تشجيـع الحركة الجمعويــــة وتمكينهـا من اقـتراح مشاريـع قـوانين
كشفت حريشان في لقائها مع «الشعب» عن التّحفّظات والمقترحات التي قدّمتها الجمعية الى لجنة إثراء وتعديل الدستور، في صورة مذكرة جمعت زبدة ما وصلت إليه ندوات النقاش بغية الوصول الى دستور توافقي يستجيب لتطلعات الشعب الجزائري، تكون فيه الأسرة الورقة «الجوكر» في مشروع بناء جمهورية جديدة ينعم فيها الجميع بالاستقرار والرفاه الاجتماعي.
- الشعب: كيف تقيّمون مسودة تعديل الدستور؟
عقيلة حريشان: بمجرّد تلقّيها نسخة عن مسودة الدستور، قامت جمعية «حورية» بفتح ندوات نقاش مع أساتذة ومختصّين وحقوقيّين وجمعيات وهيئات، تناولوا من خلالها موضوع الأسرة في مسودة الدستور عن طريق التحاضر عن بعد بسبب الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي.
الإفراج عن المسودة حتّم علينا كفاعلين في المجتمع أن يكون لنا رأي يتناول هذه القضية، لما لها من أهمية وما يكتسي الدستور من أهمية بالغة، على اعتبار أنه أسمى مصدر لكل التشريعات في الجزائر، بل هو الإطار المرجعي الذي تعتمده لسن القوانين من أجل حماية الحريات الفردية والجماعية والمصالح العليا للبلاد.
ويأتي النقاش حول مسودة الدستور بعد أن عاشت الجزائر حراكا شعبيا عبّر فيه الجزائريون بكل أطيافهم عن آمالهم وطموحاتهم للتغيير والرقي، وكان من مخرجات هذا الحراك التطلع الى الحريات العامة وإلى المزيد من المكاسب للفرد والمجتمع.
ونرى مشاركتنا كجمعية نسوية مهتمة بقضايا المرأة والأسرة في إثراء المسودة وكل ما يحوم حولها من قوانين ومن تشريعات، استجابة لمراسلة رئاسة الجمهورية جاء فيها «بمساهماتكم (يقصد المجتمع المدني)» البنّاءة في تعديل ما يجب تعديله وحذف ما يجب حذفه، وإضافة ما يمكن إضافته ستتحقّق الغاية الأسمى في تزويد الأمة بدستور توافقي يستجيب لتطلّعات الشعب وتعبيد الطريق أمام جمهورية جديدة ينعم الجميع فيها بالأمن والرفاه الاجتماعي»، وفي سياق هذه التوجيهات تأتي هذه الندوات التي أفرزت عن مذكرة جمعت التّحفظات والمقترحات التي قدمتها الجمعية إلى لجنة إثراء وتعديل الدستور.
تفاصيل تخص الأسرة
- ما أهم ملاحظة استوقفتكم خلال مناقشة الوثيقة؟
لعل أهمّها التفاصيل التي خُصّت بها الأسرة في المسودة لأن محلّها ليس الدستور بل القوانين التطبيقية والإجرائية كقانون الأسرة، قانون العقوبات، فعند تناول المادة 40 مثلا المتعلقة بمحاربة كل اشكال العنف ضد المرأة في كل زمان وكل مكان، لا حاجة الى وضعها في الدستور لأن مهمته هي وضع المبادئ الكبرى لنظام الدولة، والتفاصيل تهتم بها القوانين، وبالتالي دسترة التفاصيل سيحيل إلى تأويلات نحن في غنى عنها.
وكمثال على ذلك إطلاق كلمة «عنف» دون تخصيص يحمل الكثير من التأويلات، فمفهوم العنف في مواثيق الأمم المتحدة ليس جسديا أو لفظيا فقط، بل هناك أيضا العنف الاقتصادي الذي يعتبر الميراث احد اشكاله الممارس ضد المرأة، ونحن نعلم أنّ البند الثاني من اتفاقية «سيباو» تنص على رفع كل ما يميز المرأة عن الرجل بما في ذلك الأعراف والتشريعات المحلية وهنا يقصدون الديانات والأعراف الشعبية، لماذا نخصّص المرأة فقط بهذا التفصيل؟ لماذا لا نتحدث أيضا في الدستور عن العنف ضد الأصول، ضد ذوي الاحتياجات الخاصة أو ضد القصر؟
- ما سبب التّحفظ على كلمة «تام» فيما يتعلّق بالاتّفاقيات الدولية التي جاءت في الدّيباجة؟
ورد في ديباجة مسودة تعديل الدستور في الفقرة 15 «يعبّر الشعب الجزائري عن تمسّكه التام بحقوق الانسان والشعوب...والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي للحقوق المدنية...»، كلمة «تام» هنا تتعارض مع التحفظات التي قدّمتها الجزائر على الاتفاقيات الدولية من قبل، بل تعتبر مبرّرا لرفعها رغم تمسّكها بها، والإبقاء عليها سيلقي بظلاله على القوانين الوطنية التي من بينها قانون الأسرة، حيث تصبح بعض المواد مستهدفة مباشرة.
نحن نتطلّع لدستور يسمو على كل القوانين والاتفاقيات، لا نريد أن تكون الاتفاقيات الدولية هي المظلّة التي يرجع اليها المشرّع الجزائري عند وضعه للتشريعات، فإدراج إضافات تتضمن الالتزام بمرجعية المواثيق الدولية والتقيّد المفرط بها، يمس بمبدأ السيادة في التشريع وسمو الدستور على غيره من النصوص القانونية.
لذلك نقترح إدراج مسألة التأكيد على عدم مساس الاتفاقيات الدولية بالثوابت الدينية والوطنية وحذف كلمة «التام» الواردة في الفقرة 15 من الديباجة، والتخفيف من التركيز على المواثيق الدولية واحترامها أي الإبقاء على التحفظات التي أبدتها الجزائر تجاهها خاصة ما تعلق بالمرأة والأسرة.
- اعتبرتم أنّ إسقاط كلمة «مجتمع» من حماية الأسرة ضربا لاستقرارها، كيف ذلك؟
أسقطت كلمة «مجتمع» الموجودة في الدستور القديم الذي ينص على أن «الأسرة تحظى بحماية الدولة والمجتمع» في المادة 74 من مسودة الدستور، ونحن نقترح الإبقاء عليها في الدستور الجديد لما لها من أهمية ودلالات وأبعاد اجتماعية مهمة جدا.
فعندما نقول إن المجتمع معني بحماية الأسرة، فهذا يعني أن الجميع معني وليس الدولة فقط، مثلا المجتمع المدني من حقه التدخل في حماية الأسرة، الإعلام، الجامعة، المنظومة التربوية كلها تساهم في حمايتها، كما أنه ليس دورا منوطا بالدولة فقط، بل يجب أن يشارك فيه الجميع. ففصل الأسرة عن المجتمع قد يحدث فجوة بين الدولة والأسرة ما يعرض الطرفين الى العزلة والى التأثيرات الخارجية، فالدولة والمجتمع والأسرة وحدة واحدة لا تقبل القسمة.
وتوسّعت المادة 74 أيضا في الحديث عن الطفولة في النقاط 3 – 4 جاء فيها مراعاة المصلحة العليا للطفل، مع إسقاط كلمة «مجتمع» كذلك في حماية الطفل، وهذا أمر خطير لأن المجتمع له دور أيضا في حماية هذه الفئة، كما وضعنا نقطة استفهام على كلمة «المصلحة العليا» للطفل، ففي الفقرة نجد أن «الدولة تحمي الطفل مع مراعاة المصلحة العليا للطفل».
وعندما نقول المصلحة العليا للطفل، نراعي مصلحة الطفل مع مصلحة الأسرة أيضا، هناك فقرات تحمل في طيّاتها تأويلات تحيلنا إلى قضايا أخرى نحن نراها لا تخدم الأسرة، وفي نفس السياق نقترح إضافة كلمة «مجتمع» في حماية الطّفولة وحذف المطّة 4 لأن محلّها القانون.
- قلتم إنّ دسترة مكافحة العنف ضد المرأة يتعارض ومبدأ الصّفح، كيف ذلك؟
أولا نحن مع تجريم العنف ضد المرأة وندعّمه، لكن مبدأ الصّفح عند الأسرة الذي أقرّه القانون إذا أبقى الدستور الجديد على محاربة العنف ضد المرأة سيتعارض معه، فحماية المرأة من كل أشكال العنف كرّسها المشرّع بمواد معدّلة صادق عليها في 2015 تنص على تجريم كل أشكال العنف ضد المرأة ومتابعة كل من تسول له نفسه سواء كان زوجا، أو أخا أو أي شخص تعرض لها بالتعنيف.
لذلك نقترح حذفها على اعتبار وجود توجه في إسقاط الصفح الذي يسقط كل الإجراءات، وهو تشجيع للمرأة للمضي في التبليغ ورفع الدعوى القضائية، ما يؤدي أكثر الى فك الرابطة الزوجية عوض تعزيز إجراءات الصلح والوساطة. كما نقترح إضافة بند لهذه المادة ينص على دسترة حماية النساء ضحايا الطلاق بما يضمن لهن النفقة والإيواء لهن ولأطفالهن.
- ماذا عن الفئات الهشّة من المجتمع كالمسنّين وذوي الاحتياجات الخاصّة؟
تنص المادة 76 على استفادة المسنين من الحقوق المعترف بها لكل مواطن، نقترح في هذا الشأن إضافة الحصول على الحد الأدنى من الدخل في حالة المرض المزمن أو العجز عن العمل أو فقدان الدعم العائلي، والملاحظ أن المسودة أسقطت حماية المسنّين التي تنص عليها المادة 72 من الدستور الحالي.
كذلك تحدّثت المسودة عن الفئات المحرومة ذات الاحتياجات الخاصة بدل الفئات الضعيفة ذات الاحتياجات الخاصة، وفي اعتقادنا أنّ تغيير المصطلح من «ضعيفة» إلى «محرومة» هو تقليص لاستفادة المعاقين بصفة عامة من الحقوق الى المحرومين منهم فقط، وهو تمييز ينبغي حذفه من مسودة الدستور مع الإبقاء على مصطلح الفئات الضعيفة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكمثال عن هذا من يتكفّل بالمرأة التي لا تملك دخلا ولم تتزوج ومات والداها، لا يمكن تصنيفها في خانة المسنين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ونحن نعلم ان حالات العنوسة في ارتفاع، لذلك يجب تعميم الحماية للفئات الضعيفة.
ومن بين المقترحات المقدمة في هذا الشأن، أن تضمن الدولة حماية الفئات المحرومة وذوي الاحتياجات الخاصة من المسنين والأيتام والأرامل وفاقدي السند العائلي والعيش الكريم، مع اقتراح الأساتذة أن تكون شاملة دون إقصاء أي أحد من الفئات الهشّة التي هي جزء من الأسرة وأحد مكوّناتها.
كما نقترح إضافة مادة جديدة تنص على أن القانون يعاقب كل أشكال العنف ضد المرأة والطفولة والمسنّين، كما طالبنا بدسترة هيئة رسمية لدى رئاسة الجمهورية هي المجلس الأعلى للأسرة والطفولة، فكيف نجد مجلسا أعلى للشباب، للمحاسبة، مجلسا إسلاميا أعلى، ولا نجد بينهم مجلسا اعلى للأسرة وهي المكون الأساسي للمجتمع وعماده؟ واقترحنا تجميع المواد المتعلقة بحقوق الأسرة وأفرادها بشكل شامل دون تبعيضها أو تجزئتها في مواد متناثرة على نحو يحفظ الأسرة بمفهومها الواسع.
- لديكم أيضا تحفّظ على المادّة 68 التي تنص على حياد المنظومة التّربوية، لماذا؟
أولا تستمد المنظومة التربوية أهميتها بالنسبة للأسرة من كونها المكوِّن الاول للزوج والزوجة، اللذين هما أساس الأسرة في المجتمع، والمادة 68 التي تنص على حياد المنظومة التربوية لا تأخذ بعين الاعتبار أن الكثير من المشاكل الاسرية وعوامل التفكك الاسري يمكن معالجتها من خلال دمج بعض المواد في المنظومة التربوية التي تكوِّن الفرد.
فهذا الشاب الذي يمارس العنف وهذا الرجل الذي يستهتر بالأسرة، وهذه الفتاة التي لا تولي أي اهتمام للروابط الزوجية لا يتحمّلون مهامهم الاسرية والاجتماعية، لذلك نحن نطالب بتطعيم المنظومة التربوية بمواد تؤهّل الشباب لتحمل مسؤولياتهم اتجاه المجتمع الذي يعيشون فيه، ابتداءً من التربية الأخلاقية في الابتدائي الى التربية الاسرية في المتوسط وصولا الى التربية والتأهيل في الجامعي، بصراحة كلمة «حياد» هي كلمة «ملغّمة» تحمل الكثير من التأويلات.
نحن مع حياد المنظومة التربوية سياسيا لكن في المقابل مع دورها في تكوين الناشئة، يجب تربيتهم على ما يقوّي فيهم القيم والهوية، وما يعزّز لديهم امتداداتها (الهوية) التاريخية والثورية، لا نريد للمنظومة التربوية أن تنشئ جيلا لا لون ولا رائحة له، لذلك اقترحنا إعادة صياغة المادة بما يكفل للأسرة تماسكها ودوامها، حيث أن حياد المدرسة يجعلها عرضة لمختلف الثقافات والعولمة، ويضرب الخصوصية الثقافية والثوابت الوطنية.
- وبالنّسبة للمادّة 178، ما تعليقكم؟
تنص المادة 178 على أنّه «يلتزم القاضي بتطبيق المعاهدات المصادق عليها وقوانين الجمهورية وكذا قرارات المحكمة الدستورية»، الجديد في المسودة هو أنّ القاضي ملزم بالرجوع الى الاتفاقيات الدولية أثناء تأديته لوظيفته، كما نصّت على أنّ المحكمة الدستورية تفصل بقرار في دستورية المعاهدات، وتفصل أيضا بقرار في مدى توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات.
بمعنى إخضاع التشريع الجزائري عموديا إلى مضامين الاتفاقيات الدولية، التي وجدت لتنظيم العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولي، ولا يمكن دسترة الزامية هذه المواثيق والمعاهدات حتى نتمكّن من المحافظة على الهوية الجزائرية، الكل يعلم أنّ في الكثير من القضايا عندما لا يجد القاضي الحل في القانون الوضعي يرجع إلى التشريع الإسلامي، لأنّنا كما قلنا سابقا كبلد لدينا تحفّظات على بعض بنود هذه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
- قلتم إنّ المجتمع المدني يجب أن يرتقي إلى الشّراكة، كيف ذلك؟
نثمّن ما جاء في مسودة الدستور فيما يتعلق بالتأسيس عن طريق الاخطار، وحلها بحكم قضائي بدل الإداري، ونطالب بمنح المجتمع المدني مزيد من حرية التحرك للجمعيات الحقيقية والفاعلة، فقد عرّت جائحة كوفيد 19 الواقع، وكشفت الكثير من الجمعيات التي لها أسماء كبيرة لكنها لم تؤد الدور المنوط بها تجاه الدولة والمجتمع في الأزمات، لذلك نريد من الدولة النظر في خارطة الجمعيات الموجودة بمتابعة حقيقية لنشاطها، واقترحنا في هذا المجال منح المجتمع المدني حق الاخطار في كل ما يمس المجتمع.
كما نطمح الى أن يكون المجتمع المدني شريكا في وضع السياسات والاستراتيجيات الموجّهة لتنمية وترقية المجتمع خاصة في السياسات المحلية، حتى لا يبقى متفرّجا فقط يؤتى به في الحفلات والتكريمات، نحن كمجتمع مدني وكجمعية وطنية نسوية، نتمنى أن نشارك في وضع برامج لترقية المرأة، ليس إلغاءً لدور الدولة بل لأنّنا الأقرب الى معاناة هذه الفئة.
نتمنى أن تستشير البلدية عند شق طريق ما المجتمع المدني لأنّ الطريق بحاجة إلى دراسة اجتماعية لحياة البشر كيف يعيشون ويتنقّلون، حتى نخرج المجتمع المدني من صفة الاستهلاكية الى الشراكة والارتقاء في عملها الجمعوي.
واقترحنا في ذات السياق، الإبقاء على فقرة «تشجيع الدولة لازدهار الحركة الجمعوية»، التي أسقطت من الدستور الساري المفعول، وكذا تمكين الجمعيات من اقتراح مشاريع قوانين في مجال تخصصها.