تطرق الأستاذ الدكتور رضوان شافو، في كتابه بعنوان: «دراسات في تاريخ الجزائر، مقالات وأبحاث في الحركة الوطنية والثورة التحريرية» إلى موضوع مهم وهو الثورة التحريرية بمنطقة وادي ريغ من خلال الروايات الشفوية وتقارير الإدارة الإستعمارية.
وبحسبه، إحتلال هذه المنطقة ما هو إلا حلقة من حلقات التوسع الإستعماري، لاسيما وأن المنطقة كانت تحتل مكانة هامة وذات نفوذ كبير عبر التاريخ.
أكد الباحث شافو أن منطقة وادي ريغ كانت حاضرة في مقاومة الإحتلال، منذ سنة 1854، ودخلت معترك المقاومة السياسية، منذ البدايات الأولى للقرن العشرين حينما خرج شباب المنطقة رافضين لقانون التجنيد الإجباري سنة 1912.
وأبرز المؤلف أنه رغم الموقع الجغرافي البعيد والمناخ الصحراوي القاسي لمنطقة وادي ريغ، لكنها لم تكن بمعزل عن تطور الأحداث السياسية في الجزائر على خلاف ما يروّج عن أن المنطقة تخلفت عن ركب الثورة، فقد شهدت المنطقة في الفاتح من نوفمبر 1954 معارك منها قرداش، لبرق، السخونة، وسيدي خليل، سنة 1958، ومعركة القصور بالمقارين، سنة 1961، وتشكيل خلايا فدائية شعبية هدفها جمع السلاح وإلحاق ضربات بالقوات الفرنسية، علما أن المنطقة كانت قاعدة خلفية للمقاومة الشعبية.
أرجع الباحث سبب هذه الشائعات إلى جهل الناس بتاريخ المنطقة، ما يجعل أحكامهم إعتباطية لا تستند إلى المصادر التاريخية، إضافة إلى عدم تدوين تاريخي لمآثر رجال المنطقة، باستثناء كتاب «منطقة ورقلة وتقرت وضواحيهما من مقاومة الإحتلال إلى الإستقلال» للمرحوم عبد الحميد نجاح، وكتاب «سنوات البارود بمنطقة المغير» وتقرت البهجة: «قراءة تاريخية وإجتماعية» للأستاذ عبد الحميد قادري.
بالمقابل، كان للهجرة الجزائرية دور في ظهور الوعي الوطني من جديد، فأهالي المنطقة لم يفوّتوا هذه الفرصة وسافر البعض منهم إلى تونس والمشرق العربي عبر وادي سوف مرورا بالجريد التونسي وليبيا تحت غطاء الدراسة وآداء مناسك الحج.
ويستند الباحث في ذلك لبعض الوثائق الأرشيفية التونسية، التي مفادها أن عدد طلبة وادي ريغ المهاجرين إلى جامع الزيتونة بين 1901 و1953 كان حوالي 73 طالبا، وهناك إلتقى هؤلاء المهاجرون بالعديد من رجالات التعليم والفكر والإصلاح، وعايشوا بعض التطورات السياسية التي حدثت في العالمين العربي والإسلامي وتبنى أهالي المنطقة أفكار حركة الأمير خالد السياسية سنة 1919.
سكان المنطقة ساهموا في المقاومة
أدت الحركة الكشفية دورا في التعبئة السياسية ضد التواجد الإستعماري بالمنطقة، وأنشىء سنة 1945 فوج البهجة للكشافة الإسلامية، وهو أول فوج كشفي بتقرت تحت قيادة الشهيد عضامو محمد البحري، علاوة على الصحف والمجلات التي كانت تصل إلى الجزائر تارة علانية، وتارة سرا رغم الرقابة الصارمة عليها لمنع وصولها إلى المنطقة مثل جريدة البصائر، مجلة المنار وجريدتي المساواة والحرية، وجريدة الأمة الجزائرية.
وخلص الدكتور شافو بالتأكيد على أن سكان ورقلة والقرى المجاورة لها ساهمت بشكل كبير في مقاومة التواجد الإستعماري بالمنطقة، وأبرزت لحمة أبناء الصحراء في الدفاع عن أرضهم، مستندا لشهادة الفقيدين المجاهد سعيد عبادو والعقيد محمد شعباني قائلا: «ولقد عبّر أبناء الصحراء للإستعمار أكثر من مرّة بنفس الطريقة التي عبّر عنها إخوانهم في الشمال، بوسائل عملية فعّالة عن عدم المساومة على عروبتهم وجزائريتهم التي لن يرضوا عنها بديلا...».