المحمدية، من كبرى دوائر ولاية معسكر من حيث المساحة والكثافة السكانية، كانت في وقت ما صمّام الاقتصاد المحلي، بصيتها الذائع في مجال إنتاج وتصدير عدة منتوجات فلاحية ذات أهمية اقتصادية بالغة، بداية من زراعة القطن، التبغ، الخضروات، تربية النحل وزراعة أزيد عن 20 نوعا من الحمضيات.
تاريخيا، قدّمت المحمدية ما يقارب أو يفوق 14 ألف شهيد قضوا نحبهم، مدافعين عن الأرض والعرض إبان فترة الاحتلال الفرنسي، ويفضّل سكان المحمدية أن يذكر تاريخ المنطقة المجيد، في مقدمة عرضهم لمشاكلهم التنموية، لعل تاريخ المنطقة يشفع لها لاستعادة أمجادها الاقتصادية والفلاحية، بعد أن توقّف شريان الحياة «سد فرقوق» في المنطقة عن النبض، بمحيط هبرة على مساحة 10 آلاف هكتار من الأراضي الفلاحية، عبر 6 بلديات مقطع دوز، سيدي عبد المومن، الغمري، سجرارة الفراقيق والمحمدية، اين تمارس الأنشطة الفلاحية التي تعد مصدر رزق سكان المحمدية.
قدوما من دائرة عين فارس عبر طريق محفوف بالمنعرجات الضيقة والمهترئة، تشق سلسلة جبال بني شقران في جهتها المطلة على سهل هبرة وحقوله الخصبة التي تقاوم الجفاف، ووصولا الى عين الكبيرة، سجرارة مركز، سيدي حمادوش، واد المالح، الى البرجية، وبني تيمي، تكاد تختفي معالم الحياة الكريمة، بيوت هشّة في حالة متقدمة من القدم، تظهر عليها تشققات وأسقف القصدير، مازال سكانها ينتظرون التفاتة السلطات المحلية من أجل الحصول على الإعانة الريفية أو سكن لائق يوفّر لهم العيش الكريم.
مشاحنات بين أعضاء لمجالس المحلية..
لكن حسب عيّنة من السكان، فالحصول على الإعانة الريفية مرتبط بالانتماء الحزبي وحسب درجة القرابة من رئيس البلدية وحاشيته، كما هو الحال بالنسبة لباقي متطلبات العيش، فحتى توزيع المياه عبر احياء هذه البلدية مرتبط بعامل الانتماء الحزبي والعروشي، ومختلف الاعانات الاجتماعية التي تخصصها الدولة للفئات الهشة والمعوزة تحتكم الى ذلك على حد شكاوى السكان.
عطش، عزلة وأزمة سكن
يشتكي سكان بلدية سجرارة ودواويرها من مشاكل عديدة، أبرزها ثلاثية العطش، العزلة وأزمة السكن الخانقة، فبالنسبة للعطش، تتوفر المنطقة على ما يكفي من هياكل ومرافق التموين بمياه الشرب تغيب عنها الصيانة الدورية، على غرار دوار بني تيمي، الذي يعتبر لسان حال باقي التجمعات السكانية الريفية بهذه البلدية المتعطلة عن التنمية، التي لا تختلف فيها انشغالات ومطالب سكانها، حيث يشتكي سكان دوار بني تيمي، ومثله دوار البرجية، واد المالح، العرايبية، ولاد مبارك، قشايرية، الياشبة، عين الكبيرة ودواوير اخرى، من انقطاع المياه لفترات طويلة، ما يدفعهم الى اقتناء هذا العنصر الضروري للحياة عن طريق الصهاريج، التي تكلفهم نفقات كثيرة مقابل وضعهم الاجتماعي المعروف بالفقر، العوز، اهتراء الطرق، تزيد من قساوة الظروف بمناطق الظل، زيادة على ذلك، يشتكي سكان هذه المناطق الريفية من العزلة نتيجة اهتراء الطرقات والمسالك، ورغم ما خصص من برنامج لتحسين وتأهيل شبكة الطرق بمناطق الظل، ما زالت طرقات هذه المناطق في حاجة ماسة الى رد الاعتبار، امام ازدياد حاجة السكان الى التنقل لقضاء حاجاتهم اليومية، سواء للدراسة او العمل او العلاج وغيرها، وفي ظل الوضع المزري لشبكة الطرق بين هذه التجمعات السكانية المعزولة، كثيرا ما يرفض الناقلون تقديم خدماتهم للساكنة تجنبا للاعطاب التي تلحق بمركباتهم نتيجة عبور المسالك الترابية المهترئة.
الوضع البيئي هاجس سكان سجرارة
الوضع البيئي ببلدية سجرارة هو الآخر يشكّل هاجسا للسكان، في ظل انتشار مقلق لمستودعات تربية الدواجن، وما تتسبب فيه الروائح المنبعثة منها من تلوث للمحيط، ناهيك عن انتشار الحفر الصحية لصرف الفضلات والمياه المستعملة التي صارت مصدرا آخر للتلوث البيئي وتفشي محتمل للامراض والاوبئة، في غياب شبكات التطهير.
تعطل التنمية بسبب انسداد بمجلس بلدية سجرارة
يتخبّط سكان بلدية سجرارة بالمحمدية في ظروف قاسية لاسيما بمناطق الظل، دفعتهم الى الاحتجاج عن تصرفات منتخبين محليين ومعاملتهم للتركيبة السكانية على أساس عروشي وانتماء حزبي، ما يعتبر سببا في عدم استقرار بلدية سجرارة خلال العهدة الانتخابية السارية والعهدات التي سبقتها.
كما يرجع تعطل التنمية ومصالح المواطنين ببلدية سجرارة في دائرة المحمدية، اساسا الى مشاحنات داخل مجلسها البلدي أدت إلى انسداد لم تجد له السلطات الولائية حلا سوى التوجه نحو تجميد المجلس البلدي المنتخب، على حد تصريح والي معسكر عبد الخالق صيودة، الذي اعلن بداية هذا الأسبوع على قرار الفصل في الانسداد الحاصل داخل مجلس بلدية سجرارة وتكليف مندوبية ادارية لتسيير شؤون البلدية ومواطنيها بعد فشل محاولات الصلح والتقريب بين وجهات نظر منتخبي المجلس البلدي، كخطوة متقدمة نحو معالجة العشرات من انشغالات سكان المنطقة، لاسيما بالنسبة لساكنة مناطق الظل.
تمييز بين الأحياء في برمجة مشاريع التنمية بمقطع «دوز»
لكن بلدية سجرارة ليست الوحيدة بدائرة المحمدية التي تتخبط في مشاكل واهية بسبب خلافات المنتخبين، ففي بلدية مقطع «دوز» يواجه السكان مشاكل جدية، بداية من غياب الانارة العمومية والانارة الريفية، إلى السكن الريفي الذي يطعن سكان المنطقة في شفافية كل حصة يتم توزيعها، بحجة عدم استيفاء المستفيدين من الشروط أو وجود علاقة قرابة بينهم وبين منتخبي مجلس بلدية مقطع دوز، إن لم يكن المستفيدون أنفسهم منتخبين بالمجلس.
اختلال التّوازن التّنموي بين الأحياء
على حد شكاوى كثيرة ترد مكتب «الشعب»، من سكان هذه البلدية، فإن مشاكل أحياء ودواوير مصنفة ضمن مناطق الظل متمثلة في تركيز جهود البلدية للتنمية على احياء دون أخرى، على أساس التمييز بين السكان، الذين أظهروا ولاءهم لرئيس البلدية في الانتخابات المحلية، في حين يدافع هذا الاخير عن اختلال التوازن التنموي بين أحياء ودواوير مقطع دوز، بالقول إن البلدية عاجزة عن تسجيل برامج مكافئة لاحتياجات السكان بسبب مواردها المالية الشحيحة.
ويشتكي سكان دوار الجنينة، برامي، القبالة والحي الجديد ببلدية مقطع دوز، من غياب الانارة العمومية، التهيئة والكهرباء الريفية، زيادة على غياب الربط بالمياه وانتشار الأوساخ على امتداد مجرى واد لصرف المياه، في وضع لم يعد يحتمله سكان هذه الدواوير، لاسيما شريحة البدو الرحل التي استقرت بالمنطقة وتزاول نشاط تربية الأغنام.
وببلدية المحمدية نفسها، مازالت الصراعات داخل المجلس البلدي سيدة الموقف رغم التدخلات المتكررة للوصاية لردأ الصدع بين المنتخبين، لكنها خلافات لم تؤثّر كثيرا على سير المشاريع التنموية المخصصة للمنطقة، دون إغفال مشاكل من نوع آخر تعرقل كثيرا جهود الدولة في تحسين أوضاع مناطق الظل.
على غرار دوار جبور الذي يتخبّط في مشاكل ونقائص تنموية، ترجع في الأساس إلى منازعات قضائية حول العقار، طال أمد معالجتها مع احد الملاك الخواص للأراضي التي شيدت عليها قرية دوار جبور.
محاولة تغيير فاشلة
وذكر سكان هذه المنطقة أن جميع محاولات السلطات المحلية لإحداث تغيير في ملامح التنمية بدوار جبور، باءت بالفشل، حيث لا يتم تسجيل مشروع تنموي لفائدة السكان إلا واصطدمت مصالح بلدية المحمدية مع مشكل ملكية الوعاء العقاري.
وغير بعيد عن دوار جبور على مسافة 10 كلم، تتشابه معالم التأخر التنموي بأحياء شبه حضرية تصنف هي الاخرى ضمن مناطق الظل، على غرار حي الاخوة بن شنين «سنتاجيني» الذي اكثر ما يميزه غياب التهيئة الحضرية، الارصفة والطرقات المهترئة، وكان سكان حي الاخوة بن شنين ينتظرون بفارغ الصبر مشروع ربط سكناتهم بالغاز الطبيعي، لكن المشروع خلف الكثير من الأضرار على طرقات ومسالك التجمع السكني التي تتجمّع على حوافها ركام الأتربة والقمامة، فضلا عن ضعف التكفل الصحي بسكان هذا التجمع السكني الذي يغرق بشكل متكرر في مياه الفيضانات والسيول المتدفقة من مجاري أودية تحيط بحي الإخوة بن شنين، التي تعتبر أيضا مصدرا لانبعاثات الروائح الكريهة والزواحف السامة لاسيما في فصل الصيف.
أما في مجال السكن، يشتكي سكان حي سانتاجيني ببلدية المحمدية من قلة الحصص السكنية المخصصة لهم مقابل الكثافة السكانية المرتفعة.
كما يطرح سكان دوار الحدايدية، الزناندة بنفس المنطقة من الانعدام التام للانارة واهتراء الطرقات، زيادة على انسداد واهتراء شبكات الصرف الصحي.
أما ببلدية سيدي عبد المومن، مازالت مطالب وانشغالات سكان مناطق الظل بتراب البلدية ذاتها، لم يطرأ عليها الكثير من التغيير باستثناء بعض مشاريع التطهير، وتجديد شبكات مياه الشرب التي شكك السكان في مطابقتها للمعايير، بدليل عدة شكاوى ومراسلات لجمعيات محلية ناشطة طالبت بالتحقيق في تجاوزات طالت مشروع إنجاز شبكة التطهير بدوار الزاوش على سبيل المثال، ولم تسلم من التهديد بالمتابعة القضائية وسحب الاعتماد، عدا ذلك مازالت انقطاعات المياه وضعف الحصص السكنية الموجهة لهذه المناطق، الشغل الشاغل لساكنة دوار الشهيد محمد بلخير، مقطع مناور، سيدي بن زرقة، دوار بغداد ودوار الزاوش، على أمل ان تجد مشاكل سكان مناطق الظل بالمحمدية طريقها الى التسوية.
الوالي صيودة يتوعّد من يعرقل التنمية
على العموم، وفي شأن معالجة مشاكل وانشغالات سكان مناطق الظل، أكّد المسؤول التنفيذي الأول على رأس ولاية معسكر، أنّ جهود الدولة لدعم التنمية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين بمناطق الظل ستستمر، رغم الظرف المالي وشح مورده بالنسبة للكثير من البلديات العاجزة بولاية معسكر، التي تعتمد في تسييرها على إعانات الدولة وميزانية الولاية في تسيير شؤونها، وتنفيذ برامج ذات تأثير مباشر على المواطن، الأمر الذي يطرح التساؤل حول مدى تقدير المنتخبين المحليين لهذه الجهود.