حقق الإعلام الوطني خطوات على درب إرساء التعددية وحرية التعبير التي تعتبر معركة يومية تتطلب الالتزام بقواعد المهنية وفقا لمعادلة الاحترافية والمسؤولية. ولا يزال الأمر يتطلب المزيد من الجهد والبذل لتعميق الممارسة بما يوفر إعلاميا نوعيا وجواريا يشمل كافة مناحي الحياة، بما في ذلك السهر على المشهد الاقتصادي من خلال تنمية إعلام اقتصادي شامل، متخصص ودقيق، وهو مهم في إضفاء الشفافية على المنظومة الاقتصادية بشكل يثمن المكاسب ويحفز على الاستثمار والنمو ومكافحة بؤر الفساد.
ويتعلق الأمر بضرورة وفرة دعائم إعلام اقتصادي ينبغي أن يعكس المشهد القائم في الأسواق الاستثمارية ودواليب التجارة والمنظومة المالية برمتها، مع ضرورة الاستجابة لانشغالات وتطلعات المستهلكين بتقديم إعلام مبسط وشفاف بخصوص ما يعرض في الأسواق المفتوحة على مختلف جهات العالم، فيكون المرافق في الساحة وصمام الأمان بالنظر لاتساع ظاهرة الغش في المواد والتقليد في المنتجات والسلع والتحايل على القوانين في المعاملات والتهرب الضريبي. إنها مسائل يجب أن يتصدى لها الإعلام الاقتصادي الذي يحتاج إلى مرافقة لإرسائه كشريك يصعب تهميشه أو توظيفه من أطراف فاعلة في عالم المال والأعمال.
لمن لا يقتصر الأمر على هذا الهدف وفقط، وإنما من المفيد والضروري إعادة بناء منظومة الإعلام الاقتصادي في الجوهر بحيث يتم التوصل إلى توحيد مصادر المعلومة تفاديا للتضارب بفعل تعدد المصادر، التي غالبا ما تختلف معطياتها بشان ملف أو موضوع معين، في وقت تتزايد فيه الحاجة للمعطيات والأخبار وكل ما يندرج في النشاط الاقتصادي، سواء بالنسبة للمستهلك أو الباحث أو المتعامل والمستثمر، كي يمكن اتخاذ قرار استثماري أو إرساء خيار على صفقة أو منتوج في سوق وطنية واسعة ومغرية تسيل لعاب المهنيين وكذا الانتهازيين وقناصي الفرص. وما أحوج الساحة اليوم لإطار شامل ينظم ويسير المعلومة الاقتصادية إلى درجة يمكن الفرز بين ما هو متاح للتسويق الإعلامي وما هو مرتبط بالأمن الاقتصادي للوطن.
بالفعل ينبغي ايلاء أهمية للأمن الاقتصادي في وقت يتضاعف فيه التجسس الاقتصادي من اجل التحكم في الأسواق والتنافس على المشاريع والصفقات والسيطرة على الموارد. ويكون بناء مثل هذا الهدف الاستراتيجي بإطلاق وتأسيس إعلام اقتصادي قوي ومدرك للرهانات والتحديات، بحيث يعتمد عليه في مواجهة الهجمة التي تستهدف السوق الوطنية في كل المجالات، فيطلق الإنذار المبكر عند الخطر ويسوق الأوراق القوية للجزائر في اتجاه الأسواق المحلية والإقليمية. ويقع على عاتق المتعاملين والمؤسسات جانب كبير من المسؤولية في هذا المجال من خلال ضرورة تنمية روح التواصل والجدية في تسويق المعلومة بعيدا عن أي مبالغة أو تغليط. وفي هذا السياق، يجب أن تفتح مصادر الخبر الاقتصادي على كافة المستويات ضمن معادلة اتصال مؤسساتي دائم ومهني وشفاف، تضمن حق السؤال في العمق ومناقشة القرار.