كشف الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف، أن استرجاع الثقة بين السلطة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين يتطلب عملا ميدانيا علميا لإحداث القطيعة مع الممارسات القديمة، من خلال تشجيع المؤسسات الاقتصادية الخلاقة للثروة ومناصب الشغل على المساهمة في الإنعاش الاقتصادي، معتبرا إنشاء لجنة الحماية بداية لمرحلة جديدة، وصرح أن تماشي الخيارات الاقتصادية مع العصرنة أصبح أكثر من ضرورة خاصة الصناعة الجديدة، أو ما يعرف بمصانع 4.0، معتبرا الكفاءات وعصرنة الإدارة ركيزتين أساسيتين للإقلاع الاقتصادي.
أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف، في اتصال مع «الشعب»، أن الجزائر مرت إلى مرحلة جديدة بعد إنشاء لجنة حماية مناصب الشغل والقدرة الإنتاجية لتقييم الآثار الاقتصادية الناجمة عن وباء كوفيد -19، هدفها الأول حماية النسيج الاقتصادي والجبهة الاجتماعية من كل الأضرار الناجمة عن الأزمة الصحية، في نفس الوقت تم تنصيبها لتكون بمثابة أرضية أولية للتشاور والنقاش الموضوعي حول كل ما يتعلق بالوضعية الاقتصادية للبلاد، ما سيمكن كل الأطراف من إعطاء اقتراحاتهم أولا حول الوضعية الحالية ونظرتهم المستقبلية لكيفية تجاوز الأزمة، من أجل مخطط إقلاع اقتصادي بعيد المدى، مخرجات هذه اللجنة في المرحلة الأولى سيمكنها من وضع أرضية مهيأة لوضعه. واعتبرها خطوة أولى في تقييم موضوعي - كما وصفه الوزير الأول - خالٍ من كل المزايدات للوضعية الحالية التي تعيشها كل القطاعات على جميع المستويات، وقال بضرورة أن يكون التقييم ميدانيا لأن المؤسسات الاقتصادية تختلف من قطاع إلى قطاع ومن مستوى إلى مستوى، فهناك الكبيرة والصغيرة، لذلك لا يمكن أن يكون تقييما يوضع في القاعات والمكاتب وهو بالضبط ما تقصده مقاربة عقلانية واستراتيجية تختلف تماما عما كان معمولا به من قبل.
وتكون 48 ولاية في الجزائر معنية به ما يجعله مؤشرا حقيقيا للنية الصادقة التي أبداها رئيس الجمهورية والوزير الأول فيما يتعلق باسترجاع الثقة، مؤكدا أنها أول مفتاح لعمل الأطراف الثلاثة مع بعض في إعادة بعث الاقتصاد الوطني، فإذا شعر مختلف الشركاء أن العمل ميداني، سيسترجع كل الأطراف سواء كانوا متعاملين اقتصاديين أو شركاء اجتماعيين ثقتهم في السلطة، ما سيسمح بوضع خطة مرحلية استعجالية وإعطاء دفعة لإعادة بعث الاقتصاد الوطني، وهو ما تكلم عنه رئيس الجمهورية كمخطط إنعاش وإعادة إطلاق نشاطه.بالموازاة مع ذلك ستكون اللجنة بمثابة الأرضية التي ستسمح لكل الأطراف بالعمل مع بعض.
ولاحظ هادف أن اجتماع أول أمس، أول لقاء أعطى فيه جميع الأطراف آراءهم للوزير الأول الذي رسم الخطوط العريضة لمهام هذه اللجنة، ما أكد على حسن نية السلطات في إحداث القطيعة مع الممارسات القديمة، كاشفا أنه تلقى ردود فعل إيجابية من أرباب العمل الذين لمسوا هذه النية عن قرب.
وأشار إلى أن الوزير الأول من خلال حديثه عن التقييم الموضوعي الخالي من كل المزايدات هو بذلك يرمي الكرة في مرمى منظمات أرباب العمل والشركاء الاجتماعيين المعنيين، حتى يكونوا على قدر وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، فإن أراد الشركاء أن تكون شراكتهم فعالة ومطالبهم مقبولة يجب أن تكون موضوعية قابلة للتجسيد، يجب أن يتمتعوا بحس وطني، هناك شركات تعاني، لكن هناك شركات كبيرة استطاعت الحفاظ على استقرارها، رغم الأزمة التي تمر بها البلاد، هي تستطيع تقديم المساعدة في هذه المرحلة الحرجة، من خلال اغتنام الفرصة بتحقيق أحد أهم المطالب التي نادوا بها بضخ الأموال الموجودة لديها في البنوك الخاصة التي تكلم وزير المالية عن إمكانية إعطاء رخص لإنشائها، وفي نفس السياق على الشركاء الاقتصاديين تقبل أن البلد اليوم أمام مرحلة تهدئة الجبهة الاجتماعية، فلا يمكن المضي في مطالب غير قابلة للتجسيد على غرار رفع الأجور، أو كما لاحظنا هذه الأيام طلب منح بطريقة غير عقلانية.
وكشف هادف، أن من بين النقاط الإيجابية التي تحدث عنها الوزير الأول الذهاب مع بعض بالتضامن وتضافر الجهود، ما يعني أن الأطراف الثلاثة هم جهة واحدة تتكون من جميع الأطراف ما يجعل هدف بلوغ إنعاش اقتصادي ممكنا على أرض الواقع، وبالتالي المضي إلى المرحلة الثانية في إعادة بعث الاقتصاد الوطني على أسس صحيحة ومستدامة.
وفي هذا الصدد، قال الخبير إن الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين يلعبون دورا مهما في توحيد وجهات النظر، لذلك كان لا بد من أن يلتقيا في اجتماعات ثنائية لوضع الأولويات، خاصة وأن باب الحكومة مفتوح لكل الاقتراحات لكن يبقى السؤال المطروح هل هما مستعدان للحوار معها؟، يجب أن تكون بين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين لقاءات تشاورية بينية بغية توحيد وجهات النظر وتحديد الأولويات، استعدادا للقاء أوت المقبل الذي سيعطي مخرجات عمل هذه اللجنة، كاشفا أن تركيبة اللجنة متوازنة ما يعطي الفرصة للشركاء ويضعهم أمام الأمر الواقع بالعمل في إطار رسمي سيمكنهم من الوصول إلى الأهداف المرجوة.
مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة في 2020
أما ما يخص التقويم والانعاش الاقتصادي والاجتماعي اللذين قال عنهما الوزير الأول إنهما لن يتجسدا إلا من طرف مؤسسات متوازنة وقدرة شرائية كافية للأسر لدعم الديناميكية الاقتصادية، أكد هادف أنه يتحدث عن الإطار المؤسساتي والجبهة الاجتماعية، الذي أشار إليه من قبل في تأكيده على دعم وتشجيع المؤسسات الاقتصادية الخلاقة للثروة ومناصب الشغل لأنها تقدم قيمة مضافة وتساهم في الإنعاش الاقتصادي، ليست كتلك التي تأخذ على عاتقها مهمة الاستيلاء على الثروة، يكون همها الوحيد احتكار الطلبية العمومية، والاستيلاء على الثروة والريع الموجود، وهو ما يؤكد تغيير النظرة باختيار النموذج الاقتصادي الذي يعتمد على التنويع لتقويم الاقتصاد الوطني.
وكشف المتحدث أن الجزائر مطالبة بستحداث مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة آفاق 2025، لذلك يجب دعم المؤسسات الموجودة اليوم بإعطائها الإمكانيات وتهيئة مناخ الأعمال حتى تمارس نشاطها بدون أن تبقى محاصرة بالمشاكل الإدارية، فمن بين أهم التحديات عصرنة الإدارة، التي أصبحت عائقا، لذلك كان التقويم الاقتصاد الوطني بخلق المؤسسات ومناصب الشغل مرهونا بإدارة تكون في مستوى الموعد، خاصة إذا علمنا أنها كانت بمثابة السرطان الذي نخر الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة بل ساهمت في انتشار ظاهرة الفساد.
يجب المضي نحو إدارة رقمية تعتمد على وسائل الرقمنة والكفاءات، فالجزائر تملك منها الكثير ما يسمح لها بتسيير اقتصادها بكل أريحية، يجب أن تعطي الفرصة لهؤلاء الشباب المتخرجين من الجامعات بمئات الآلاف، باحتلال الأكفأ للمنصب الأنسب بعيدا عن المحسوبية من أجل إعطاء الإضافة، وقد أعطى رئيس الجمهورية في هذا السياق أوامر صارمة للوزراء والولاة للالتفاف حول الكفاءات الوطنية ومنحها الفرصة، مؤكدا أنه السبيل الوحيد لتقويم اقتصاد وطني ناجع.
وأضاف هادف أن الجزائر وعلى غرار كل اقتصادات العالم تبحث عن حلول مبتكرة وغير كلاسيكية لإيجاد الصيغة المناسبة والملائمة للاقتصاد الوطني، فرئيس الجمهورية تحدث عن اقتصاد المعرفة وهو من بين الحلول التي تجعل الخبراء يقدمون حلولا مبتكرة للخروج من الأزمة، فالحديث عن اقتصاد المعرفة يجرنا إلى الحديث عن الكثير من المواضيع أو ما يسمى بالمصانع 4.0 هي صناعة جديدة يجب اعتمادها لأن خلق مناصب شغل وخلق الثروة يستوجب حلولا تتماشى مع العصر، يجب أن يكون الاقتصاد الوطني تنافسيا، لأن البيداغوجية لن تأتي بشيء. الحلول المبتكرة تسمح بتجاوز هذه المرحلة بإنتاج محلي يتلاءم مع متطلباتها، الحديث عن الانتقال الطاقوي بدون امتلاك مصانع تشتغل في تصنيع المواد الأولية والمعدات والوسائل التي تستعملها الطاقات المتجددة، سيجعل منه مجرد شعار بعيد عن التجسيد.
وذكر أن بلوغ الأهداف المرجوة قاعدته الأساسية أرضية تشاورية تعتمد الحوار في كل المستويات، فالولاة والمسؤولون على المستوى المحلي لابد لهم من السير بنفس سرعة الحكومة، يجب أن يقدموا هذه القرارات التي لها علاقة مع الشأن الاقتصادي مباشرة دون انتظار التعليمات، لأن الوالي يعرف قراءة خطابات المسؤولين، يجسدها مباشرة على أرض الواقع كمخططات عمل، ونفس الشيء بالنسبة للمديرين التنفيذيين فمن غير الممكن البقاء على نفس النمط السابق بانتظار التعليمات من فوق والجزائر مقبلة على مرحلة جديدة مغايرة تماما لما كانت عليه من قبل، لذلك لا بد من أن يكون تسيير الاقتصاد بطريقة استباقية وعلمية.