لم تبق عنابة أسيرة الجائحة والانغلاق على الذات في حجر صحي، لا اتصال ولا تواصل فيه، لكنها انتفضت على هذا الوضع الاستثنائي ثقافيا ببرامج افتراضية أعادتها إلى واجهة الأحداث.
هي شهادات حية تنقلها «الشعب ويكاند» من أفواه من صنعوا الفرجة، مؤكدين ان أهل الثقافة يجب أن يكونوا إيجابيين في جميع الحالات، وإلا سيؤولون إلى نهايات غير منتظرة، مبرزين أن المبدع وظيفته الأساسية ترميم ما ينكسر والعمل على زراعة الأمل والفرح، قائلين إن الجائحة وإن أثرت سلبا على نفوس الأشخاص وزرعت فيهم الخوف، لكن البرامج الافتراضية بددت هذا الكابوس وحولت الأزمة إلى فرح يعد انطلاقة لدخول اجتماعي هادئ.
أُسدل الستار على نشاطات ثقافية وتظاهرات فنية بعنابة، بعد أن عمت جائحة كوفيد-19 الجزائر، لتغلق المسارح أبوابها ويغيب الجمهور عن قاعات السينما، وتتوقف الحركة بدور الثقافة... مشهد لم تكن لتعيشه بلادنا يوما، ولا عنابة، لولا هذا الوباء الذي جعل السكون يخيم على ثقافتنا وفنوننا، ويشل الحركية بعروس المتوسط.
كتاب وأدباء بونة لم يقفوا موقف المتفرج في ظل هذا الفيروس الذي أبعدهم عن التواصل المباشر، وأقعدهم عن اللقاءات المتواصلة التي كانوا يسعون إليها لتنشيط الساحة الثقافية بجوهرة الشرق، فهم بالمقابل تحدوا هذا الوضع، وتمردوا على هذا الوباء حتى لا يقتل فيهم روح الإبداع ويحد من نشاطاتهم، ليكثفوا من أعمالهم ويجددوا التواصل فيما بينهم ومع قرائهم وجمهورهم عبر الفضاء الافتراضي، ليكون حلقة تواصل ويفتح المجال أكثر للتعرف على ٱخر نشاطات وإبداعات مثقفي بونة، ويفتح المجال أيضا للشباب الواعد للبروز على الساحة الثقافية والتقرب من رواد الأدب والفنون.
بوديبة: لكل مؤسسة ثقافية برنامجها اليومي المنتظم
اليوم والجزائر تعرف تراجعا في عدد الإصابات بفيروس كورونا، والذي قابله الرفع التدريجي للحجر الصحي عن مختلف النشاطات، ومنها المكتبات والمتاحف، فإن عنابة على أتم الاستعداد للعودة إلى الحياة الثقافية، ومباشرة النشاطات عبر مختلف المؤسسات الثقافية متى أعطى لها الضوء الأخضر.
وقال المسؤول الأول على قطاع الثقافة بعنابة إدريس بوديبة، لـ»الشعب ويكاند»، إنه بعد انتشار جائحة كورونا لم تتوقف النشاطات الثقافية، ولكنها تواصلت عبر المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، مشيرا إلى أنه كانت لكل مؤسسة ثقافية برنامجها اليومي المنتظم، خاصة في الشهور الأولى، سواء دار الثقافة أو المسرح أو المكتبة أو متحف هيبون، إضافة إلى العديد من الجمعيات التي شاركت في هذه النشاطات الافتراضية، من خلال تقديم برامج متنوعة كل حسب اختصاصه في التراثيات أو المسرح أو الموسيقى أو الإبداع الأدبي والشعري أو الفنون التشكيلية والبصرية.
وأضاف بوديبة: «أنجزنا العديد من النشاطات لتي لاقت تفاعلا مذهلا من طرف المتابعين على صفحاتهم، سواء في مجال الفيلم الافتراضي من خلال المسابقات، أو الصورة الفوتوغرافية أو المسابقات الموجهة للأطفال والكبار، إلى جانب العروض المسرحية والفنية المختلفة»، مشيرا إلى أنهم لاحظوا خلال هذه الفترة متابعة إيجابية، سواء الفاعلين أو المتلقين من خلال إبداء ملاحظاتهم وتعقيباتهم وتفاعلهم وأيضا إضافات، وقال إن هذه التجربة لن تكون عابرة، بحيث سيستفيدون منها مستقبلا لتكون إحدى الوسائل الثقافية الهامة في نشر مختلف النشاطات الثقافية، حين يتعذر على الجمهور الانتقال إلى المؤسسات الثقافية.
وأكد بوديبة أنه مع الدخول الاجتماعي ستكون هناك عودة تدريجية لتطبيع الحياة الثقافية، بفتح المتاحف والمكتبات، وقال إنه خلال فترة الحجر الصحي قدموا الحد الأدنى من الخدمة العمومية الثقافية، خاصة في مجال إعارة الكتب للطلبة الجامعيين، وسيعملون حاليا على تطبيق القواعد الصحية بصرامة لحماية مرتادي هذه الفضاءات من الوباء.
وكشف مدير الثقافة بأنهم على أتم الاستعداد لإعادة بعث النشاطات الثقافية في حال ما إذا تلقوا الضوء الأخضر لفتح مختلف المؤسسات الثقافية، وتقديم برامج متنوعة، مع تطبيق البروتوكول الصحي المعمول به.
نواصر: استثمرت فترة الحجر الصحي في الإبداع
من جانب آخر كان لـ»الشعب ويكاند» حديث مع أدباء وشعراء هذه المدينة، الذين تحدثوا عن يومياتهم في الحجر الصحي وعن إبداعاتهم في زمن الوباء والذي لم يتمكن من الحد منها، وعن عودتهم إلى الساحة الثقافية بعد رفع الحجر الصحي التدريجي على بعض المؤسسات الثقافية.
في هذا الصدد، قالت شاعرة بونة نادية نواصر، إنها استثمرت فترة الحجر الصحي في الإبداع، حيث قدمت قصائد متنوعة عن جائحة كوفيد-19، «كيف يقاوم الإنسان المبدع الموت» و»كيف يحول هذه النكسة إلى إبداع وإلى حياة»، مشيرة إلى أنها كتبت الكثير ونالت بفضل هذه الفترة الإبداعية شهادة دكتوراه فخرية، وميدالية شاعر العرب، إلى جانب شهادات أخرى عديدة من مؤسسات ثقافية.
وأضافت نادية نواصر، بأن على أهل الثقافة أن يكونوا إيجابيين في جميع الحالات، وإلا سيؤولون إلى النهايات غير المنتظرة، مبرزة أن المبدع وظيفته الأساسية ترميم ما ينكسر والعمل على زراعة الأمل والفرح، من خلال إبداعاته في كل الظروف التي تمس بالأمن وبصحة الفرد والمجتمع، قائلة إن الجائحة أثرت سلبا على نفوس الأشخاص، كما زرعت فيهم الكثير من الخوف، ولذلك، كمبدعين، علينا أن نحول هذه الأزمة إلى فرح مع الكثير من الصبر.
شاعرة بونة الأولى أكدت أنها لم تكتب في حياتها بهذه الغزارة، كما كتبت في هذه الفترة بالذات. وتحدثت نواصر عن الثقافة في العالم الافتراضي والتي انتعشت في ظل وباء كورونا، مشيرة إلى أنها كانت لها نتائج إيجابية جدا، حيث كان المثقف حاضرا وبقوة، كل على طريقته وكل في مجال تخصصه، وذلك بالرغم مما تحمله هذه الفترة من آلام وأوجاع ومن خسائر، كما أنه لم يقبل أن يضيع وقته في الصمت وفي الركود، حيث وجد سبيلا آخر من خلال الفضاء الافتراضي للإبداع ليعبر عن أنه موجود وبأن الحياة ستستمر في أي حال من الأحوال.
وعن «صالون نادية الأدبي» وهل بالإمكان أن يعود إلى جمهوره في هذه الفترة بالذات، قالت الشاعرة نواصر إن هذا الصالون استقطب الكثير من المبدعين، وترددت عليه العديد من القامات الإبداعية، وقد وصل إلى طبعته التاسعة، مشيرة إلى أنه لا يمكنها أن نترك هذا النجاح يذهب هباء، خصوصا وأن الكثيرين يتساءلون عن عودته، على اعتبار أنه كان فضاء حقيقيا لالتقاء المبدعين، قائلة إنها ستعمل على بعث نشاطاته من جديد، في حال ما تلقت تصريحا وموافقة على ذلك، على أن يكون مع نهاية الشهر الجاري أو بداية أكتوبر.
أم البنين: نحن في مجتمع التواصل الالكتروني فيه صعب نوعا ما
من جهتها أكدت الأديبة أم البنين، أنهم كمثقفين مسهم الضر كثيرا من هذا الوباء والحجر الصحي، على اعتبار أنه كان لهم برنامج طويل في إطار نشاط فرع اتحاد الكتاب الجزائريين بعنابة، ليتوقف كل شيء خلال الجائحة، قائلة إنهم في البداية ربما أصابتهم العلة، على غرار كل الجزائريين، كون هذا الوباء جاء صدفة وروج له على أنه «الغول الذي يلتهم كل شيء»، حيث بدأ يتغلغل إليهم الملل والكسل بسبب الحجر الصحي، إلا أنه مع مرور الوقت ـ تضيف ـ بدأ هذا الخوف يتلاشى شيئا فشيئا.
وأضافت أم البنين، بأن الفضاء الافتراضي هو الفضاء الوحيد الذي أصبحوا يتواصلون من خلاله بأفراحهم وأوجاعهم، أو ملاحقتهم للزمن الزائل، وأشارت المتحدثة إلى أنها استثمرت هذه الفترة في الكتابة عن الجائحة وعما نلاقيه منها.
وقالت في سياق حديثها، إن المثقف ليس له فضاء يجتمع فيه إلا من خلال الفروع أو النشاطات التي تنظمها مديرية الثقافة، مؤكدة أن هذه الفضاءات توقفت بسبب الوباء، والمثقف مثل السمكة في الماء إذا فقد هذه الفضاءات كأنما فقد وجوده. كما اعتبرت أم البنين أن الثقافة عبر العالم الافتراضي انتعشت، على اعتبار أنه الفضاء الوحيد الذي يشاطرون فيه الرؤى ويلتقون من خلاله مع جملة من الأصدقاء سواء على المستوى الوطني أو على مستوى العالم العربي.
وترى الأديبة والقاصة أم البنين، بأن النشاطات كانت في بداياتها مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن مع مرور فترة أصيب أصحابها بالوهن، مشيرة إلى أن مديرية الثقافة فتحت بعض القنوات الالكترونية ومنها المسرح الجهوي عزالدين مجوبي، الذي نظم مجموعة من المسابقات، لكنها لم تكن مثمرة بالشكل الجيد، فربما ـ تقول المتحدثة ـ نحن في مجتمع التواصل الإلكتروني فيه صعب نوعا ما، خصوصا وأن سرعة تدفق الانترنت بطيئة.
أم البنين تمنت بأن تتوسع دائرة النشاطات وتلغى المسافات والمحاباة في مجال الأدب والثقافة، وتتوسع دائرة الكتابة والنشر في الجزائر، قائلة: «نفتقد الكثير، وربما هناك فضاءات لكنها لم تتجسد بشكل جدي في الميدان»، مضيفة بأن المثقف أصبح وكأنه عالة على المجتمع.
بوطابية: مثابرة لتجديد روح الإبداع
وتحاول الشاعرة سامية بوطابية، مواكبة الأحداث الطارئة على كل الأصعدة، والمساهمة بما أوتيت من جهد في تخفيف وطء الأزمة على نفوس من حولها من قراء ومتابعين، وذلك بنظم ما يستوجب نظمه في الوضع الراهن في ظل الحجر والحظر والوباء.
وأشارت بدورها إلى أن هذه الفترة ساهمت في ميلاد باكورة أعمالها وهو ديوان بعنوان «مواسم الحلم والماء»، وقالت بالرغم من أنها ليست ملمة بمجمل النشاطات المطروحة على الساحة الأدبية، إلا أنها ترى بأن هنالك من يسعى جاهدا لإنعاش الثقافة في الجزائر رغم قيود الحجر على منصات التواصل الاجتماعي، متحديا الرتابة والروتين اليومي، وذلك بإطلاق مسابقات أدبية وفنية تكلل بتكريمات وجوائز قيمة، تشجع المثقف على البذل والعطاء.
وقالت إنه على المثقف أن يعود بقوة وحزم ومثابرة لتجديد روح الإبداع ودفع عجلة الثقافة إلى الأمام واجتياز العراقيل، والتي من شأنها الوقوف حجر عثرة في طريق الاستمرارية نحو آفاق أوسع، والعمل على مواكبة الانفتاح الثقافي.
انتعاش الفنون
تعيش عنابة منذ بداية جائحة كوفيد-19، انتعاشا ثقافيا سواء في مجال الأدب، الفن السابع، أبي الفنون أو الفن التشكيلي... وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لجأ إليها القائمون على رأس الثقافة ببونة لإبقاء التواصل بين المثقفين والفنانين وجمهورهم من جهة، والمساهمة من جهة أخرى في خلق أجواء من الترفيه في الوسط العائلي وتجاوز حالة الملل في ظل الحجر المنزلي المفروض على الجزائريين بسبب الوباء، فقد باتت الأنشطة الثقافية والفنية اليوم تتصدر صفحات الفضاء الافتراضي، والذي أصبح لا يخلو من المحاضرات الأدبية، والمسابقات الموجهة للكبار والصغار.
وفي السينما، أطلقت هيئة تنظيم المهرجان الافتراضي للفيلم المنزلي بعنابة أول بوابة رقمية للفيلم القصير في الجزائر، والتي تشمل إقامة مسابقات شهرية على مدار السنة، وهي أول منصة للفيلم القصير في الجزائر تهدف ـ بحسب القائمين عليها ـ لخلق حركية مستمرة على مدى السنة وتشجيع صانعي الأفلام وتحفيزهم، فضلا عن إثراء المشهد السينمائي الجزائري والدولي فيما يخص الأفلام القصيرة، حيث أن المسابقة مفتوحة لكل دول العالم في مجال الفيلم القصير الروائي، التحريكي وأفلام الأرت.
الفن التشكيلي بدوره واحد من الفنون الذي اقتحم الفضاء الافتراضي، رسامون لم يقفوا مكتوفي الأيدي وانتظار عودة المعارض وفتح قاعات العروض الخاصة بنشاطاتهم، حيث أن الفضاء الأزرق سبيلهم اليوم لعرض لوحاتهم أمام الجمهور المتعطش والمحب لهذا النوع من الفنون. وفي هذا الإطار، لم تتأخر «بونة» عن استغلال هذا الفضاء لعرض ألواح ورسومات أبنائها من الفنانين التشكيليين وتنظيم معارض افتراضية، حيث تم تنظيم معرض افتراضي للفنان التشكيلي «احسن بوساحة»، إلى جانب استذكار قامات فنية وعلى رأسهم الفنان التشكيلي الكبير «بشير بلونيس»، والفنان التشكيلي نورالدين بوعامر، أحد ركائز الحركة الفنية التشكيلية الجزائرية بمدينة عنابة.
مسابقات لمختلف الفئات
من جهته أطلق مسرح عزالدين مجوبي الجهوي، تحت شعار «اقعد في دارك المسرح يجي حتى لعندك»، برنامجا تفاعليا لنشاطات فنية وثقافية لتقريب أبي الفنون من سكان بونة أكثر، على غرار «مسرح العائلة»، الذي يفسح المجال أمام العائلات لإقامة عرض مسرحي فيما بينهم، إضافة إلى مسابقة «احكيلي حجاية»، مسابقة في الرسم ومسابقة المسرح الفردي «وان مان شو»، وذلك في إطار تشجيع الأطفال والعائلات على احترام تدابير الحجر الصحي والوقاية من فيروس كورونا والتفاعل مع المسرح.. كما قرر المسرح أن يبث مسرحيات يوميا للكبار على الساعة السادسة والنصف مساء وللصغار على العاشرة والنصف صباحا عبر حسابه على موقع «يوتيوب».
أما مديرية الثقافة لولاية عنابة، فقد أشرفت على تنظيم الصالون الافتراضي الأول للصورة الفوتوغرافية، والذي عرف إقبالا كبيرا بمشاركة 1012 مشارك بمجموع 2503 صورة فوتوغرافية من 22 دولة عربية. كما قامت بتنظيم مسابقة «الفكاهة» تحت شعار «مواهبنا ثروتنا»، إلى جانب مسابقة للأطفال في الرقص الفني «الجيمناستيك» والذي جاء تحت شعار «أقعد في دارك وتدرب على الجيمناستيك»، ناهيك عن مسابقة «الشاب العازف»، «المنشد الصغير»، «المبدع الأدبي الصغير»، و»مسابقة في الرسم» تحت شعار «أبدع وأرسم من بيتك»...
وهي مبادرات تجاوب معها الجمهور العنابي واستحسنها، بحيث يأمل في استمراريتها إلى ما بعد «كورونا»، على اعتبار أنها أنعشت الثقافة والفنون، ودخلت البيوت الجزائرية من أوسع أبوابها لتكشف لهم عن زخم وثراء ثقافتنا.