ساهم الطلبة الجزائريون الذين تخرجوا من جامع الزيتونة بتونس، في دعم الثورة التحريرية، حيث امتد نشاطهم النضالي لسنوات عديدة حين أغلقت الإدارة الاستعمارية المعاهد والمدارس العليا، التي كانت تلقن أبناء الشعب اللغة العربية والدين الإسلامي. هذا ما أكده المناضل محمود الباي وأحد طلبة الزيتونة في مداخلته القيمة خلال الندوة التي نظمتها جمعية مشعل الشهيد، بالتنسيق مع يومية المجاهد، أمس، حول موضوع «مشاركة طلبة معهد الزيتونة في الثورة»، حيث تم تكريم بلقاسم بن هني الذي كان طالبا نشطا في صفوف جيش التحرير الوطني.
اعتبر محمود الباي موضوع مساهمة طلبة الزيتونة في الكفاح المسلح بالهام جدا، ويتطلب بحثا ودراسة معمقة وطويلة، موضحا أنه منذ سنة 1850، بدأ الجزائريون يتجهون نحو بلدان المغرب، تونس والمشرق لاكتساب العلوم حفاظا على لغتهم ودينهم، ويساهمون بها في تثقيف أبناء جلدتهم، وقد أفضى ذلك إلى بروز شخصيات كبيرة على مستوى العالمين العربي والإسلامي، مثل الشيخ الفضيل بجامع الأزهر، والطاهر الجزائري بسوريا.
وأضاف المحاضر، أنه في تونس بدأت تتكون جمعيات استمرت في نشاطها لغاية سنة 1946، منها جمعية «البعثة» التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وجمعية الطلبة الجزائريين التابعة لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث انخرط في هاتين الجمعيتين مجموعة من الطلبة بلغ عددهم ما بين 200 و300 طالب، مؤطرين بتنظيم محكم له صبغة وطنية، بالإضافة إلى طلبة معهد ابن باديس الذي كان فرعا من فروع جامع الزيتونة، منهم فركوس أحمد، محمد مساعدية، هجرس وسعيد عبادو.
وفي هذا الشأن، أكد محمود الباي، أن الطلبة كانوا يأتون من جميع أرجاء الوطن متضامنين ومتعاونين فيما بينهم، ولم تكن هناك جهوية. كما أنهم عانوا كثيرا من الناحية المادية بتونس، لكنهم واصلوا دراستهم في تلك الظروف الصعبة، مبرزا في هذا الإطار أنه بعد مجازر 1945، اشتد النضال في الجزائر وبدأت المطالبة بالعمل المسلح، فالتحق الطلبة المتواجدون على مستوى هذه التنظيمات بالثورة، منهم عبد الحميد مهري، محمد مرازقة، بلقاسم بن هني، بلقاسم رزيق، مولود نايت بلقاسم، عيسى مسعودي، لمين بشيشي، بوصبيعات محمد، علي حسن باي، توفيق ولد تركي أحمد وغيرهم...
وأضاف، أن هؤلاء المسؤولين كانوا يرشدونهم وينظمونهم، ويعملون على نشر الوعي وسطهم، كما كانوا حريصين على حثهم على مواصلة دراستهم، والإكثار من المطالعة بحكم أنهم كانوا أصغر سنّا، مشيرا إلى أن الطلبة كان لديهم تكوين سياسي مسبق ومتشبعين بالروح الوطنية، منهم من تدرب في بعض المدارس العسكرية كالطيار محمد عنتر، وعبد الحليم عنتر، بودماغ مسعود، ومنهم من أسندت له مهام المحافظ السياسي، مرشد للكتائب وغيرها.
وبالموازاة مع ذلك، أشاد محمود الباي بكفاح بلقاسم بن هني منذ صغره، ووطنيته التي تلقاها بمدرسة القليعة التي أسستها عائلة سيدي علي مبارك، مستعرضا نبذة عن مسيرته النضالية قائلا، إن بلقاسم بن هني أرسل إلى تونس لمزاولة دراسته، وفي العطلة الصيفية يعود إلى الجزائر ليلقي الخطب الحماسية التي تدعو للكفاح المسلح في كل منطقة يزورها، كما أسس جمعية التمثيل المسرحي لتوعية الشباب، حيث كان من الأوائل الذين التحقوا بالثورة سنة 1955، وعين مسؤولا بالناحية الثالثة للمنطقة الثانية سنة 1957 خلفا للشهيد العيد لوزري، وبعد الاستقلال تقلد عدة مسؤوليات آخرها الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين.
وبالمقابل، أشاد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، سعيد عبادو، بخصال ونضال بلقاسم بن هني الذي وصفه بالمجاهد والصديق الوفي والثابت في مواقفه، وكذا المثال الذي ينبغي أن تقتدي به الأجيال الصاعدة، داعيا إلى رد الاعتبار لمن خدموا الجزائر. كما نوه بمبادرة جمعية مشعل الشهيد، بتكريم بن هني، معتبرا إياها بالطريقة المثلى لتبليغ الرسالة للشباب على ما قدمه جيل نوفمبر، وكذا تذكر المجاهدين الذين تحملوا الأعباء.
من جهته قال المجاهد أحمد واضح، الذي كانت كلمته قصيرة، أن الطالب الجزائري بالزيتونة عانى كثيرا من الناحية الاجتماعية، ومن مراقبة الإدارة الاستعمارية له بعد عودته إلى قريته.