هجومات الشمال القسنطيني رسّخت التلاحم بين المجاهدين والشعب
- مؤتمر الصومام عزّز مكسب تنظيم الكفاح المسلّح وتعميمه - جرائـم فرنسـا فضحـت شعـار «التمديـن» و»تأخـير حـدود الجهـل» - مواصلـة استرجـاع رفـات جميـع الشهـداء المهجّريـن والمنفيـين- علينا طي صفحة الخلافات والانخراط الكامل في معركة التغيير - الذاكرة الجماعية يجب أن تظل حيّة ناطقة بالأمجاد في كل زمان
أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أول أمس، ببرج بوعريريج، بمناسبة تخليد الذكرى المزدوجة لهجمات الشمال القسنطيني وانعقاد مؤتمر الصومام، أن الحدث الأول رسخ التلاحم بين المجاهدين وشعبهم حتى النصر والثاني عزز هذا المكسب التاريخي بتعميم وتنظيم الكفاح المسلح.
جاء في كلمة رئيس الجمهورية قرأها نيابة عنه وزير المجاهدين وذوي الحقوق الطيب زيتوني خلال الاحتفالات الرسمية بذكرى اليوم الوطني للمجاهد احتضنتها ولاية برج بوعريرج ما يلي :
« أيتها المواطنات، أيها المواطنون،
في هذا اليوم الوطني للمجاهد الذي يوافق حلول السنة الهجرية الجديدة، أعادها الله علينا جميعا وعلى الأمة الإسلامية قاطبة بالخير والبركات، تعود بنا الذاكرة إلى حدثين مفصليين عرفتهما الثورة التحريرية المباركة في بدايتها ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، وهما هجمات الشمال القسنطيني لجيش التحرير الوطني في 20 أوت 1955، بقيادة الشهيد البطل زيغود يوسف، ومؤتمر الصومام الذي انعقد في نفس اليوم والشهر من السنة الموالية، بحضور صفوة من قادة الثورة المسلحة.
وإذا كان الحدث الأول قد رسخ التلاحم بين المجاهدين وشعبهم حتى النصر، وأعطى لكفاحهم بعدا مغاربيا أملاه واجب التضامن مع الشعب المغربي الشقيق المطالب بعودة السلطان محمد الخامس من المنفى طيب الله ثراه، فإن الحدث الثاني عزز هذا المكسب التاريخي بتعميم وتنظيم الكفاح المسلح، مما أعطى نفسا جديدا لجيش التحرير الوطني لتحقيق هدف الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية.
إن هجومات الشمال القسنطيني واجهتها قوى الاستعمار الغاشم على مدى أكثر من أسبوع، بروحها الانتقامية المعهودة، ضد المدنيين العزل دون تمييز، مستعملة كما فعلت في مجازر 8 ماي 1945، الميليشيات وكل أنواع الأسلحة، حتى أن عدد الشهداء في ملعب مدينة سكيكدة تجاوز 10 آلاف شهيد، دفنوا في مقابر جماعية، وقد فضحت هذه الجرائم مرة أخرى زيف شعار «التمدين» و»تأخير حدود الجهل» الذي كان الاستعمار يخفي به ما يقترفه من جرائم وحشية ضد الشعب ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وكان لهذه الانتفاضة الشعبية أثرها البالغ في تدويل القضية الجزائرية على مستوى الرأي العام الدولي حتى بلغ صداها أروقة منظمة الأمم المتحدة في نيويورك وجلب لها تأييد شرائح واسعة من الرأي العام الغربي، وتأييد العديد من الدول في إفريقيا وآسيا بوجه خاص، كما أنها شكلت فرصة استغلها القادة الميدانيون المجاهدون لاستخراج الدروس منها في وضع إستراتيجية محكمة الأهداف والمراحل، حملت اسم ميثاق الصومام لتعبئة الشعب وتنظيم صفوفه وراء قيادة موحدة، وفي إطار بيان أول نوفمبر التاريخي.
وإنها لمناسبة سانحة للترحم على أرواح هؤلاء الشهداء الأبرار، وجميع شهداء الثورة المجيدة، والمقاومة الشعبية بكل أطوارها، والتحية كل التحية لرفاقهم الأخيار الذين كتب الله لهم أن يعيشوا من بعدهم، معركة الجهاد الأكبر، قبل أن يلتحقوا بهم الواحد تلو الآخر، عاهدين بالأمانة إلى أبنائهم وأحفادهم. وإنها لفرصة أيضا لتجديد وقوف الجزائر التي عانت من ويلات الاحتلال وأنواع الإبادة الجماعية على مدى أكثر من قرن إلى جانب الشعوب المكافحة من أجل ممارسة حقها في تقرير المصير والحرية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الشقيق، والشعب الصحراوي الشقيق.
أيتها المواطنات، أيها المواطنون،
إن احتفالنا هذه السنة بيوم المجاهد يزيد في الإحساس بعبء المسؤولية الملقاة على عاتق كل وطني صادق ينبض قلبه بحب الوطن لأن بلادنا تمر بظروف استثنائية داخليا وإقليميا وتحتاج إلى رص الجبهة الداخلية، وتفجير الطاقات الخلاقة، وتدفق الأفكار، لإنجاز مشروع التغيير الجذري الشامل المتمثل في تشييد جزائر قوية وعادلة بمؤسسات ديمقراطية يتنافس فيها الجميع على قاعدة الكفاءة والتفاني في خدمة الصالح العام، ونكران الذات، وسمو الأخلاق، ولذلك، فإن المحطات التي نستحضر فيها بطولات رجال ونساء صنعوا التاريخ -لئن كانت فرصة للمزيد من الارتباط بأمجادنا، باعتبارهم مصدرا دائما للفخر والاعتزاز- فهي أيضا لحظات تأمل أمام كل وطني مخلص لمحاسبة النفس عما قدمت لهذا الوطن مقابل ما أخذته منه، وتذكير الأجيال الصاعدة بمسؤولياتها في اعلاء شأن الوطن والحفاظ عليه، بدءا بالذاكرة الجماعية التي يجب أن تظل حية ناطقة بالأمجاد في كل زمان و فوق كل شبر من التراب الوطني، وإني هنا، وبعد استرجاع رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية الأبطال في القرن التاسع عشر ورفاقهم الذين كانوا محتجزين في أقبية المتحف الفرنسي بباريس، وإعادة دفنهم إلى جانب اخوانهم وأبنائهم وأحفادهم من الشهداء والمجاهدين، بكل ما يستحقونه من إجلال وتكريم على المستويين الشعبي والرسمي، أكرر التزامي بمواصلة هذه العملية حتى تحتضن تربتنا الطاهرة رفات جميع شهدائنا المهجرين والمنفيين معززين مكرمين في وطنهم المستقل وبين ذويهم الأحرار، وإنا على العهد لباقون ما حيينا بإذن الله.
إنني أيتها المواطنات والمواطنون، أدعوكم جميعا بمناسبة إحيائنا لهذه الذكرى المزدوجة الغالية علينا إلى طي صفحة الخلافات والتشتت والتفرقة من أجل الانخراط الكامل في معركة التغيير الجذري التي شرعنا فيها بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما انخرط أسلافنا بالأمس في معركة التحرير الشامل، تاركين جانبا كل الحسابات الضيقة والاعتبارات الشخصية لتحقيق هدف واحد وهو نهضة الجزائر العزيزة وإشعاعها الإقليمي.
عاشت الجزائر، حرّة، أبيّة، سيدة
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته