هي ساحة واسعة وجميلة مزيّنة بالخضرة والأشجار الوارفة، هي أحد منتزهات مدينة حلب السورية التيكانت إلى وقت قريب من أكبر المدن الصناعية في الشرق الأوسط تزاحم الصناعات التركية ـ وحلب هذه كانت عاصمة سيف الدولة الحمداني الذي كان بلاطه يعج بالشعراء والأدباء والمفكرين، ويكفي أن نذكر منهم أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني.
ما الدافع للتحدث عن هذه المدينة التي تعد عاصمة الاقتصاد والصناعة لسوريا قبل الحرب وماهي هذه الساحة التي تعد معلما من معالم المدينة مثلها مثل القلعة ومثل الجامع الأموي فيها والذي يوجد أو كان يوجد به قبر النبي زكريا والد النبي يحي المدفون أيضا بالجامع الأموي بدمشق فلنتأمل تسامح إسلام الشام.
وسط تلك الساحة يوجد تمثال لفارس على جواده شاهرا سيفه مرتديا الطربوش وشواربه المنسقة تدل على النبل والرجولة.
إنه إبراهيم هنانو المسماة الساحة باسمه، إنه أحد أبطال استقلال سوريا، ويفتخر السوريون به ويعتزون بكفاحه ضد المستعمر الفرنسي كما نعتز نحن بالأمير عبد القادر الذي لا يزال له قصر بدمشق.
إبراهيم هنانو، جزائري من جزائريي الموجة الثانية من المهاجرين إلى الشام بعد ثورة المقراني والشيخ الحداد 1870 - 1871، وأود هنا أن أذكر أن أغلب هذه الموجة من منطقة القبائل الصغرى والكبرى وحين نقول الشام فإن الأمر لا يتعلق بسوريا فقط بل الشام كانت تلك المنطقة التي تشمل لبنان وفلسطين وغرب العراق والأردن أي الجزء الأكبر من الهلال الخصيب ولحد اليوم فإن مواطني المدن السورية وكذا مواطني لبنان والأردن والعراق حيث يريدون الذهاب إلى دمشق يقولون سنذهب إلى الشام ودمشق هي أقدم مدينة في التاريخ ومنذ أكثر من خمسة آلاف سنة.
عاش الجزائريون هناك واندمجوا في الحياة السورية والفلسطينية والأردنية وهناك في الجليل الأعلى أكثر من ثمانين قرية كل سكانها جزائريون ويتكلمون القبائلية أو الأمازيغية هم سوريون لكن يفتخرون بجزائريتهم وحسب أرقام تقريبية فإن عددهم اليوم حوالي المليون وفيهم مسؤولون كبار وتجار كبار وأطباء ومحامون وضباط في الجيش.
في أربعينيات القرن الماضي ثار السوريون ضد المحتل الفرنسي ومن الطبيعي أن ينتفض معهم الجزائريون الأحفاد الذين هربوا من نفس المحتل في القرن التاسع عشر، نصفه الأول والثاني..
ومن بين هؤلاء بطلنا إبراهيم هنانو الذي يعتبره السوريون بطلا قوميا لهم وأقاموا له التماثيل وعلقوا اسمه على الساحات وسموا باسمه شوارع وأزقة في المدن المختلفة..
بطل آخر ربما في نفس العمر وأكيد في نفس الفترة الزمنية وله تمثال وساحة باسمه في مدينة حمص، إنه البطل عدنان المالكي الذي كانت منطقة جهاده وسط سوريا ـ محافظة حمص الآن ـ التي تمتد مساحتها من البحر المتوسط إلى الحدود العراقية وحدود دير الزور.
وباعتبار سوريا مهد الديانات السماوية ومنها انتشرت المسيحية إلى أوروبا والكثير من الناس يجهلون أن مقر البابوية في روما وتلك الكاتدرائية كان أول من شيدها هو بولس الرسول ناشر المسيحية في إيطاليا ومن ثم روما وكان أن غادر دمشق وبالذات من باجي باب توما، وتوجه نحو أوروبا وأذكر هنا أن هناك مدينة أو بالأحرى بلدة في ريف دمشق تسمى معلولا لا يزال أبناؤها إلى اليوم يتحدثون الللغة الآرامية وهي لغة السيد المسيح عليه السلام..
كانت الشام إذن حاضنة وملجأ للجزائريين الذين لم يبخلوا هم أيضا برد الجميل للأمة التي آوتهم فآزروها حين الحاجة واندمجوا في كفاحها لنيل استقلالها والتحرر من المستعمر الفرنسي في النصف الثاني من القرن العشرين وإبراهيم هنانو كما عدنان المالكي هما أنموذجان فقط فهناك الكثير من الأسماء والأعلام التي نسيتها، آخر هجرة للجزائريين نحو الشام كانت سنة 1916 ونظرا لشح المعلومات فإن عددهم قد يكون قليلا، كان ذلك بعد انتفاضة ذلك العام والتي يسميها البعض ثورة أول سلطان ويطلقون عليها أيضا ثورة عين التوتة وكذا ثورة بلزمة كما توصف بأنها ثورة مستاوة، وكل الأوصاف صحيحة، اندلعت تلك الانتفاضة المسلحة التي كانت آخر الانتفاضات قبل ثورة نوفمبر وربما كانت مبشرة بها لأنها شملت نفس المنطقة الأوراس.
السبب الرئيسي لتلك الانتفاضة هو رفض قانون التجنيد العسكري وإرسال الشباب الجزائري للحرب في أوروبا ومع الاستعمار الفرنسي إبان الحرب العالمية الأولى أو الحرب الكبرى.
في بداية السبعينات زار الجزائر رئيس مجلس الوزراء السوري وكان اسمه عبد الرحمان خليفاوي، وكان لي حظ أن كلفتني جريدة «الشعب» بتغطية تلك الزيارة وكان حفل الاستقبال والغداء بقصر الأمم في نادي الصنوبر وما استدعى انتباهي وكل الزملاء آنذاك هو الاهتمام الذي أولته القيادة الجزائرية للحدث، فقد كان الرئيس بومدين رحمه الله شخصيا في مقدمة المهتمين بالضيف، وكانت العادة أن الرئيس بومدين يكلف وزير الخارجية حيث يتعلق الأمر بزيارات رؤساء الحكومات، بتنظيم حفل العشاء أو الغداء حسب البرنامج ويتبادل الكلمات مع الضيوف.
ذلك أن الرئيس بومدين كان رئيسا لمجلس الثورة وهو ما يعادل منصب رئيس الجمهورية أو رئيس الدولة ولا يستقبل إلا نظراءه...
وفي الغد ذهب عبد الرحمان خليفاوي إلى تيزي وزو وزار عين الحمام . وللعجب كان يتكلم القبائلية وكانت البلدة مسقط رأس أجداده ذلك ما اكتشفناه بعد ذلك، وذلك أيضا ما اكتشفناه عن سبب اهتمام الرئيس بومدين رحمه الله شخصيا بزيارة الضيف.
أنا هنا أتحدث عن أمة عريقة وعن دولة من مؤسسي جامعة الدول العربية ولعل الكثير يعرف أنه قبل مؤتمر الإسكندرية عام 1945 الذي يؤرخ على أنه المؤتمر التأسيسي للجامعة كان مؤتمر بلودان ذلك المصيف الرائع الذي يقع في ريف دمشق قرب الحدود اللبنانية سنة (1945)، وبعد ذلك كان مؤتمرالإسكندرية.
لقد رفضت الجزائر سنة 2011 إخراج سوريا من الجامعة العربية أو ما يسمى «الربيع العربي» الذي كان عرابه الصهيوني دافيد ليفي ورغم الضغوط كان موقف الجزائر ثابتا ولم تسحب سفيرها كما فعلت أغلب الدول العربية.
أنهي هذه العجالة بالتذكير أنه بعد اختطاف الطائرة الفرنسية من قبل الإرهابيين الذين كانت فرنسا متواطئة معهم. مارست فرنسا ضغوطا كبيرة على بلادنا واستطاعت أن تقنع كل العالم وكل شركات الطيران بحظر الرحلات إلى الجزائر بحجة أن مطاراتها غير آمنة وقاطعتنا كل الشركات الجوية العربية الجيران وغير الجيران..الشركة العربية الوحيدة التي كانت تسير رحلات إلى الجزائر ومن الجزائر هي الخطوط الجوية العربية السورية.
وبعد أعتقد أنه حديث ذو شجون بعيدا عن الاعتبارات السياسة، وبعيدا عن الحكم على هذا النظام أو ذاك فذلك أمر يهم أساسا كل شعب.
مســاهمات : مقالات لا تلزم إلا أصحـابها