أكد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن هادف، أن إعداد إستراتيجية وطنية للتصدير ستمكن الجزائر من امتلاك نظرة واضحة عن التجارة الخارجية وقدراتها في التصدير، كاشفا أن التواجد البنكي بالدول الإفريقية أصبح ضرورة قصوى إن أرادت الجزائر ولوج سوقها حتى تؤمِّن لمتعامليها أداة استشارة، تسهل تحويلاتهم البنكية بعيدا عن التلاعبات التي تعرفها السوق الإفريقية، مبرزا ضرورة تصدير الخدمات لما لها من إيرادات كبيرة، سيمكن من تحقيق هدف 5 ملايير دولار خارج المحروقات في 2021.
قال الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن هادف، في اتصال مع «الشعب»، إن الجزائر تملك إمكانات وطموحات كبيرة للتواجد في السوق الإفريقية، مؤكدا أنه قبل الحديث عن منطقة التبادل الحر، وفي إطار التوجه الجديد لسياسة الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، يجب فرض بعض التعديلات لخلق البيئة الملائمة والمحفزة لها.
وتحدث مختصون ـ حسب هادف ـ كثيرا في السابق عن الإستراتيجية الوطنية للتصدير، وتعاونت الجزائر مع مركز التجارة الدولي بجنيف منذ 2016 لإعدادها، لكنها وحتى هذه الساعة لم تصدر الوثيقة، رغم انتهاء الآجال التي تم تحديدها مرتين في 2018 ثم 2020، لكن ما تزال تراوح مكانها في إصدار هذه الإستراتيجية، التي ستعطي نظرة واضحة عن التجارة الخارجية وقدرات الجزائر في التصدير.
تحيين قانون الصرف والنقد وتحويل العملة الصعبة
وأكد هادف أنه إضافة إلى إعداد إستراتيجية وطنية للتصدير، يجب وضع الأطر القانونية والتنظيمية للتجارة الخارجية، التي تحدث عنها رئيس الجمهورية في الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي، بإحداث تعديلات عليها في أقرب وقت ممكن، خاصة ما تعلق بقانون الصرف والنقد، وقانون تحويل العملة الصعبة. فتحيينها أصبح ضروريا، لأنها تمثل اليوم أهم العراقيل المثبطة لجهود الدولة في إرساء قواعد صحيحة للتصدير.
وثمن المتحدث، في السياق، وضع رئيس الجمهورية هدفا واضحا على المدى القصير، بحديثه عن تحقيق 5 مليار دولار صادرات خارج المحروقات في آفاق 2021، معتبرا إياها المرة الأولى التي تتكلم فيها الدولة عن هدف واضح بهذه الطريقة وبالتالي الكل مطالب بالتجنيد وتضافر الجهود من اجل تحقيقه.
ولتحقيق الهدف يتعين - حسب الخبير الاقتصادي- أولا، معرفة المؤهلات والإمكانيات الموجودة في السوق المحلية، فالتصدير لديه معايير وقواعد تتحكم بهذه العملية، والذهاب الى السوق الخارجية لا يعني أبدا تصدير الفائض، لأن الشركاء الذين نتعامل معهم لن يتقبلوا هذا الأمر، لذلك لابد من وضع القواعد التي تعمل عليها التجارة الدولية، وهي تخصيص كميات للتصدير على مدى السنة.
وفيما يتعلق بالتبادلات التجارية، يقول المتحدث، يجب استغلال كل الفرص الموجودة، خاصة في الأسواق المجاورة هي السوق الإفريقية، بالإضافة إلى السوق الأوروبية الجد مهمة أيضا للتجارة الخارجية الجزائرية، بغية تثمين الموقع الاستراتيجي للجزائر، يضيف المتحدث.
وقال هادف، إن اجتماع مجلس الوزراء أكد ضرورة العمل بصفة علمية ومنظمة ليتم ولوج السوق الإفريقية في إطار منطقة التبادل الحر القارية، لوجود إمكانات كبيرة لتسويق الكثير من المنتوجات، لكن لابد من ولوجها عبر مراحل يكون أولها الإلمام بالمنتوجات التي يمكنها ان تكون تنافسية في السوق الإفريقية على سبيل المثال الصناعات الصيدلانية، الصناعات الكهرومنزلية والصناعات الغذائية.
فهذه المجالات الثلاثة، يقول المتحدث، «يمكنها أن تكون – إن وجدت البيئة المحفزة للمتعاملين الاقتصاديين - أهم ما تصدره الجزائر، كما يتطلب ولوج السوق الإفريقية إمكانات لوجستيكية. وفي هذا السياق لابد من إنشاء فضاءات لوجستيكية في الحدود مع الدول المجاورة».
وأشار الخبير إلى إعادة فتح مطار العقيد لطفي في تندوف، الذي سيمكن المنتوجات الجزائرية من العبور الى موريتانيا ومنها إلى كل غرب إفريقيا، مستطردا في الوقت نفسه أنه قبل ذلك، لابد من وضع الحصيلة، مؤكدا أن المتعاملين النشطين في هذا المحور يعانون مشكلا كبيرا في النقل، اللوجستيك وتحويل السلع، لذلك لابد من استخلاص الدرس من التجربة منذ عام ونصف.
وربط هادف ولوج السوق الافريقية بصفة متواصلة بديمومة تواجد السلع الجزائرية فيها والتفكير في خلق استثمارات جزائرية مع الدول الإفريقية، على غرار خلق شراكات في قطاع النقل، التخزين مع موريتانيا، بالإضافة الى خلق شراكات في تحويل بعض المواد الجزائرية بصفة مباشرة الى الدول الافريقية.
التواجد البنكي في الدول الإفريقية أولوية
من جهة أخرى، اعتبر هادف التواجد البنكي في الدول الإفريقية مهم جدا، إذا أرادت الجزائر بلوغ سوقها. فالبلدان المجاورة، على غرار المغرب، تملك بنك «تجاري وفا»، حيث اشترت كل البنوك الموجودة في الساحل ودول غرب إفريقيا، الأمر الذي مكّن المتعاملين المغاربة من الاستفادة من تسهيلات في التجارة وتصدير المنتوجات المغربية.
وأكد المتحدث، أن فتح وكالات بنكية فقط في هذه الدول، سيؤدي إلى فشل هذه الخطة. لذلك من الأحسن الاستثمار في السوق البنكية والمالية بهذه الدول بشراء أسهم في بعض البنوك، ما يمنح المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين وسيطا يمكنهم من أن يكون لهم أداة للاستشارة في السوق الإفريقية، ويؤمن لهم تحويلات الأموال، خاصة إذا علمنا ان السوق الافريقية صعبة جدا بسبب التلاعبات الموجودة فيها، لذلك كان من الضروري أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار قبل ولوج هذه السوق.
وأشار الخبير في السياق ذاته، إلى ان رئيس الجمهورية أكّد على وجوب أخذ التجارب التي خاضتها الجزائر من قبل في هكذا تبادلات تجارية من منشأ وأصل المواد المصدرة. وفي هذا الصدد قال بضرورة أن يبذل المسئولون على قطاع التجارة، خاصة الجمارك مجهودات كبيرة لتحديد أصل ومنشأ المواد المصدرة او المستوردة من الدول الإفريقية.
وكشف هادف، أن أهمية السوق الإفريقية يستمدها من معطيات أساسية، من بينها بلوغ الناتج الخام الإفريقي حدود 2500 مليار دولار، عدد النسمة في السوق الإفريقية تتعدى المليار نسمة، يتحدث المختصون عن 3 مليار نسمة في آفاق 2050 و3000 مليار دولار كناتج خام محلي، بمتوسط نسبة نمو في هذه السوق بلغ من 5 إلى 7 بالمائة وهو رقم جد مهم، لان كل دول العالم نسبة نموها منعدمة او سلبية خاصة مع الأزمة الصحية التي يعانيها العالم. وبالتالي يجب اخذ هذه المعطيات بجدية والعمل عليها بطريقة علمية واحترافية حتى يحقق ولوج هذه السوق الأهداف المسطرة والمنتظرة من هذه العملية، يضيف المتحدث، مذكرا بضرورة إعطاء المتعاملين المتواجدين في السوق الافريقية الفرصة لمشاركة تجربتهم مع المسئولين الجزائريين.
قطاع الخدمات في نظام التحويلات البنكية أهم العراقيل
من بين النقاط المهمة التي تحدث عنها عبد الرحمن هادف تصدير الخدمات، حيث قال: «إن التركيز اليوم على تصدير السلع دون الحديث عن الخدمات، الذي اعتبره قطاعا يمكن تصديره بطريقة أسهل من السلع إلى الدول الإفريقية، فكثير منها تحتاج هذا القطاع على غرار الدراسات، البناء والأشغال العمومية، وكذا الاتصال وتكنولوجيات الإعلام، مبرزا أن إيراداتها كبيرة.
وكشف عن أبرز العراقيل التي يتحدث عنها النشطون في هذا القطاع نظام التحويلات البنكية في الجزائر، بينها وضع قانون الخدمات والسلع في نفس الخانة، على ما هو موجود في العالم، حيث تختلف مواصفات تصدير السلع مع الخدمات، فعند تصدير السلع تطلب ثلاث وثائق وهي التوطين البنكي، النقل ووثيقة الجمارك تؤكد معاينتها للسلع.
لكن في قطاع الخدمات، هذه الأمور ليست موجودة ولا يمكن طلبها، لذلك وجب إعادة النظر في هذا الشق، حتى يتمكن الكثير من الجزائريين من تصدير الخدمات، كاشفا ان الكثير من المتعاملين النشطين في قطاع تكنولوجيات الاتصال والإعلام فتحوا حسابات بنكية في تونس وكل تحويلاتهم المالية تمر إليها بسبب وجود نظام قانوني جد معرقل ومثبط في الجزائر.