رافعت عضو الهيئة الوطنية المستقلّة للانتخابات عن الجالية الوطنية بالخارج، الدكتورة سلوى بوشلاغم، لضرورة دسترة المجلس الوطني للجالية كواحد من الهيئات الاستشارية التي يتعين أن يتناولها الدستور الجديد المعروض للمناقشة والإثراء، كما تحدّثت المحامية ذات صفة المحكم الدولي في هذا الحوار الذي خصّت به جريدة «الشعب» عن بعض الملاحظات في عدة نقاط استرعت انتباهها، أثناء دراستها للمسودة.
- الشعب: تمّ طرح مسودة الدستور للنّقاش والإثراء في ظروف استثنائية صحيا واقتصاديا واجتماعيا، كيف ترين هذه المسألة؟
سلوى بوشلاغم: فعلا المسودة ظهرت في ظروف خاصة، لعلّ أبرز ما ميّزها الظرف الصحي الذي تمر به البلاد، كسائر بلدان العالم،إثر تفشي فيروس كوفيد 19، وآثاره على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، لكنّنا نقول وبكل إنصاف إنّ هذا مسار دولة ينبغي أن يستمر ويتواصل، وهذا إصلاح سياسي وقانوني ينبغي أن يجد طريقه.
إنّ الوثيقة الدستورية أهم حلقة في مسعى الإصلاحات، كما وعد بذلك الرئيس في حملته الانتخابية، وهي أول ورشة وجب فتحها تزامنت مع الظرف الخاص، نعم وبكل تأكيد، وحرمت الأطراف المعنية بالإثراء من أحزاب ونقابات ومنظمات وشخصيات أكاديمية من اللّقاءات المباشرة.
ولكن تقنية التحاضر عن بعد، وبحسب متابعاتي اليومية من ظهور الوثيقة، مكّنت هذه الأطراف من مباشرة عمليات الشرح والتحليل والإثراء، وتسجيل الملاحظات والمقترحات، ممّا فسح أمامها المجال في النهاية لرفع مساهماتها لمصالح رئاسة الجمهورية، والأعداد المصرّح بها رسميا تدل دلالة قاطعة على الهبة الجماعية، وعلى الاستنفار الواسع للقواعد الحزبية والنقابية والجمعوية والأسرة الأكاديمية في هذه العملية.
- ماهي الانطباعات الأولية التي تشكّلت لديك عند قراءة المسودة، وكذا النّقاط الايجابية والسّلبية المسجّلة؟
حملت مسودة تعديل الدستور عديد الأحكام الجديدة، خاصة فيما تعلق بالحقوق الأساسية والحريات العامة والواجبات، وهي موضوع الباب الثاني من المسودة، من خلال المواد من 34 إلى 87، حيث أنه واعتمادا على ما جاء في المذكرة التفسيرية المرفقة بالمشروع، تمت إضافة بعنوان «حقوق وحريات 23 حقا وحرية»، وهذه نقطة تكتب لصالح المشروع من باب تكريس جملة الحقوق والحريات الواردة في المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر.
كما تضمّن المشروع الإعلان عن تأسيس محكمة دستورية بدل المجلس الدستوري، وعهد للمحكمة الدستورية مراقبة التنظيمات إلى جانب القوانين والمعاهدات، وتم أيضا إلغاء التشريع بأوامر بين دورتي البرلمان، وكذلك دسترة بعض معايير الحكم الراشد ودسترة السلطة المستقلة للانتخابات والسلطة العليا للشفافية، والوقاية من الفساد ومكافحته.
أما عن الجوانب السّلبية في المسودة، نسجّل عدم الاشارة نهائيا في الديباجة للحراك الشعبي بالمسمى المعروف، وتم استخدام عبارة «الحركة الشّعبية...» الفقرة 2، الصفحة 4 من الديباجة.
كما تمّت الإشارة في الديباجة إلى أنّ الحركة الشعبية تطالب بتحولات اجتماعية، والحال والواقع أن الحراك لم يطالب فقط بتحولات اجتماعية، بل سياسية واقتصادية، كما طالب باستقلال القضاء والحد من نفوذ الإدارة وأخلقة الحياة العامة.
من جهة أخرى، لم يبرز في الديباجة ما يشير للجالية الجزائرية بالخارج كونها جزءا لا يتجزّأ من الداخل، إضافة إلى أنّه لم يتم تخصيص مجلس استشاري للجالية الجزائرية بالخارج، مع أن الامر مهم جدا، وهي ثغرة كبيرة في المسودة، وهو ما طالبنا به منذ مدة ليكون بمثابة قوة اقتراح،وجهازا استشاريا مساعدا للسلطات العمومية، يتولى دراسة وضعية الجالية في كل القارات، والاهتمام بمشاكلها وتقديم الحلول المناسبة لها.
يجدر التذكير أن تعداد الجالية ليس أقل من 8 ملايين، وجب أن يجمعهم ويتكفل بهم مجلس وطني، ونتمنى من لجنة الخبراء استدراك هذا النقص في المشروع، لأن الجالية جزء من الوطن تحمل همومه، تشاركه تطلّعاته، وتريد أن تقحم في كل عملية إصلاح سياسي، اقتصادي واجتماعي للبلاد.
صحيح أنّ السلطات العمومية قد خصّصت منصبا في الحكومة يتعلق بالجالية، وهذا أمر يكتب في سجلّها، وخصّصت مقاعد في البرلمان للجالية، ولكن هذا لا يكفي، ونطالب باستحداث المجلس الوطني للجالية ليكون فضاءً استشاريا وجهازا مساعدا للحكومة في الاهتمام بقضايا الجالية من تنفيذ أحكام، نقل أموال، نقل جثامين، حقوق مواطنة وتحويل أموال..
- هل من ملاحظات أخرى استرعت الإنتباه أثناء قراءة المسودة؟
نعم قد استرعت انتباهي في المسودة أخطاء نحوية وإملائية، كما لاحظت أن هناك تقديم وتأخير، وكذا هناك توظيف سيّء لبعض المصطلحات، منها مصطلح العدالة الذي ورد في المسودة بدل السلطة القضائية، وهناك غموض يتجلى أساسا في المادة ومفهوم القانون الخاص للبلديات.
كما لاحظت أنّه تمّ تقسيم الباب المتعلق بالسلطات إلى أربعة فصول، رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، البرلمان والعدالة، والحال أنّ المعمول به في غالبية الدساتير هو التقسيم الثلاثي المعروف بالسلطة التنفيذية، السلطة التشريعية والسلطة القضائية، كما هناك خطأ في هيكلة بعض المواد، مثلا المواد من 112 إلى 118 تتحدث عن الطوارئ والحصار والحالة الاستثنائية والحرب، وتوقيف العمل بالدستور في فترة الحرب.
وهذه كلّها اختصاصات رئيس الجمهورية، والدليل جاءت كلّها بعبارة «يقرّر أي رئيس الجمهورية»، وبكل أسف وردت تحت عنوان الفصل الثاني «الحكومة»، فلا علاقة للحكومة بهذه الصلاحيات، بل تقتصر على رئيس الجمهورية.
كما يجدر التذكير بأنه لم يتم التصريح بالطبيعة القانونية للمحكمة الدستورية، إضافة إلى إرسال وحدات الجيش الوطني الشعبي للخارج،وهي نقطة تحتاج إلى ضبط، بتحديد مجال المهمة وموضوعها.
- وماذا عن منصب نائب الرّئيس وكذا السّلطة القضائية؟
قضية منصب نائب رئيس الجمهورية طرحت إشكالا، يتمثل في المغزى من ظهوره أصلا في المسودة؟ خاصة وأنّه يفتقد للشّرعية الشّعبية، ومن المحتمل في فترة الشغور أن يتولى رئاسة الدولة ولمدة طويلة.
وعن السّلطة القضائية في المسودة، فإنّ بعض الملاحظات يمكن ذكرها في هذا الصدد، مثلا لم تتم دسترة مبدأ التقاضي على درجتين في جميع المنازعات، واقتصرت المسودة على المنازعات الجزائية والمدنية، في حين لم تتم دسترة المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية، واستعملت المسودة مصطلح الجهات القضائية الإدارية.
كما تتعين الإشارة إلى حصص جهات القضاءين العادي والإداري بالانتخاب في المجلس الأعلى للقضاء، فأرى أنّها غير متوازنة، حيث حظي القضاء العادي بـ 09 مقاعد داخل المجلس الأعلى للقضاء، بينما حظي القضاء الاداري بـ06 مقاعد.