طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تستطلع واقع شعبة الدواجن في ظل كورونا

مطالب بإعداد دراسة اقتصادية إستراتيجية

استطلاع: وهران: براهمية مسعودة

  انتاج الغذاء الدواء والبيطرة أهم عوامل الانتاج


لا تزال شعبة «تربية الداوجن» ذات الأهمية البالغة، تعاني على مختلف المستويات والأصعدة، لعدّة أسباب متداخلة، يتحمل تبعاتها الاقتصاد والمستثمر والمستهلك على حد سواء خاصة في ظل التأثيرات التي أفرزتها الجائحة الصحية كوفيد- 19 سواء على الانتاح أو الاسعار، وسط مطالب متجدّدة بتكاثف الجهود لتنظيم القطاع ووضع حد لفوضوية الممارسة، وهو ما تطرقت إليه «الشعب» في استطلاع، رصدت فيه آراء ومقترحات خبراء ومختصين  في المجال.
جاءت هذه الوضعية على خلفية «التذبذب «الذي شهدته أسواق «اللحوم البيضاء « منذ بداية أزمة «كورونا»، حيث انخفضت الأسعار إلى مستويات قياسية، أعقبها زيادة غير مسبوقة على مدى الأيام الأخيرة، تراوحت ما بين 100 و110 دج للكيلوغرام الواحد،  بعدما كان سعر هذه المادة يرتفع  تدريجيا ولأسباب معينة،  وهو ما أحدث حالة من الحيرة والتساؤل.

التنظيم  يبدأ من «الصيصان»

وعلى ضوء ذلك، أكّد «كريوة قويدر»، الأمين العام للمجلس المهني المشترك لشعبة  الدواجن بولاية وهران، أنّه «من المستحيل أن  تنخفض أسعار اللحوم البيضاء إلى 200 دج»، موضحا أنّ الدجاج الحي يكّلف المربي من 160 إلى 180 دج، و28 بالمائة منه عبارة عن  المخلفات المكونة من الريش والأحشاء غير الصالحة للاستهلاك، لتبلغ التكلفة زهاء 250 دج.
وأوضح «كريوة» أن تنظيم شعبة الدواجن، متشعبة، تتضمن  عدة أطراف متدخلة على مستويات إنتاج الغذاء والدواء والبيطرة وغيرها، معتبرا أنّ» المشكلة الحقيقية،  هي عدم التمكّن من التحكم في الإنتاج.».
وهنا أشار  إلى مقترح المجلس المهني المشترك لشعبة الدواجن، الخاص بإعداد دفتر شروط،  يضبط  استيراد الصيصان على المستوى الوطني، لاسيما وأنّ الجزائر، تتوفّر فقط على منتجين اثنين للدجاج اللاحم، يمونان السوق الوطنية بنسبة تناهز 50 بالمائة، والباقي يوفّر عن طريق الاستيراد.
واعتبر نفس المتحدث أنّ «تنظيم السوق، يبدأ من المنبع انتاج «الصيصان»، مرورا بتسهيل الإجراءات والشروط التي تسمح  للمربين الناشطين في السوق الموازية من الانخراط في نشاط تربية الدواجن بصفة رسمية، سيما وأنّ عددهم يفوق 80 بالمائة بمختلف ولايات الوطن، فيما تحصي وهران لوحدها 500 مربي.».
واستنادا إلى الإحصائيات الصادرة عن  المجلس المهني المشترك، تستورد الجزائر من 700 إلى 800 ألف دجاجة أم في الشهر، مما يؤدي إلى الوفرة وانخفاض الأسعار، ويتسبب من ناحية أخرى في خسارة كبيرة للمربّين، الذين يختار أغلبهم اعتزال المهنة، ومن ثم ينقص الإنتاج ويقل العرض وترتفع الأسعار مرّة أخرى.
كما أظهرت الإحصائيات الوطنية الخاصة بالأمهات المنتجة للبيض «الكتكوت»، أنّ الإنتاج المحلي لا يتعدى 3 ملايين دجاجة أم، فيما يتراوح المعدل المطلوب من 5 ملايين إلى 6 ملايين سنويا، وهو ما يستدعي استيراد من 2 إلى 3 ملايين في السنة، ومن 200 إلى 300 دجاجة أم شهريا، لتغطية العجز.

 بين المستهلك والفلاح  معادلة صعبة

بدوره، أكّد عابد فاتح، عضو مجلس إدارة الغرفة الفلاحية لولاية وهران، والخبير في الاقتصاد الريفي، أن شعبة تربية الدواجن،  تعاني مشاكل واختلالات عميقة، مما يفرض اعتماد مقاربات معينة من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة بأفضل كفاءة ممكنة .
وأوضح أنّ الأسعار  المتداولة حاليا بسوق اللحوم البيضاء «مقبولة» بالمقارنة مع حالة الطوارئ الصحية التي تعيشها الجزائر، وما واكبها من إجراءات مفاجئة، كإغلاق المطاعم ومحلات الأكل السريع  والمؤسسات الجامعية والمدارس وغيرها من التجمعات التي تستهلك النسبة الكبيرة من لحوم الدجاج، مع استمرار القيود التي تفرضها متطلبات وتكاليف الإنتاج التي تعتبر  متغيرة،  تتحكم فيها الأسواق الخارجية، ما ثر سلبا على المربين، على حد تعبيره.

توقع ارتفاع العرض في الدورة الجديدة

ومن جهة أخرى، توقع عابد فاتح أن تشهد الأسواق المحلية تحسنا في العرض، بعدما تخلّص المربين من  حالة الخوف والقلق من احتمال إيقاف استيراد الأعلاف والأدوية ومختلف المواد الأخرى التي تدخل في تربية الدواجن، ناهيك عن انخفاض دخل الأسر وتراجع الطلب، جراء إيقاف الأنشطة التجارية لمواجهة «كورونا»، ومن بينها مصادر الطلب على اللحوم، ما أدى إلى تراجع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، أحدثت - حسبه دائما- خسائر مادية كبيرة للفلاح ودفعت الكثير منهم لاعتزال المهنة،  لترتفع المؤشرات من جديد.
 وعاد الخبير ليذكر بالانخفاض التاريخي  في أسعار هذه المادة، قبل نحو أربعة أشهر، والذي أدخل الفلاحين في أزمة خانقة، قبل أن ترتفع المؤشرات مرّة  أخرى، وسط تصاعد  شكاوي المستهلكين، وأضاف» ان هذه هي المعادلة الصعبة التي يعانيها القطاع على صعيد طبيعة العلاقة بين الفلاحين والبائعين، وصولا إلى المستهلك...».
واعتبر أن الموازنة بين المستهلك والفلاح،  معادلة تجارية صعبة، منوها في هذا الصدد إلى القضية التي شغلت الرأي العام السنة المنصرمة،  وأثارت جدلا واسعا، أثر سلبا على سمعة القطاع، وذلك جراء وفاة مواطنين من الجلفة بسبب تناول كبد دجاج فاسد، موضحا أنهم كمهنيين اعتبروها مسألة، يتحمل تداعياتها المستهلك...»
وتابع قائلا:  «أنا لا ألوم المستهلك ومطالبته بأسعار منخفضة على طول العام  للحفاظ على القدرة الشرائية والاستفادة من  البروتين الحيواني وخاصة الذي مصدره اللحوم البيضاء، باعتباره المادة الوحيدة المتاحة في ظل ارتفاع أسعار الأسماك  واللحوم الحمراء، لكن بالمقابل هناك  فئة أخرى من المربين يتحملون الخسائر ، وهو ما لا نتقبله إطلاقا..»

دفتر شروط جديد هام حالة انفتاح على السوق الخارجي

من جانب آخر، اعتبر أن» دفتر الشروط المتعلق بتنظيم استيراد الصيصان وأمهات الدواجن اللاحمة،  ما هو إلا عامل من العوامل الكاملة المحيطة بمجريات العمليات الاقتصادية ولمجمل النشاط»، كما أوضح أنّ دفتر الأعباء من الناحية النظرية هام،
في حالة انفتاح القطاع على السوق الخارجي، مؤكدا مرة أخرى على ضرورة تكثيف الجهود متعددة الأطراف بغية التصدي للتحديات  وتحقيق الأهداف المتعلقة  بتنظيم الإنتاج وضبط احتياجات السوق الحقيقية في المناسبات والأيام العادية.
وفي هذا الصد، أكد  عابد على ضرورة إعطاء أهمية للاستثمار  في مجال التصدير، مستدلا بعديد الدول العربية التي تتميز بنفس المعطيات الجزائرية،  بما فيها استيراد الأعلاف والأدوية، إلا أنها  بالمقابل تصدر منتوجاتها من اللحوم البيضاء إلى الخارج، ولاسيما إلى الدول الإفريقية، على غرار مالي والسنغال التي لا يقل ثمن الكيلوغرام الواحد بأسواقها عن 3 أورو ، وهو ما يقابله  450 دج، كما نوّه إلى أنّ أوربا تحصي أكثر من 6 ملايين جزائري يأكلون الحلال، ولا يوجد مصدر واحد للحوم الدواجن من الجزائر كما قال.
واستنادا إلى نفس المصدر»لا يتحقق ذلك إلا من خلال صياغة خطة عميقة على المدنيين المتوسط والبعيد، تقوم على  تعزيز القدرات من الأعلاف والأدوية ومختلف العوامل المحيطة بالقطاع،  مرورا بانفتاح السوق واستغلال الكفاءات في الجزائر في كيفيات التصدير والبحث عن الأسواق المستهدفة، وغيرها من الضروريات الأخرى، ومنها توفير البدائل البروتينية الحيوانية من اللحوم الحمراء والأسماك، وجعلها تتناسب مع جيوب المواطنين لكسر الاحتكار...».
 ثلاث مقاربات لتنظيم القطاع
وعقّب قائلا: «إذا أردنا تنظيم أي سوق في المجال الفلاحي، لابد أن نحيط هذا الإنتاج بمقاربات معينة تنسحب على جميع المواد الفلاحية، ومنها لحوم الدواجن  التي يعتمد إنتاجها على مدخلات مستوردة بنسبة تفوق الـ 80 بالمائة، لاسيما «الصوجا» و»الذرة»، اللذين تعتبران مادتين رئيسيتين في إنتاج تغذية الدجاج وتشكلان 80 بالمائة .
 واعتبر أنّ، «شعبة تربية الدواجن تخضع لثلاث مقاربات أساسية،  يتطلب تنظيمها جهود كبيرة على المدى الطويل، ويأتي على رأسها  المقاربة الاقتصادية بما فيها المدخلات والكتكتوت وكيفية التربية والتي تدخل في السياق العام الاقتصادي للوطن،  إضافة إلى المقاربة المهنية، والمتعلقة بسبل تنظيم هذه المهمنة، كعامل آخر مساعد على استقرار السوق...»
وهنا أشار نفس المصدر بأنّ التذبذب  النسبي للأسعار  لا يؤثر على المواطن، ولا علاقة له بالاقتصاد، وإنما غير صحي  بالنسبة للاقتصاد،  فيما يكمن المشكل _حسبه دائما_ في حال بلوغ الأسعار الحد الأدنى للانخفاض أو الحد الأقصى للارتفاع، ليتطرق بعدها  إلى «المقاربة الصحية» وضرورة مراعاة كامل الشروط الصحية بالنسبة لأي مادة فلاحية واسعة الاستهلاك، لإضافة قيمة مضافة للسعر المرجعي.
وعاد  الخبير في الاقتصاد الريفي  وعضو الغرفة الفلاحية ليوضح بخصوص مطلب تنظيم وضبط السوق، مؤكّدا أنّه  يتطلب رؤية استراتجية  لفترة خمس إلى عشر سنوات،  بقدر ما يستوفى الإطار القانوني الشروط اللازمة لتسيير الميدان، انطلاقا من عملية حصر وجرد الناشطين في الميدان بالموازاة مع تعزيز ﺑراﻣﺞ اﻟﺗﻛوﻳن واﻟﺗﺄﻫﻳﻝ وتدريب المهنيين بشكل مستمرّ لتحسين الجودة والإنتاجيّة، ممّا يمكّنهم من  الإبداع والتجديد في ظل منهج الجودة والنوعية، ومن ثمة وضع دفتر شروط  «لتطهير» القطاع مما وصفهم بالدخلاء على المهنة والسماسرة.
ويرى محدثنا أنّ «تنظيم السوق المختلفة، لا يتحقق  بضبط الإنتاج،  من منطلق أنّ السوق يضبط نفسه بنفسه في حالة تحقيق إنتاج وفير ذو جودة ونوعية –وهذا ما يخصنا على نحو أهم– في المجال الفلاحي عامّة»،  وبحسب رأيه فإنّ» الوفرة في الإنتاج والتنويع في تربية سلالات وأنواع الدجاج، هي التي تضبط السوق وتفتح المجال واسعا للإبداع.
وأكّد في الختام على أهمية تطبيق دراسة اقتصادية استراتيجية، تشمل جميع المتدخلين من المستورد إلى المستهلك، قائلا:  «حينها فقط يمكننا الحديث عن مراقبة الإنتاج  وتفعيل نظم المتابعة»، مشيرا في الوقت نفسه إلى المطالب التي رفعتها المجالس المهنية إلى الوزارة السابقة بتنظيم  القيمة المضافة للمدخلات التي تعود بالنفع على المستهلك.
وبين هذا وذاك، تظل اللحوم البيضاء ومنتجات الدواجن، المصدر الوحيد للبروتين الحيواني، وعديد العناصر الغذائية الأخرى التي يصعب تواجدها في مصادر البروتين النباتي،  وسط ارتفاع فاحش في أسعار  الأسماك واللحوم الحمراء  التي  تواجه نفس الظروف، إلا أنّ النقاش ينصب عادة في زوايا ضيقة، ترتكز أساسا على شعبة تربية الدواجن.