هناك فرق بين سوء التقدير والتصرفات العمدية
مكـــافحـة الفسـاد أمـر لا رجعـة فيــه
أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا مهما، بشأن الرسائل المجهولة، وكيفية التعامل معها، استنادا إلى ما قاله الرئيس عبد المجيد تبون، عن هذا الأمر بالذات، في ثاني لقاء للحكومة مع الولاة.
البيان الرئاسي ركز على ضرورة «التمييز بين أخطاء التسيير الناجمة عن سوء في التقدير والتصرفات العمدية، التي لا تخدم سوى القائمين بها أو أطراف أخرى تحركها نوايا سيئة».
وحذر البيان من تحويل مكافحة الفساد، التي يعتبرها الرئيس ضرورية ولا رجعة فيها، «حملة للمساس باستقرار وسائل إنجاز وتجسيد مهام الدولة ومختلف هياكلها التنفيذية».
ونبّه البيان من «الشائعات التي غالبا ما يروّج لها أصحاب المال الفاسد تغذي هذا الجو العكِر، وغايتهم المساس، بأي ثمن كان، باستقرار الدولة وهياكلها والإفلات من مصيرهم المحتوم.»
أصدرت رئاسة الجمهورية، أمس، بيانا بشأن الرسائل المجهولة، هذا مضمونه: «سبق لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أن أعلن في كلمة افتتاحية ألقاها في اللقاء الثاني للحكومة مع الولاة، لهذه السنة، المنعقد بتاريخ 12 و13 وأوت الماضي، عن عدم الاعتداد بالرسائل المجهولة في الملاحقات القضائية.
ومباشرة بعد هذه الكلمة، وجّه رئيس الجمهورية تعليمة إلى أعضاء الحكومة ومسؤولي الأجهزة الأمنية، هذا نصّها:
أبرزت تقارير واردة إلى رئاسة الجمهورية أن عددا من إطارات الدولة والمسؤولين على مختلف المستويات تمّت متابعتهم قضائيا، بناء على مجرد رسائل مجهولة، غالبا ما كانت عارية من الصحة، تمّ توجيهها إلى مختلف الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة.
وأدّى ذلك إلى حرمان عدد من هؤلاء الإطارات من حريتهم، وخلف حالة من الشلل في نشاطات الإدارات والمؤسسات العمومية بسبب الخوف والخشية من الوقوع تحت طائلة المتابعة، بناء على مجرد رسائل مجهولة، حتّى أن العديد من المسؤولين الآخرين أصبحوا يقتصرون على الحد الأدنى من التزاماتهم، ويمتنعون عن أيّ مبادرة، ما أسفر عن تأجيل معالجة ملفات هامة، تكتسي أحيانا الطابع الاستعجالي، إلى تواريخ لاحقة، متسبّبة في إلحاق أضرار بليغة بسير هذه المؤسسات.
وبناء على ما سبق، من الضروري التمييز بين أخطاء التسيير الناجمة عن سوء في التقدير والتصرفات العمدية، التي لا تخدم سوى القائمين بها أو أطراف أخرى تحركها نوايا سيئة. إن الإدارة القضائية تمتلك للقيام بذلك، كل الوسائل القانونية لإجراء التحريات اللازمة في هذا الشأن.
إذا كانت مكافحة الفساد أمرا ضروريا ولا رجعة فيه، فإن ذلك لا يجب أن يأخذ مهما كان الأمر، مجرى حملة للمساس باستقرار وسائل إنجاز وتجسيد مهام الدولة ومختلف هياكلها التنفيذية.
إنّ الشائعات التي غالبا ما يروّج لها أصحاب المال الفاسد تغذي هذا الجوّ العكِر، وغايتهم المساس، بأي ثمن كان، باستقرار الدولة وهياكلها والإفلات من مصيرهم المحتوم.
بهذا الصدد، يجب، وبمجرد تلقي هذه التعليمة، التمييز بين :
أ - الأعمال الناجمة، رغم طابعها المدان، عن عدم الكفاءة أو سوء التقدير، والتي لا تنمّ عن أيّ نية أو إرادة في الفساد الإيجابي أو السلبي، ولا تجلب أي امتياز لشخص العون غير الكفء، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولا لعائلته أو أصدقائه أو معارفه. إن هذه الأفعال ستعاقب بشكل صارم على المستوى الإداري.
ب - الأفعال التي خلفت خسائر اقتصادية ومالية للدولة بهدف منح امتيازات غير مستحقة للغير، منتهكة القوانين والتنظيمات ودون أيّ استشارة مكتوبة للسلطة السلمية.
في هذا الإطار، فإنّ الشك مسموح به ووجب توجيه التحقيق نحو البحث عن الأدلة الملموسة التي تفضح الفساد السلبي أو الإيجابي.
وبالمقابل، فإن أيّ مساعدة يقدّمها المواطن مباشرة أو عبر وسائل الإعلام مقرونة بالأدلة الضرورية، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار خلال التحقيقات المحتملة.
ومن البديهي أنّ واجب الدولة في هذه الحالة هو حماية المواطن ضدّ كافة أشكال الانتقام.
في هذا الصدد، فإن كل شخص يحوز معلومات حول الفساد مدعوّ إلى التقرّب من السلطات المؤهلة، وفقا للإجراءات المعمول بها، أو إن تعذر ذلك، التوجّه صراحة إلى وسائل الإعلام التي يكرّس الدستور حريتها.
وبناء عليه، سيتم إسداء تعليمات لوزير العدل ومسؤولي الأجهزة الأمنية، المشرفين على الإجراءات الأولية والقضائية، كل في حدود اختصاصاته، بعدم أخذ رسائل التبليغ المجهولة بعين الاعتبار من الآن فصاعدا، لأنّها لا يمكن أن تكون بأيّ حال من الأحوال دليلا قطعيا لنسب وقائع تكتسي صفة الجريمة أو الجنحة. إنّني أولي الأهمية البالغة للتنفيذ الصارم لهذه التعليمة».