شمل التعديل الحكومي الذي أجراه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عدة تغييرات في حقائب وزارية تعنى بالقطاع الاقتصادي، ويمكن إدراجها في إطار الرؤية المنتهجة والإرادة القائمة لتفعيل الإصلاحات الاقتصادية بشكل جذري، والاستغلال الأمثل للموارد الوطنية، في ظل الجهود المبذولة لتجاوز الظرف الصعب الناجم عن الأزمتين الصحية والنفطية، تعديل ينتظر منه أن يجسد على أرض الواقع وبفعالية خطط تسريع وتيرة التنمية في عدة قطاعات حيوية يراهن عليها في خلق الثروة واستحداث القيمة المضافة على غرار الفلاحة والسياحة والنقل والمناجم.
كل المقدرات متوفرة وجميع الإمكانيات والطاقات باتت تنتظر التحريك والاستغلال، ولعل كل ذلك يتوقف على كفاءة التسيير، ودقة التخطيط، وجدية العمل، وشفافية القوانين، ويأتي التعديل الحكومي الذي تزامن مع بدء الفتح التدريجي للاقتصاد الوطني وعودة النشاط التجاري الداخلي، لاستدراك التأخر في مسار النمو وخارطة الإصلاحات التي يحتاجها قطاع المالية والتي تتطلب ثورة رقمية وتغييرا جذريا من خلال التحكم في التكنولوجيا الحديثة، وتوسيع نطاق الدفع الإلكتروني خاصة عن طريق «الهاتف النقال». قطاع المالية يحتل الصدارة في رؤية الإصلاحات القائمة ليكون رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني، وحاضنة تدعم الاستثمار وتحسن من مناخه.
ومن الحلول المتاحة، امتلاك الجزائر لموارد باطنية منجمية مغرية، على خلفية أنها بلد منجمي وغازي أكثر منها بترولي، بالنظر إلى ثرائها ومازالت هذه المناجم تتطلب مشاريع كبيرة وواعدة ومنتجة للثروة، وقد جاء فصل قطاع المناجم عن الطاقة، لتكون للمناجم هيكلا خاصا يستعيد به حركيته، ويحظى باهتمام وترقية أكبر على ضوء بناء صناعة ضخمة. وحظي قطاعا النقل والأشغال العمومية بالفصل أي استقلال عن بعضهما بهدف تطوير النشاطين، خاصة أن الجزائر تحضر لاقتحام مجال التصدير والتواجد في الأسواق الإفريقية والعربية كمرحلة أولى. وتوجد الفلاحة في قلب تحديات النمو، باعتبارها المحرك القوي لخلق الثروة خارج قطاع المحروقات، وتحتاج إلى مواصلة استصلاح الأراضي وتسخير المخابر العلمية للوصول إلى إنتاج يغطي الطلب الوطني ويصدر منه نحو الخارج لأن جودته رفيعة ومطلوبة في أوروبا وإفريقيا وفي الأسواق العربية. ومازال قطاع السياحة لم يقلع بالشكل الذي يعكس ثروته المتنوعة، حيث مازال هاجس وفرة الهياكل، وجودة الخدمات يمثل حجر عثرة في مسار ترقيته، ليكون مصدرا رئيسيا لاستحداث القيمة المضافة.
لذلك تحديات المرحلة المقبلة تحت المجهر ويكتسي التغيير في منظومة الأداء أهمية كبيرة لتجاوز الظرف الصعب في ظل الأزمة النفطية التي أدت إلى انهيار أسعار النفط خلال شهر أفريل الماضي، وخلفت هذه الأزمة العديد من الآثار السلبية على المديين القريب والمتوسط، حيث يتوقع أن تنكمش الصادرات النفطية لعام 2020 إلى حدود 7.5 بالمائة، مع انخفاض مداخيل الجزائر في قطاع النفط من 37.4 مليار دولار إلى 20.6 مليار دولار.