طباعة هذه الصفحة

الدكتور إدريس عطية في حوار مع «الشعب»:

الحل في ليبيا يمرّ عبر استئناف العملية السياسية ووقف التدخلات الخارجية

أجرت الحوار : إيمان كافي

 المواجهة بين مصر وتركيا لن تحصل لأن الحروب أصبحت بالوكالة

 الدول المتواطئة في الصراع تسعى وراء حصّتها من الكعكة


للوقوف على التطورات الخطيرة التي تشهدها ليبيا، تحاور «الشعب» الدكتور إدريس عطية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، وتبحث معه عن أسباب إخفاق كل مبادرات التسوية في نزع فتيل التوتر الذي يسعى البعض إلى إشعاله حربا لإحراق المنطقة بأسرها.
الدكتور عطية، تطرّق إلى ما يتردّد عن إمكانية حدوث مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا، وأيضا  إلى جهود التسوية التي تبذلها الجزائر، وخلص إلى أن جميع الأشقاء الليبيين، ينظرون إلى الجزائر على أنها بلد المصداقية الدبلوماسية والنزاهة الخارجية، ولذلك فالحل الحقيقي – كما قال-  سيأتي من الجزائر، لأنها باختصار القطب العقلاني.
«الشعب»: المشهد الليبي ماض إلى مزيد من التّصعيد والتعقيد، خاصّة مع ما يجري من عسكرة وتحشيد على الأرض، كيف تقيّمون الوضع هناك على ضوء التطورات المسجّلة في الفترة الأخيرة؟
د . إدريس عطية : تشهد ليبيا حالة من التصعيد العسكري بشكل خطير وغير مسبوق، جراء نقل عدد كبير من المرتزقة والدواعش لإغراق البلاد، والدعم العسكري والفني واللوجستيكي المتزايد الذي تتلقاه حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في غرب ليبيا من قبل تركيا، وفي الطرف المقابل نجد دولا عديدة  تدعم عسكريا ما يسمى بالجيش الليبي الذي كان يقوده سابقا حفتر ويقوده عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق سياسيا، كل هذه المشــاحنات لا تخدم ليبيا ولا الليبيين وإنما تعمل على تعقيد الوضع، وما يتخوف منه اليوم هو أن يعمل كل طرف على تسليح عدد من القبائل والفصائل للقتال نيابة عن داعميهم الإقليميين والدوليين، ليكون القاتل ليبيا والمقتول ليبيا.
التدخّل العسكري التركي إلى جانب حكومة الوفاق، يقابله تهديد من مصر بالتدخّل العسكري إلى جانب حفتر، هل يمكن أن يحصل المحظور وتقع المواجهة؟
أنا أستبعد المواجهة المباشرة بين تركيا ومصر، لأن هذه الدول تدرك جيدا مصالحها، هذا من جهة واقعية، ومن جهة تكتيكية يمكن القول أن الحروب بين الجيوش النظامية قد انتهت والحروب بالنيابة أو بالوكالة هي التي أصبحت معتمدة في التكتيكات الدولية، وفي زاوية ثالثة ومن جهة استراتيجية، الوضع يمنع قيام حرب إقليمية بين مصر وتركيا، ليبقى في الأخير استخدام الليبيين كوقود لهذه المواجهة بين الأطراف المتصارعة، التي تصفّي حساباتها الدولية في ليبيا وبالليبيين وحدهم، خاصة أمام توفر الأسلحة وضخ العديد من وسائل القتال هناك، وهذا رغم أن ليبيا لا تزال تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومع ذلك فتركيا تتحيز بشكل كامل لحكومة الوفاق، ونفس الشيء يقع على مصر التي تدعم حفتر وجيشه عسكريا منذ 2014، إلى جانب الدعم المالي لبعض دول الخليج والدعم الدولي من قبل فرنسا، مع  العلم أنّ إصرار حفتر على غزو طرابلس منذ الرابع من أفريل 2019، هو ما ولّد المبرر لاصطفاف تركيا وبعض حلفائها إلى جانب السراج وحكومته.
- ما يميّز الأزمة الليبية أنّنا نسجّل إجماعا دوليا على تأييد الحل السياسي، لكن ميدانيا نجد أن الدول التي ترافع لأجل الخيار السلمي هي ذاتها التي تؤجّج الحرب، كيف تفسّرون هذه المفارقة؟
 هذه مفارقة عجيبة حقيقة، لا يوجد لحد الآن دولة واحدة ترفض علنا الحل السلمي في ليبيا، لكن في الواقع  نجد العديد من الدول متدخلة في ليبيا ومشاركة في إطالة عمر الصراع وتعمل على إذكائه بما لا يخدم مصلحة ليبيا ولا أمن المنطقة برمتها، سواء تعلّق الأمر بشمال إفريقيا بما فيه الفضاء المغاربي،  أو بالساحل الإفريقي وحتى حوض المتوسط، فهذه الجهات الساعية لعسكرة ليبيا وتأجيج الوضع فيها، سواء كانت إقليمية أو دولية، عربية أو غربية، تسعى  وراء مصالحها وتعمل على ضمان حصة من الكعكة الليبية.
-   مازالت الجزائر تلقي بثقلها لحلحلة الأزمة الليبية، واستطاعت حتى الآن كبح الانزلاق إلى الحرب، ما تقييمكم للدور الجزائري، وهل يمكنه أن يحقّق الانفراج المنشود؟
 الدور الجزائري هو الأهم في المنطقة، لأن الجزائر هي البلد الوحيد الذي يمتلك مفاتيح حل هذا الصراع، وهذا راجع إلى الثقل الدبلوماسي الذي تتمتع به ومصداقيتها الكبيرة في إدارة الملفات الدولية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية هو أنها تقف على نفس المسافة من جميع الأطراف المتصارعة في ليبيا سواء في شرقها أو غربها، إضافة إلى توافق الحزم القبلية في الجنوب على الطرح الجزائري وهذا ما ولد قابلية ليبية داخلية لوجود الجزائر كطرف وسيط.
أعتقد أن شبح الحرب بدأ يبتعد عن ليبيا، خاصة بعد أن صرح وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم من موسكو» أن منطق المدفعية أصبح غير مرغوب فيه في ليبيا»، وهذا التصريح القويّ يشبه ما صرح به سابقا رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الذي قال إن طرابلس خط  أحمر، فالجزائر هذه الأيام اعتمدت على حركيتها الدبلوماسية من أجل منع الحرب في ليبيا، ومع ذلك فهي تستطيع أن تعتمد على الأجندة التالية:
1-التنديد بالتدخلات الأجنبية الجديدة في ليبيا.
2-ضرورة إعطاء ضمانات بأن مصالح جميع الأطراف لن تتضرر، إذا سهلت عملية الوساطة بين الفرقاء الليبيين.
3-ينبغي على الجزائر أن تقف ضد المقاربات التي لا تصب في صالح تسوية الصراع بدل سياسة رد الفعل الحالية القائمة على عدم دعم طرف ضد طرف.
4- على الجزائر أن تضع في حسابها أن مقاربة محور حفتر - مصر قد انهزمت ولذلك ينبغي على هذا المحورالموافقة على مقاربة الجزائر.
5-ضرورة إقناع تركيا والسراج بأن لا سلام دائم دون ضمان مصالح الأطراف الأخرى، ولو في حدود دنيا.
وبهذه الخطوات يمكننا أن نتحدث عن مقاربة جزائرية محدّدة المعالم وواضحة الأدوات وبينة المبادئ وسليمة التصورات وواقعية التصرفات والتطبيق.
- ما رؤيتكم لمستقبل الوضع الليبي، هل من مؤشرات خلاص في الأفق القريب؟
 كل الزيارات الدبلوماسية المتكررة إلى الجزائر جاءت من أجل فهم الموقف الجزائري من الأحداث الأخيرة في ليبيا، مع أن هذه الأطراف تطلب وساطة الجزائر وتؤيد مسار التسوية الذي أطلقته بعد اعتلاء السيد عبد المجيد تبون السلطة في نهاية العام 2019.
الأمر المؤكد أن الجزائر لها استراتيجية واضحة بحيث تؤثر في إقليمها بشكل كبير، وفي نفس الوقت تحاول أن تتجنب أن تكون ضمن استراتيجية الآخرين، وهذا راجع لمحددات السياسة الخارجية الجزائرية وعقيدتها الوطنية والدستورية التي تنظم مجال تحركها الإقليمي والقاري والدولي.
ما تعيشه ليبيا اليوم هي أزمة استراتيجية وليس تكتيكية ومعالجتها لا تكون بوضع خطة مستعجلة، بل بإعادة النظر في طبيعة كل الأطراف المحلية وكل الداعمين الإقليميين والدوليين والبحث في مستقبل الصراع وأبعاده.
مختصر القول، إن الغرب يريد ضرب عصفورين بحجر واحد، تدمير تركيا وإضعاف مصر من خلال  جرّ جيشها إلى الحرب وإغراقه في مستنقع قد لا يخرج منه قويّا ولا سالما، لكن تركيا لن تدخل في مواجهة مع مصر لأن لها أجندتها الطويلة في صراعها مع الأوروبيين وخاصة تنافسها مع فرنسا على الصعيد الاستراتيجي رغم أنهما مرتبطان في سياسات الأمن والدفاع معا، لأن فرنسا وتركيا عضوان ناشطان في حلف الناتو الذي تقوده أمريكا.  
يبقى أن نشير إلى أن جميع الأشقاء الليبيين، ينظرون إلى الجزائر على أنها بلد المصداقية الدبلوماسية والنزاهة الخارجية، ولذلك فالأطراف المتصارعة في ليبيا تدرك أن الحل الحقيقي سيأتي من الجزائر، لأنها باختصار القطب العقلاني.