طباعة هذه الصفحة

ركن رسائل الأدباء

إلـــى سيـــدي الطاهـــر وطـار

بقلم: جمال فوغالي

جئتُك، سيدي الطاهر، ممتلئاً بأسماءِ شخوصِ رواياتكَ، أقتفي نبضكَ الإبداعي وآثارهمْ في الكتابةِ وفي الحياةِ، في المساءِ منْ شاطئ شنوة، إنِّي اليومَ هنا، في هذا المساءِ الرَّطبِ، والسماءُ فيهِ رصاصيةٌ، لا يبينُ ازرقاقها، وبحرُ «شنوةَ» خلفي وأراهُ بقلبي، وليسَ بيني وبينَ موجهِ الذي يجيءُ مندفعاً، إلاَّ خفقتان عاشقتان، وهو على غيرِ عادتهِ وحيدٌ في وحدتِهِ الهاجعة، والكوفيدُ يحكمُ بأحكامهِ، والشاطئ بلا بشرٍ في هذا الموسمِ الصيفيِّ اليتيمِ، وقدْ أحسَّ غيابكَ، وكنتَ، سيدي الطاهر، تقبلُ عليهِ إقبالَ العاشقِ، تكتبُ رواياتكَ الواحدة بعدَ الأخرى، عندَ شاطئهِ ويعرفكَ إذ يحتويكَ إليهِ، وإذْ يحنو عليكَ.
وأنتَ منْ شهرِ أوتٍ تصبُّ الروايةَ صبًّا متدفقاً تدفقَ الموجِ الذي ينكسرُ عند قدميكَ، وتراهُ رأيَ العينِ، والزبدُ يتناثرُ خفيفاً، معطَّراً ومندًّى، والبصيرةُ منكَ في ملكوتِ الكتابةِ التي تحبكَ، وقدْ تخمرتِ الروايةُ، وأنتَ خلفَ مساراتها تكتبُ خبباً، تمتلىءُ الشخوصُ، تفيضُ فيضها العارفَ، تقولُ مواقفَها والحياة، هذا الإنسانُ الذي تؤمنُ بهِ وتدافعُ عنهُ، هذي قيمُ العدلِ في أبهى تجلياتها حاضرةٌ، حفيَّةٌ، وهذي جمالياتُ الكتابةِ خظيَّةٌ في بساطتها، تستعيدُ التراثَ العربيَّ في تمظهراتهِ القرآنيةِ والصوفيةِ والإنسانية.
وتمتحُ بهاءها منَ صفاءِ شمسِ الشرقِ الذي تدافعُ عنهُ وقدْ زرتَ أقاصيه: عشقاً واحتراقاً، مسائلاً إياهُ وقارئاً لهُ، وحدْسكَ الدليلُ، والرؤيا نورٌ في الأنوارِ من الحضرةِ البهيَّةِ في النارِ المتَّقدةِ منْ حرقةِ الفنانِ الذي في النبضِ من القلبِ «الشيخ بورڤعة» و»الڤصبة» التي أردتَ أنْ تتعلمَ العزفَ بها، وهي تنوحُ حرقتها والأنين، وهذا صوتُ سيدة الألمِ «بڤَّار حدَّة» في الأقاصي من صدركَ العاشقِ لها والغناء، وتستعيدهما، وهما في الطفولةِ والصِّبا والذاكرةِ التي لمْ تغادركَ ولمْ تغادرها، وأنتَ ممدَّدٌ على فراشِ المرضِ، وقد انتصرتَ عليهِ بالكتابة، وهذي روايتكَ الأخيرة «قصيد في التذلُّلِ» الشاهدة، إنِّي هنا، أقفُ مديداً في امتدادكَ والكبرياء، عندَ شاطىءِ «شنوة»، وأنتَ هنا سيدي الطاهر، ولمْ تغبْ أبداً، أنتَ الحاضرُ في ذا الحضورِ الأبهى، وأنا الغائبُ في أقاصي الغيابِ.