طباعة هذه الصفحة

بسبـب استمرار جائحـة كوفيد-19

صيــف دون رحـلات ولا حقائـب سفــر

إستطلاع: فتيحة كلواز

في سابقة تاريخية، يكاد فصل الصيف يمر دون رحلات سياحية، حيث يكاد بعض الناس ينسى شيئا إسمه «حقيبة السفر» التي يبدو أنها دخلت في «عطلة استثنائية» إلى أجل غير مسمى.

تطوى أيام فصل يربطه الكثيرون بالراحة والاستجمام عادة بعيدا عن الفنادق والمنتجعات السياحية، وتمضي ساعاته دون أن تُرتب فيها الحقائب لرحلة صيفية، يتمتع فيها المسافر بتفاصيل جديدة في بلد كل ما فيه اكتشاف.
وعلى غير العادة، دخل فصل العطل عطلة مجبرا، بعد التدابير الاحترازية التي اتخذت على المستوى العالمي لتفادي انتشار كوفيد-19.
«الشعب» استطلعت آراء المواطنين حول يومياتهم الصيفية بعيدا عن التذاكر وحزم حقائب السفر.
كان أول من سألته «الشعب» محمد.ر، يعمل مرشدا في الحج، الذي بدا حزينا جدا لابتعاده عن الأجواء الروحانية التي تعودها كل سنة، حيث أجاب: «عملت مرشدا في الحج والعمرة لمدة تفوق العشر السنوات، كنت خلالها أطوف بيت الله الحرام مع الحجاج أعلمهم تفاصيل الشعيرة الربانية وأرشدهم الى كل ما يجعل حجهم مقبولا، كنت أستمتع وانا أجيب حاجا أو حاجة عن سؤال مبهم حول دعاء أو نسك من مناسك الحج، احتسبت عملي هذا صدقة على والداي اللذين توفيا في حادث مرور منذ إحدى عشرة سنة، لكن وعلى غير العادة حرم أبي وأمي ثواب الطواف هذه السنة».
واستطرد محمد قائلا: «حرم الفيروس العالمي الكثير من المسلمين أداء مناسك الحج والعمرة، بل حرم حتى أهل البلد هناك الصلاة في بيت الله الحرام بعد إجراءات الغلق، هي سنة حرم فيها المسلمون الكثير من ساعات روحانية وربانية جعلها الله تعالى مناسبة للمغفرة واستجماع النفس، لكنها في المقابل ستكون لكل واحد منا فرصة فيها لنصنع الخير مع كل من حولنا، فأهم درس تعلمته من كل ما حدث أن الخير والصلاح لا يحتاج الى تذكرة سفر وان الإنسان بحاجة الى ضغط زر «توقف»، ليستطيع تقييم ما مر به من قبل، لأن الحياة لن تكون نفسها بعد استرجاع الأرض عافيتها من «كوفيد-19.»
أما سليم بن ساوي، فتعود السفر كل سنة إلى فرنسا شهري جويلية وأوت، لزيارة العائلة هناك من جهة وللاستمتاع بعطلته الصيفية من جهة أخرى. قال عن الصيف الاستثنائي لهذه السنة، «لم أستطع استيعاب الغلق الحاصل في العالم أجمع، لأنه حرم الكثيرين السفر والاستمتاع بأجواء الراحة والاستجمام بعيدا عن كل المشاكل التي تحيط بنا. تعودت منذ صغري الذهاب الى فرنسا لزيارة أقاربي، حيث يقيم ثلاثة من أعمامي وأخي ووالد زوجتي هناك، ما يجعل رحلتي بعيدة عن الملل، فأنا أقيم في كل مرة عند أحدهم لذلك يمر الشهران دون ان أشعر، خاصة وان أبنائي الثلاثة يستمتعون بها جدا، لكن الوضع غير المألوف لهذه السنة حول العطلة الى أيام بتفاصيل لم نعهدها من قبل، خاصة مع تلك الإجراءات الوقائية اللازم احترامها في كل مكان». وأضاف سليم قائلا: «رغم أنني لم أسافر كما تعودت منذ طفولتي، الا انني عدت الى الأصل الى بيت والدي في مدينته الأصلية بغرداية، حيث أعاد تهيئة بيت جدي كان يقيم فيه عند زيارته لمدينة الأجداد، لم أزره منذ ان توفي والدي أي ما يقارب العشرين سنة، كان يهتم به أبناء عم أبي، زرته هذه السنة لأجد عائلة كبيرة لم أعرفها من قبل، أقارب أجهلهم بعيدون كل البعد عن أولئك الذين تعودت عليهم دائما، البساطة والتواضع أهم ميزاتهم، تشبعوا الأصالة حتى الثمالة أصحاب مال وأملاك، الا انهم يفترشون الأرض ليجلسوا ويأكلوا، البعض منهم اطار في الدولة، لكنه لا يشعر بالحرج إن تحدث بلغة بسيطة بعيدة عن التملق والتفاخر، حقيقة حرمت السفر الى فرنسا لكنني وجدت في بيت والدي ما كان يريد دائما تعليمه لي، الافتخار بأصولي الجزائرية».
غاب السفر وحضر الوطن
فلة صاولي، واحدة ممن تعودوا السفر كل سنة، قالت عن صيفها بعيدا عن أجواء الرحلات الصيفية: «حقيقة انني لم أسافر الى دول اجنبية الا انني تعودت السفر الى مختلف مناطق الوطن في الصيف، من جيجل، سكيكدة، إلى مستغانم، وهران، تلمسان، بجاية وحتى بشار، فالصيف بالنسبة لي فرصة للتعرف على الوطن الحبيب، فأنا من الذين يكتفون بوطن بحجم قارة، لكن مع الأسف كان لانتشار الوباء العالمي تأثير واضح على خطة الاصطياف هذه السنة». فغلق الفنادق والمركبات السياحية، بحسبها، كان سبب بقائها في البيت هذه السنة بعيدا عن جو البحر والاصطياف، وكان للإجراءات المتخذة في اطار مجابهة فيروس كورونا أثر كبير على تفاصيل يومياتها العادية وليس فقط العطلة. فمنذ شهر مارس والكل ينتظر متى يرفع عنا البلاء والوباء.
وأكدت، فلة في سياق حديثها، أن حفظ النفس أولى من أي عطلة ومن أي سفر، حيث قالت: «حقيقة متعة الصيف لا تقاوم وتغري أي شخص لترك قيود الروتين اليومي للخروج عن المألوف في أجواء تنعشها نسائم البحر وصور شروق وغروب الشمس من مختلف مناطق الوطن، لكن يبقى الوعي سلاح الإنسان ليتعود مع الأحداث الاستثنائية، لأنه السبيل الوحيد لخروج سفينة الحياة الى شاطئ الأمان، ولن يكون السفر والعطلة والاستجمام ثمنا كبيرا أمام خيار مفصلي يكون أهون ثمن يدفعه المستهين والمستخف بإجراءات الوقاية، الإصابة بالعدوى التي قد تكون نهايتها الموت».
أما سميرة مقداد، فلها رأي خاص بالسفر والإقامة في الخارج، خاصة وان الحادثة ارتبطت بوفاة والدها، حيث صرحت لـ «الشعب» قائلة: «الصيف يعادل بالنسبة لي سفرا، طائرة ولغة أجنبية، فقد اعتدت السفر كل سنة الى شقيقتي المقيمة بدبي وأخي المقيم بتركيا وأختى المتزوجة في بريطانيا، كنت الوحيدة بينهم المقيمة في الجزائر، فرغم ان فرصا كثيرة سنحت لي للعمل في الخارج، الا انني فضلت البقاء مع والدي، فلا يعقل تركه وحيدا هنا. وبالفعل توفي والدي في شهر رمضان الماضي، وكنت الوحيدة معه في أيامه الأخيرة، فبعد إجراءات الغلق لم يستطع إخوتي توديعه او إلقاء النظرة الأخيرة عليه، بكوا كثيرا حتى ان أختي المقيمة بدبي ما تزال الى اليوم تعاني أزمة نفسية بسبب ذلك، لكن هكذا جاء أمر الله والحمد لله انني كنت معه، ولم يمت وحيدا في بيته».
وعن كوفيد-19 قالت: «عندما تم توقيف الرحلات الجوية والبحرية حزنت كثيرا، لأنني عجزت عن السفر والتجوال، كما تعودت كل سنة. حزنت أيضا عندما حل شهر رمضان ولم أستطع الذهاب لأداء عمرة رفقة والدي، لكن عندما مات والدي موت الفجأة ودون سابق إنذار ووجدت نفسي الى جانبه أبكيه وحيدة. حمدت الله ان قضاء الله وقدره ساق لوالدي الأسباب حتى لا يموت وحيدا، لأنني كنت سأسافر بعد عودتي من العمرة إلى تركيا لزيارة أخي، لكن قضاء الله وقدره منحني الفرصة لأكون مع والدي حتى آخر ثانية عاشها، لذلك أفضل ان يرى الناس كل هذه الإجراءات والتدابير الاحترازية بعين التفاؤل، فالفرح والسعادة لا تعني أبدا السفر. حقيقة هو تجربة جيدة لكل واحد يبحث عن اكتشاف الشعوب الأخرى، لكن الوطن وإن كنا نعيش فيه بحاجة أيضا الى اكتشاف. ربما الفيروس العالمي منحنا الفرصة لنعود الى إنسانيتنا، الى فطرتنا في فعل الخير، الى جوهر أبعدتنا عنه المادية المتوحشة».