طباعة هذه الصفحة

قرابة الـ 70 عاما من اقترافها

جريمة ضد الإنسانسة .. وبدون عقـاب

جمال أوكيلي

٦٩ سنة عن المجازر الرهيبة التي اقترفتها فرنسا ضد الجزائريين في ٨ ماي ١٩٤٥ . بسطيف وقالمة وخراطة  وغيرها من المدن الثائرة ضد الغلاة من المستوطنين وعساكرهم الذين أبادوا ٤٥ ألف جزائري بحقد لا مثيل له ماتزال أثاره شاهدة على همجية وغطرسة القتلة والمجرمين .

ماوقع هذا اليوم هو حتمية تاريخية لا مفر منها في ذهنية الجزائريين الأحرار في الحركة الوطنية الذين كانوا دائما يبحثون عن تلك الفرصة لمقارعة الاستعمار الفرنسي بكل الوسائل المتاحة .. وهي ترجمة ملموسة لحضور التيار الثوري أو الاستقلالي الطلائعي المصمم على إشعال فتيل انتفاضة شعبية ضد الاحتلال إن آجلا أم عاجلا .. وقد عزز هذه الاتجاه امتداد الموقف المناويء للاستعمار منذ إحياء أو ماي عيد العمال في ١٩٤٥ .. وبقاء تلك الجذوة مشتعلة إلى غاية ٨ ماي من نفسه السنة أي طيلة ثمانية أيام كاملة .. وهذه شهادة بشير بومعزة التاريخية المثيرة حول جذور مظاهرات ٨ ماي ١٩٤٥ .. عندما كان يشرف على الجمعية .. دون أن يقصي تفاعلات ونشاطات الحركة الوطنية آنذاك بقيادة حزب الشعب .. الذي كان وراء هذه الانتفاضة الشعبية .. باعتراف جميع القيادات الحزبية آنذاك بما فيهم الأوساط التي كانت لها مطالب لا تتماشى مع مطلب الاستقلال .
وفي أدبيات النضال الوطني الجزائري فإن ٨ ماي ١٩٤٥ بقي عالقا وراسخا في ذهنية المناضلين الذين تأثروا أيما تأثر لرد فعل الفرنسيين تجاه الجزائريين الذين خرجوا يطالبون بحقوقهم السياسية عقب الحرب العالمية الثانية .. منها الاستقلال خاصة وفق ماكان يردده الحلفاء من منح للشعوب حريتها انطلاقا من مبادىء ولسون .
كل هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح .. وتنصل الجميع من التزاماتهم مما دفع بالجزائريين إلى الإسراع في التعبير عن أرائهم جهارا في مسيرات سلمية في المدن الشهيدة سطيف، قالمة، خراطة ومناطق أخرى هي جزء لا يتجزأ من هذا الوطن .. وعزيزة على كل واحد من هولاء الذين يطالبون بمغادرة الاستعمار لأراضيهم فورا.
إلا أن الصدمة كانت كبيرة بالنسبة للجزائريين عندما أطلق المعمرون والشرطة النار بكثافة على أناس عزل أردوهم قتلى بالمئات .. ولم يكتفوا بذلك بل لحقوهم في كل الأماكن للقضاء عليهم وإسقاط أكبر عدد منهم مستعملين كل الوسائل الجهنمية كالأسلحة الفتاكة والأفران لحرق الأشخاص .. والجرافات لدفن الجثث في مقابر جماعية …
لذلك فإنه في فترة لا تتجاوز الـ ١٠ سنوات اندلعت ثورة نوفمبر المباركة ( ٨ ماي ١٩٤٥ ـ ١ نوفمبر ١٩٤٥) بعد الإعداد لها بشكل دقيق . أخذت في الحسبان ماوقع  في سطيف وقالمة وخراطة .. على أن العمل المسلح سيشمل كامل التراب الوطني .. ولابد من رد الصاع صاعين .. ببعث رسالة قوية للاستعمار بأن مارتكبه من جرائم ضد الجزائريين لا يمر دون عقاب …. وسيلقن درسا لا ينساه أبدا وهذا ماحدث طيلة ٧ سنوات من الثورة المجيدة ومباشرة عقب الاستقلال لم ينس الجزائريون شهداءهم في سطيف وقالمة وخراطة .. بل في كل مرة يحل علينا ٨ ماي إلا ويحيي هذا الشعب الذكرى مستحظرا كل من سقطوا برصاص الغدر والانتقام .. وتأسست ٨ ماي ١٩٤٥ التي أعدت ملفا موثقا إلى المحاكم الفرنسية في إطار المتابعات القضائية .. لكنه مازال حبيس الأدراج . نفس الشيء بالنسبة للمساعي عل المستوى الأوروبي بقيت أمور متوقفة … في الوقت الذي يشتكي هؤلاء من الجرائم النازية .. فإلى متى يظل هذا الملف مغلقا ويتهرب الطرف الفرنسي منه عمدا حتى ينساه الجميع وهذا بعد قرابة ٧٠ سنة من هذه الجرائم ضد الإنسانية التي مرت بدون عقاب .