤال يتعلق بخالد درارني، الذي تمّت إدانته مؤخرا بسنتين حبسا نافذا، أكد رئيس الجمهورية أنه لا يمكن الحكم بعدم وجود حرية التعبير في بلد ما «بسبب شخص قضيته لا تتعلق بمجال الصحافة ولا توجد أيّ وثيقة رسمية تربط هذا الشخص بالقناة التي ادّعى أنه يعمل فيها».
وشدّد على أنّ حرية التعبير «مكرّسة»، وأنّه «إذا كان هناك تضييق فهو على الشتم»، مشيرا إلى أنّ القانون يطبّق على الجميع لوضع حدّ للفوضى.
واستطرد في هذا الشأن قائلا: «القانون هو نفسه الذي يطبّق في أوروبا ولا يوجد شخص داخل السجن (في الجزائر) بسبب مقال كتبه. فنحن نمنع السبّ والشتم والمساس بأمور أمن الدولة».
وبخصوص تقارير بعض المنظمات الدولية التي تتحدّث عن التضييق على حرية الإعلام في الجزائر، قال الرئيس تبون أن هذه التقارير «لا تؤثر على سياستنا»، لأن التغيير في الجزائر ـ مثلما أضاف ـ «لا يرضي هذه المنظمات التي لا تريد الديمقراطية للشعب الجزائري وتعتبره شعبا من الدرجة الثانية».
وأبدى رئيس الجمهورية تأسّفه «لازدواجية المعايير» في التعامل مع الأحداث، مشيرا إلى أنّ «أمورا خطيرة حدثت في بعض الدول لم يتم التطرّق إليها».
وأضاف أن الجزائر «مستهدفة» من قبل بعض الأطراف التي تريد ضرب استقرارها، مؤكّدا أن دولا «لا تحاربنا مباشرة، بل تكلّف منظمات غير حكومية بهذه المهمة».
وقال في هذا الصدد «أنّنا نتعامل مع تقارير بعض المنظمات بجدية، نظرا لمصداقيتها»، على غرار منظمة «منظمة العفو الدولية» التي «أحترمها» لأنّها أثبتت «مصداقيتها» في التعامل مع كثير الأحداث كالحروب، ونفس الشيء بالنّسبة لمنظمة «مراسلون بلا حدود (آر.أس.آف) التي تضمّ صحفيين «محترمين»، غير أن تنصيب شخص إبن كولون (معمر فرنسي) «يحاول دائما إعطاء الدروس للجزائريين، فهذا أمر غير مقبول. لذا ينبغي البحث عن مؤسسي هذه المنظمات وكيفية تمويلها».
الجزائر لن تتراجع عن استرجاع رفات مقاوميها
وجدّد الرئيس تبون، تأكيده على أن الجزائر لن تتراجع عن استرجاع رفات مقاومي الاحتلال الفرنسي، والتي يقارب عددها المائة، والأرشيف الخاص بتلك الفترة من تاريخها.
وقال رئيس الجمهورية، إنّ الجزائر وبعد استعادتها لجماجم 24 شهيدا، ستواصل في هذا المسار، خاصة بوجود رفات «ما يربو عن مائة مقاوم جزائري» في فرنسا، وأبرز حرصه على استرجاع الأرشيف الوطني المتعلق بالفترة الاستعمارية.
وعلى الرغم من أنّ الأمور المتعلقة بهذا الملف «ليست بهذه البساطة»، إلا أنّ رئيس الجمهورية أبرز أن «الأمر الإيجابي» هو ما لمسه لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبعض مستشاريه من «استعداد ونية حسنة لحلّ هذا المشكل»، واصفا تعيين المستشار والمؤرخ بنجامين ستورا من الطرف الفرنسي حول ملف الذاكرة «بالقرار الصائب».
وذكر بوجود «لوبي ترعرع في الكراهية ويضيع وقته على أمل استرجاع الجنّة المفقودة»، وهو أمر «أعتبره مضيعة للوقت، لأنّ الجزائر حرّة مستقلة ولن تتخلى عن سيادتها».
وتوقف الرئيس عندما تقوم به هذه الأطراف المعادية للجزائر للتأثير على العلاقات الثنائية بين البلدين، ليكرّر مجدّدا بأنّ الجزائر «لن تتراجع عن مرادها».
وبالمقابل، تطرّق الرئيس تبون إلى الفئة الأخرى من الفرنسيين، الذين «يطالب الكثير منهم بالتوقف عن ممارسة الكراهية تجاه الجزائريين والالتفات بدل ذلك إلى حلّ المشاكل الداخلية لبلدهم».
وأوضح أن «قناة الذاكرة» ستنطلق في الفاتح من نوفمبر المقبل وسيتم من خلالها التطرّق إلى كلّ ما يتعلق بالتاريخ الاستعماري لفرنسا في الجزائر.