جاء تنصيب خلية اليقظة المكلّفة بمتابعة وتقييم تطورات وضع حرائق الغابات باستمرار، وفعالية أجهزة الوقاية والمكافحة من طرف الوزير الأول عبد العزيز جرّاد، بعد التهديد الايكولوجي الذي صنعته الحرائق الملتهبة في مختلف مناطق الوطن بسبب الخسائر التي تتكبدها الثروة الغابية والحيوانية في الجزائر، حيث كلّف جميع القطاعات المعنية بوضع استراتيجية جديدة للوقاية من حرائق الغابات واستباقها ومكافحتها، خاصة وأن الغابات تمثل عنصرا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن.
يعد الغطاء النباتي ثروة إيكولوجية مهمّة تستوجب المحافظة عليها بتسخير كل الجهود والإمكانات الممكنة، لذلك كان تنصيب خلية اليقظة من أجل المتابعة والتقييم الفوري للتطورات المسجلة في وضع حرائق الغابات، خاصة الشق المتعلق بأجهزة الوقاية والمكافحة المخصصة لحماية الغابات والأحراش التي تفقد كل سنة جزءاً مهما من مساحتها الاجمالية بسبب الحرائق المندلعة في مختلف جهات الوطن. فقد أكّد التقرير الأخير الذي أعد في 29 جويلية، وقوع 1082 حريق التهم مساحة إجمالية قدرها 8165 هكتار، منها 2691 هكتار من الغابات، 3051 هكتار من الجبال و2423 هكتار من الأحراش، وقد سُجّل أكبر عدد من المساحات التي التهمتها الحرائق خلال الأسبوع الأخير من شهر جويلية الفائت.
التّكنولوجيا لربح الوقت والجهد وتفادي الخسائر
تترأّس وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية خلية اليقظة، حيث تتشكّل من مختلف القطاعات المعنية كالفلاحة، الموارد المائية، الدرك الوطني، المديرية العامة للأمن الوطني، المديرية العامة للحماية المدنية والمديرية العامة للغابات، حيث ستعمل في تناسق تام من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من تنصيبها.
وبغية التحكم في الوضع أمر الوزير الأول بإجراء تحقيقات فورية بخصوص حرائق الغابات، مع ضرورة إحصاء جميع الموارد المادية المتاحة.
وقد اقترح الوزير الأول في ذات السياق، وضع برنامج لتجديد الغطاء النباتي من أجل تعزيز الحظيرة الـموجودة من خلال اعتماد عمليات التشجير لإعادة إعطاء المساحات المحروقة غطاءها النباتي، وتعتمد إدارة الغابات على مخطط للتشجير ينطلق في شهر أكتوبر وينتهي شهر مارس من كل سنة، حيث يتم إعادة تهيئة وتشجير المساحات الغابية، بإشراك المجتمع المدني من أجل تحسيس وتوعية المواطن بالأهمية الإيكولوجية والاقتصادية للشجرة، بالإضافة إلى أهميتها الجمالية للمحيط.
وتعد تجربة السد الأخضر التي أطلقتها الجزائر بداية سنوات السبعينات لإقامة شريط نباتي من الأشجار من الشرق إلى الغرب رائدة، حيث عملت التجربة على وقف ظاهرة التصحر من خلال وقف زحف رمال الصحراء، ويذكر أن طوله 1700 كيلومتر على عمق تجاوز في بعض الأحيان 400 كيلومتر، حيث كان له دور كبير في نشوء 400 قرية نموذجية جديدة.
وأصرّ الوزير الأول على إجراء تقييم موضوعي للنظام المعمول به للوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها، واقتراح جميع التدابير التي تسمح بتحسين فعاليته، خاصة فيما يتعلق باستعمال كل الوسائل الممكنة التي توفرها السلطات المعنية كإدارة الغابات ومصالح الحماية المدنية، حيث يتطلّب الوضع الحالي تنسيقا خاصا بينهما من أجل بلوغ الأهداف المرجوّة، خاصة وأنهما يعملان في الخطوط الامامية لمجابهة ومكافحة الحرائق المندلعة، مع توفير كل ما يمكنه المساهمة في هذه العملية كالشاحنات والمروحيات التي يؤدي استعمالها الى اختصار الكثير من الوقت والجهد وتفادي خسائر أكبر في الثروتين الغابية والحيوانية، وفي هذا الصدد قامت مصالح الحماية المدنية بتكوين طيارين لقيادتها.
وفي هذا السياق، يجب حشد جميع الموارد التكنولوجية لتعزيز المراقبة الجوية، وكذا المراقبة عن طريق الأقمار الصناعية وتحسين عمليات التبليغ عن نشوب حرائق الغابات للسيطرة عليها وتحديد مكانها بدقة من أجل تطويقها وإخمادها بسرعة، فإدارة تسيير الحرائق من خلال تسخير التكنولوجيا لمجابهتها خاصة فيما يتعلق بمعرفة الظروف المحيطة كسرعة الرياح، درجة الحرارة، مساحة الغابة المحترقة ونوع الغطاء النباتي الذي يميزها، كل هذه المعلومات يمكن للأقمار الصناعية تزويد الفرق المختصة بها لبناء حواجز في المكان الصحيح لمنع اتساع رقعة الحرائق.
ولن يكون الدور الذي تلعبه التكنولوجيا بعيدا عن الدور الذي يلعبه المواطن في الحد من الظاهرة، خاصة وأن العامل البشري هو اهم مسبب لها، لذلك كان تجنيد المواطن من اجل حماية الغطاء النباتي في الجزائر مهما لما له من نتائج إيجابية على العمل التضامني بين المواطنين، حيث عكست الفيديوهات المنتشرة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لسكان يحاولون إخماد الحرائق في الأسابيع الأخيرة تضامنا كبيرا بينهم لتفادي الخسائر البشرية، كما ساهم التحسيس والتوعية في انخراط المواطن في مخطط مكافحة الحرائق بصفة خاصة في الرقابة والتبليغ عن أي تجاوزات قد تنتهي بحريق يأتي على الأخضر واليابس.
في هذا الإطار، كلّف الوزير الأول جميع القطاعات المعنية بالتفكير في استراتيجية جديدة للوقاية من حرائق الغابات واستباقها ومكافحتها، بتسخير كل الإمكانيات سواء بشرية أو مادية من أجل الحد من الظاهرة التي ارتبطت بفصل الصيف من خلال تحديد أسبابها بصفة دقيقة، وهو ما ستسفر عنه التحقيقات الميدانية لمعرفة السبب الحقيقي وراء اشتعال الغابات في مناطق مختلفة من الوطن.
العامل البشري رقم واحد في التّحسيس
لا يمكن الحديث عن الحرائق دون التطرق إلى أسبابها، حيث أثبتت الدّراسات أن العامل البشري أهمها، حيث كشفت التحقيقات أن شرارتها الأولى كانت حفلة شواء أو قطعة زجاج رماها مواطن داخل غابة، أو عقب سيجارة تخلص منها أحدهم بعد انتهائه من التدخين أو أنها اشعلت عمدا للاستيلاء على مساحتها بعد احتراقها وتحولها الى أرض جرداء، كما تعتبر حرق المخلفات الناجمة عن الأشغال الزراعية أحد مسبّبات الحرائق في الجزائر، بالإضافة الى الباحثين عن الفحم لبيعه، كل هذه الأسباب تعكس لاوعي المواطن بأهمية الغطاء النباتي سواء أشعلها بصفة عمدية أم لا، مع العلم أن الجزائر تملك نصوصا خاصة لحماية الغابات، لأنها شرط أساسي في التنميتين الاقتصادية والاجتماعية، لذلك تولي أهمية بالغة للتنمية والمحافظة على الثروة الغابية التي تغطي مساحة تفوق 4.1 مليون هكتار دون إغفال الدور الذي يلعبه الاحتباس الحراري في ارتفاع عدد حرائق الغابات عبر العالم، لذلك غالبا ما تندلع الحرائق مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف.
في هذا السياق، أعلنت المديرية العامة للغابات الأسبوع الماضي، في بيان لها عن بلوغ ذروة 66 حريقا يوميا على مستوى 20 ولاية، واعتبر البيان في ذات الوقت تيزي وزو، بجاية، سطيف، تيبازة الولايات الأكثر تضررا جراء هذه الحرائق، كما أعلنت مصالح الحماية المدنية مؤخرا أن أكثر من 600 هكتار من الغطاء الغابي في عدد من ولايات الوطن تم إتلافه يومي عيد الأضحى، نصفه سجّل في ولاية بجاية فقط، أي ما يعادل 300 هكتار.
السّيطرة عليها للحد من خسائرها الاقتصادية
لن ينسى الجزائريون صور صناديق النحل المحترقة بجيجل وأشجار الزيتون التي أكلتها ألسنة النيران بتيزي وزو لأنها وإن كانت صورة حقيقة عن الخسائر التي تكبّدها أصحابها، هي أيضا تعكس حجم الخسائر الاقتصادية التي تسببها حرائق الغابات، ولعل تنصيب خلية اليقظة هو ترجمة حرفية لمحاولة الدولة منع أي ضرر اقتصادي خاصة الخسارة الكبيرة للأخشاب والثروة النباتية والحيوانية والبشرية حتى وإن لم تسجل أي حالة وفاة بسبب الحرائق الى غاية اليوم.
ولن يكون الحديث عن الخسائر التي تسببها الحرائق بعيدا عن الإحصائيات العالمية لسنة 2019 أين سجلت احتراق رئات العالم كغابة الامازون، غابات منطقتي سومطرة وبورنيو الإندونيسية والتي استمر اشتعالها لأشهر، غابات استراليا التي أدت الى هلاك 1000 من حيوان الكوالا، كلها خسائر يمكن الحد منها بوضع استراتيجية متكاملة الأركان.