شراء سيارة مستعملة حلم فئات اجتماعية
فقدت تعاملات المركبات المستعملة والجديدة منها بالجزائر، بارومترا حقيقيا ومرجعيا للأسعار، بعد تعليق نشاط سوق السيارات الأسبوعي ببلدية تيجلابين، بسبب تدابير الحجر الصحي وحتى قبل الجائحة.
وجد الزبائن والتجار من محترفي البيع والشراء أنفسهم، بعد تجميد نشاط سوق تيجلابين، بلا «سند مرجعي» لتحديد قيمة المركبات، ما أدخل النشاط في فوضى وتذبذب في الأسعار والتعاملات، وحتى التلاعب بها من قبل محترفي البزنسة، حسب تصريحات استقتها «الشعب» من المولعين بهذا النشاط.
كان من الطبيعي أن تنعكس عملية توقف تركيب السيارات بالجزائر وقبلها عملية الاستيراد على نشاط بيع وشراء المركبات الجديدة والمستعملة، التي تعدت أسعارها حدود المعقول مقارنة ممّا كانت عليه سابقا، وبالتالي كان من الواضح أن يؤثّر هذا الوضع على فضاءات وأسواق البيع والشراء على المستوى الوطني، ومن أبرزها سوق تيجلابين، الذي كان يجمع يوم السبت من كل أسبوع مواطنين وتجارا من كل ولايات الوطن، وتحول إلى مرجع حقيقي لتحديد سعر المركبات من كل الأنواع الجديدة منها أو المستعملة.
ووصف عدد من المولعين بممارسة هذا النشاط الوضعية بالقول «أن سوق تيجلابين هو المرجع بالنسبة لنا، إلى درجة أن كل شخص يريد بيع مركبة أو تحديدها سعرها التقريبي يقوم بإدخالها إلى هذا السوق من أجل وضع سعر أولي حتى يتمكّن من التفاوض مع المشتري أو التاجر، وبعد غلق الفضاء تحولت كل التعاملات تقريبا عن طريق المعارف أو على شبكة الانترنت عبر عدد من المواقع المتخصصة أهمها موقع واد كنيس لبيع وشراء السيارات وحتى بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي».
وتأسّف رواد هذا السوق الأسبوعي من تجار ومواطنين لتعليق نشاط السوق، الذي لم يكن فقط فضاء للبحث عن المركبة المحبوبة من كل الماركات العالمية وحتى عن طريق التبادل بعد تقييم سعر كل مركبة، بل فقد الكثير من الأشخاص وأرباب العائلات موردا اقتصاديا هاما ومصدرا أساسيا للثروة لا يقتصر فقط على محترفي المهنة بل شمل أيضا عشرات التجار الآخرين النشطين في مجال الإطعام، حراسة حظائر السيارات، أعوان الأمن والنظافة وغيرها من النشاطات الثانوية الأخرى، في حين كان يشكّل بالنسبة لبلدية تيجلابين رئة الخزينة البلدية بقيمة سنوية تصل إلى 17 مليار سنتيم ناجمة عن عملية الكراء.
جائحة كورونا زادت من المتاعب
زادت تدابير الحجر الصحي وتعليق نشاط الكثير من القطاعات التجارية بالخصوص منها الأسواق الأسبوعية من متاعب سوق تيجلابين لبيع وشراء السيارات المستعملة والقائمين عليه، ونخص بالذكر هنا بلدية تيجلابين الذي يشكّل لها هذا الفضاء التجاري الجزء الأكبر من ميزانيتها السنوية بقيمة 17.5 مليار سنتيم قيمة الكراء السنوي. وأكيد أنّ هذه الصعوبات ستكون مضاعفة على المتعامل الفائز بالصفقة الأخيرة لسنة 2019، التي أسالت الكثير من الحبر بسبب فشل 9 صفقات عمومية لكراء السوق نتيجة ضعف قيمة العروض التي توقفت عند حدود 12 مليار سنتيم، الأمر الذي دفع برئيس بلدية تيجلابين
رابح قسوم بعد مداولات المجلس إلى إصدار قرار بغلق السوق مدة فاقت ثلاثة أشهر، قبل منحه للمتعامل الجديد، أي قبل جائحة كورونا، مبررا الخطوة التي لاقت معارضة شديدة من قبل السلطات الولائية واستهجانا من قبل التجار والمواطنين، بتضاعف التكاليف المخصصة للأعوان المكلفين بحراسة الفضاء، وعدم قدرة ميزانية البلدية على انجاز أشغال التهيئة نتيجة تدهور الأرضية.
وبالعودة إلى مصدر الخلاف والملاسنات القانونية التي طفت الى السطح مباشرة بعد قرار تعليق نشاط سوق تيجلابين من قبل رئيس البلدية شهر جوان 2019، نلاحظ - حسب رواية رئيس المجلس الشعبي البلدي رابح قسوم - «فشل 9 مزايدات مفتوحة قامت بها لجنة البلدية بعد تحديد مصالح أملاك الدولة السعر الافتتاحي بـ 16.8 مليار سنتيم بقياس مساحة السوق المقدرة بـ 13 هكتارا، لكن كل هذه المزايدات فشلت وتوقف العرض المقدم من قبل المستثمرين عند حدود 12.1 مليار سنتيم، وهو ما دفع بالسلطات الولائية الى رفض العرض وتكليف البلدية بمواصلة تسيير الفضاء، والتكفل بكل الأعباء في وقت كانت فيه خزينة البلدية عاجزة ولا يمكنها الاستمرار في العملية، خاصة وأن دخل السوق لا يتجاوز 5 مليار سنتيم»، على حد قوله.
مقابل هذا القرار المتخذ من قبل المجلس البلدي لتيجلابين، كانت ردود فعل والي الولاية قوية أيضا وواضحة عندما اعتبر في إحدى تصريحاته «أنّ قرار الغلق ملغى وهو عبارة عن إعلان لا يرقي إلى مستوى القرار الإداري المبني على مبررات وسند قانوني واضح يتماشى مع قانون البلدية وعدم استشارة الوصاية»، مع المطالبة بمواصلة نشاط السوق الأسبوعي الى غاية ايجاد حلول مرضية للجميع.
بين هذا وذاك، كانت الكثير من التفاصيل الدقيقة مغيّبة، حسب المتتبعين لملف سوق السيارات، وهي أعمق بكثير وأثارت تساؤلات عديدة حول الخلفيات والأيادي التي كانت تعبث بهذا الفضاء الاقتصادي لمدة زادت عن 15 شهرا بعد انتهاء عقد المستأجر السابق، أي قبل تثبيت الصفقة الجيدة لشهر سبتمبر ومصير الملايير من المداخيل الأسبوعية من رسوم دخول المركبات التي كانت تتراوح ما بين 250 الى 300 مليون سنتيم، وهل فعلا كانت الخزينة البلدية تستفيد من هذه المداخيل لاستغلالها في مشاريع التنمية المحلية والقيام بأشغال التهيئة الحضرية المتدهورة؟
وادي كنيس بديل افتراضي
اتّفقت كل الآراء التي جمعتها «الشعب» محليا لدى محترفي البيع والشراء من تجار، أو ما يعرف بالسماسرة والوسطاء أنّهم «تأثّروا كثيرا بالوضعية الصعبة الناجمة عن توقف عملية استيراد وتركيب السيارات بالجزائر، وبالتالي توقف عشرات المتعاملين وفضاءات البيع المعتمدة في كل الولايات تقريبا وصولا الى تعليق نشاط الأسواق الكبرى كسوقي تيجلابين وسطيف، وما ترتب عنه من نقص حاد في العروض وارتفاع سريع في أسعار المركبات بما فيها القديمة المستعملة، حيث لم تعد حاليا المركبة في متناول جميع شرائح المجتمع.
وعلّق أحد المواطنين المستجوبين حول الموضوع بالقول: «لقد تحوّل شراء سيارة مستعملة الى حلم بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية بما فيها الطبقة المتوسطة نتيجة قلة العرض بعد غلق وكلاء السيارات المعتمدين، ما أدى إلى ظاهرة الغلاء الفاحش للمركبات حاليا، ولم يعد بالإمكان شراء مركبة جديدة بسبب السعر المرتفع»، وأضاف: «حاليا كل من يقوم ببيع مركبته بدافع تغييرها بأخرى، سيندم على ذلك وسيدفع ثمنها مضاعفا.
وعن البدائل المستخدمة لتجاوز أزمة نقص المركبات في السوق، وكيفية سد فراغ غلق سوق السيارات لتيجلابين وتدابير الحجر الصحي ومنع التنقل ما بين 29 ولاية، كانت آراء المستجوبين مشتركة ومتفقة أيضا وهو بديل افتراضي، حيث ازدهرت في الفترة الأخيرة الصفحات والمواقع المتخصّصة، حيث يبرز موقع واد كنيس كأشهر هذه المواقع التي جمعت المشترين والباعة على السواء في فضاء واحد من مختلف مناطق الوطن بهدف تقريب المسافات وتسهيل العملية، وهو ما يعطي دفعا قويا لهذا النوع من التجارة التي بدأت تتوسّع في الجزائر ربحا للوقت واقتصادا في التكاليف الناجمة عن عملية التنقل لمسافات بعيدة من أجل عرض المركبة للبيع بشرط تقنين النشاط حسب دفتر شروط واضح قصد تنظيم القطاع وإعطائه دفعا قويا مستقبلا.