طباعة هذه الصفحة

الأستاذ محمد عمرون والاحتجاجات الأمريكية

كورونا والعنصرية يهدّدان حظوظ ترامب في ولاية ثـانيــة

حاورته : فضيلة دفوس

تقف «الشعب» في حوارها مع السيد محمّد عمرون أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تيزي وزوعند الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية ضد العنصرية وعنف الشرطة الذي يطال المواطنين من أصول أفريقية، لتبحث معه عن أسباب وتداعيات هذه الاحتجاجات وتأثيرها على حظوظ الرئيس دونالد ترامب في الفوز بولاية رئاسية ثانية.
كما تبحث معه في استثمار «الحزب الديمقراطي» لضغط الشارع الذي يحاصر ترامب وأخطاءه المتكرّرة في إدارة أزمتي كورونا والعنصرية، لرفع رصيده الشعبي وتعزيز قدرته على هزيمة الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة.

- «الشعب» لم يكن الرئيس دونالد ترامب وهويستعد لخوض الانتخابات الرئاسية في الخريف القادم يتوقع اصطدامه بأزمتي كورونا والاحتجاجات المناوئة للعنصرية، فما وقع هاتين الأزمتين على حظوظه في انتزاع ولاية ثانية ؟
 الأستاذ محمد عمرون: بالفعل، قبل أشهر من الإنتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، يجد الرئيس الأمريكي نفسه أمام امتحانين حقيقين هما الأكبر منذ توليه رئاسة البلاد في جانفي 2017، الأول مرتبط بجائحة كورونا والتي أبانت فيها إدارة ترامب عن أخطاء تقديرية في بداية الأزمة عندما لم توليها الأهمية المطلوبة، ثم طريقة تعامله معها حيث طغى عليها التفكير المصلحي الاقتصادي على حساب صحة المواطن الأمريكي، وهوما عكسه إصرار الرئيس ترامب على تفعيل «قانون الإنتاج الدفاعي» الذي يجبر العمال للعودة الى العمل بدون الزام المؤسسات اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة وإعفائها من المتابعات القضائية، ليأتي مقتل المواطن الأمريكي «جورج فلويد» على يد شرطي بطريقة فيها كثير من الإهانة والحقد والعنصرية، ليؤجج احتجاجات غير مسبوقة في كامل الولايات المتحدة الامريكية، لكن مرة أخرى يتعامل «ترامب» مع المسألة بطريقة استعلائية وبعيدة عن الطابع المؤسسي للولايات المتحدة الامريكية، ففي البداية اتهم المحتجين بإثارة الفوضى والسرقة متهما جماعة « أنتيفا» اليسارية بالوقوف وراء أعمال الشغب، ليدخل بعدها في صراع مع بعض حكام الولايات متهما إياهم بالتقصير في التعامل مع الاحتجاجات، ثم محاولته الدفع بالجيش في مواجهة المحتجين وهوالأمر الذي أدخله في خلاف كبير مع وزير دفاعه «مارك إسبر» الرافض لإقحام الجيش في مواجهة ضد مواطنيهم، وبالتالي في كلتا الازمتين أبان «ترامب» عن عجز مزمن في إدارة الأزمات، ما قد يعصف ليس فقط بكرسيه في البيت الأبيض وإنما بمكانته السياسية، فكل النجاحات التي حاول «ترامب» تسويقها اثناء فترة حكمه خاصة في الجانب الاقتصادي قد تصبح لا معنى لها لدى الناخب الأمريكي عندما اكتشف هذا الأخير أنه أمام رئيس لا يحسن إدارة الأزمات، وأنه أصبح عامل تقسيم للمجتمع الأمريكي بدل عامل توحيد كما هومفترض بكل رئيس أمريكي، فالأزمتان أبعدتا ترامب عن حلم الثانية بعدما كان قاب قوسين اوادنى من الفوز بها وبأريحية.
-     إذا كان وباء كورونا قد فاجأ الأمريكيين كما العالم على حين غرة، فداء العنصرية متغلغل داخل المجتمع الأمريكي وهوليس أمرا مستجدا، لماذا كان رد فعل الأمريكيين على مقتل جورج فلويد بمثل هذه الحدة؟
 تعود مسألة العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة الامريكية إلى قرون عديدة، ورغم النضالات والتضحيات الكبيرة للمجتمع «الأسود» ضد انحرافات «البيض»، ورغم القوانين والإجراءات المتخذة في هذا الشأن، إلا أن مظاهر العنصرية لازالت متجذرة في المجتمع الأمريكي ومؤسسة الشرطة بشكل خاص، تبرزه بوضوح صورة الفقر والتهميش والهشاشة الطاغية في المجتمع «الأسود»، وحتى مع اعتلاء «باراك أوباما» لسدة الحكم لعهدتين متتاليتين 2009- 2016 والتي أعطت إشارة بتصالح المجتمع الأمريكي مع نفسه، إلا أن أحداثا عنصرية كثيرة وقعت في عهده، لتتكرر نفس المشاهد مع الرئيس «ترامب»، لكن هذه المرة مع احتجاجات ومظاهرات أكبر وبحدة أقوى، نتيجة استفزازات ترامب المتكررة لكل المهاجرين منذ بداية عهدته وتهجّمه على الأمريكيين من أصول مكسيكية، ثم تقييد الهجرة، يضاف الى ذلك ضغوط جائحة كورونا والتي تؤكد التقارير تضرر أكبر لمجتمع «السود» سواء من حيث عدد الوفيات أونسبة البطالة، بالإضافة إلى ذلك ورغم بشاعة مقتل «جورج فلويد» والأسى الذي خلفه عند حتى غير الأمريكيين إلا أن ذلك لم يظهر على الرئيس الأمريكي، فكان يصر على أن يظهر بمظهر الرجل القوي الذي لا ينكسر، يهدد ويتوعد دون أن يبدي أي أسى اوتعاطف مع القتيل أوعائلته، وهي كلها عوامل أجّجت الاحتجاجات في هذا البلد وجعلتها غير مسبوقة على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة.
- يؤاخذ على الرئيس الأمريكي مواقفه التي توتّر الأوضاع وتؤجج الانقسام، لماذا برأيكم يتصرف ترامب بمثل هذا السلوك؟
 يعتبر الرئيس «ترامب» من بين أكثر الرؤساء إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية، فمنذ انتخابه رئيسا للبلاد وجهت اتهامات لحملته بالتلاعب بنتائج الاقتراع بالتعاون مع الروس، حيث وصلت إلى حد المساءلة في الكونغرس، كما خلفت طريقة تعامله مع حلفائه التقليديين من عديد الدول وتعمد إهانة بعض الرؤساء الكثير من الاستهجان والانكار، ينضاف إلى ذلك تملصه من كثير من الاتفاقيات الدولية وخروجه منها بطريقة تعسّفية تعكس روح الاستعلاء والاستخفاف بالمجتمع الدولي، كما انفرد بكثير من القرارات الحاسمة أهمها اعترافه بالقدس الفلسطينية عاصمة للمحتل الإسرائيلي، وخروجه من الاتفاق النووي مع إيران، وشهدت فترة حكمه خلافا كبيرا مع مساعديه ومستشاريه وكتاب دولته، فاستقال وأقال منهم الكثيرون، على رأسهم مستشاره المقرب «جون بولتون» وكبير مستشاريه الاقتصاديين «جاري كوهين»، وغيرهم كثر، وهوما يعكس حالة التخبّط واللاإنسجام بينه وبين طاقمه الإداري، وقد يكون «إسبر» وزير دفاعه آخر ضحاياه قبل انتخابات الرئاسة المقبلة نتيجة الخلاف الحاصل بينهما غداة الاحتجاجات الحالية، وبالتالي نحن أمام ظاهرة جديدة في السلوك السياسي الأمريكي، الذي لطالما اعتمد على الطابع المؤسسي والبيرقراطي في اتخاذ القرارات، لنتحوّل إلى سلوك سياسي جديد يطغى عليه الطابع الشخصي والفردي الذي تلعب فيه الشخصية دورا مؤثرا في اتخاذ القرارات.
-     لا شك أن التداعيات الاقتصادية الخطيرة لوباء كورونا أصبحت بمثابة السيف المسلط على إدارة ترامب، فهل بالإمكان تفادي ضربة هذا السيف وكيف ؟
 لطالما اعتبر الجانب الاقتصادي أحد نقاط قوة الرئيس «ترامب» وأحد أهم نجاحاته خلال فترة حكمه، فقد استطاع ان يخفض نسبة البطالة إلى مستويات قياسية وصلت الى ما دون 2% في نهاية العام الماضي، وحرك عجلة الاقتصاد الذي استفاد من تعديل عديد الاتفاقيات الدولية ك»نافطا» والانسحاب من اتفاقية المحيط الهادي، وفرض الرسوم الجمركية بمليارات الدولارات على الصين، وحتى اتفاقية المناخ في باريس، التي حررت الولايات المتحدة الامريكية من أي التزام فيما يخص الحفاظ على البيئة شجعت بالخصوص صناعة النفط الصخري التي وصلت لمستويات قياسية جعلت من الولايات المتحدة الامريكية أكبر منتج للنفط في العالم، كل هذه النتائج المشجعة انتكست مع «جائحة كورونا»، فارتفعت وبتسارع رهيب مستويات البطالة لتصل الى ما فوق 20%، وأغلقت مئات شركات النفط الصخري نتيجة الانخفاض التاريخي لسعر النفط، وتم تسريح ألاف العمال، وأغلقت العديد من المؤسسات الاقتصادية، كل هذا جعل إدارة ترامب تسابق الزمن في محاولة لإنقاذ أهم عنصر يستند عليه المترشح الجمهوري في حملته المقبلة ألا وهوالاقتصاد، لذلك رَفَض ترامب سياسة الإغلاق الكلي وضَغَط على حكام الولايات من أجل رفع الحجر واستئناف النشاط الاقتصادي، وأقر قانون الإنتاج الدفاعي كما ذكرنا آنفا، والأكثر من ذلك ضغط على السعودية وروسيا من أجل تحقيق خفض تاريخي لإنتاج البترول وصل حد 10 ملايين برميل يوميا، وهذا من أجل إنقاذ القطاع النفطي في بلاده الذي شارف على الانهيار، وهواليوم يستعجل إنهاء الاحتجاجات، لعله يحظى بأشهر قادمة أكثر هدوءا تمكنه من إعادة قاطرة الاقتصاد إلى مسارها، وتكون الورقة الأبرز في حملته الانتخابية المقبلة.

الديمقراطيون سيستثمرون في أخطاء ترامب

- لا شك أن الديمقراطيين يعيشون أزهى فتراتهم وهم يشاهدون خصمهم وغريمهم العنيد يعاني الأمرّين بين الوباءين ( كورونا والعنصرية)، فهل سيستفيدون من الوضع لترجيح كفتهم في الاستحقاق الرئاسي القادم؟
 ما كان لترامب ان يرأس دولة بحجم الولايات المتحدة الامريكية لولا ضعف المعكسر الديمقراطي في الانتخابات السابقة، فقد كان يعتريه الانقسام، وحتى المرشحة «هيلاري كلينتون» أبانت عن ضعف في حملتها الانتخابية خصوصا بعد شكوك حول مرضها، اليوم الأمر مختلف، الحزب الديمقراطي فصل مبكرا في مرشحه «جوبايدن» والذي يحظى بتأييد قوي من الرئيس السابق باراك أوباما، ثم إن حدة الصدام الذي حدث بين رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديمقراطية « نانسي بيلوسي» و»ترامب» في مساءلته التاريخية حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية زادت من شعبية الحزب، واليوم هويستثمر في الأخطاء المتككرة لـ «ترامب» في إدارته لأزمتي كورونا والعنصرية، واتهامهم له «بتقسيم الشعب الأمريكي»، فالحزب الديمقراطي يدرك أنه أمام فرصة تاريخية لهزيمة الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية، لذلك سيركزون في حملتهم الانتخابية على أخطاء ترامب أكثر من تركيزهم على برنامجهم السياسي.

الفجوة بين أمريكا ومنافسيها تتقلّص

- كثر في الفترة الأخيرة الحديث عن مستقبل المكانة الأمريكية في العالم، وقال كثيرون بأن الريادة قد تذهب منها إلى الصين فهل يمكننا فعلا أن تتحدث عن تراجع المكانة الأمريكية؟
 اعتقد بأن مسألة المكانة العالمية للولايات المتحدة الامريكية يجب ان ينظر إليها من ثلاث زوايا مهمة، الأولى متعلقة بالجانب المادي بما يحتويه من شقين اقتصادي وعسكري، وفي هذه النقطة تعرضت الولايات المتحدة إلى منافسة قوية جدا من الصين وروسيا على التوالي، والفجوة بينها وبينهما تتقلص بطريقة كبيرة خصوصا مع الصين التي أصبحت تمثل التهديد الكبير للاقتصاد الأمريكي ومؤسساته، أما الزاوية الثانية لمسألة المكانة العالمية، فهي القدرة على إدارة الازمات الدولية، وفي هذه النقطة تتفوق فيها الولايات المتحدة الامريكية حيث تبقى فاعلا رئيسيا لحل أي أزمة دولية، وبالرغم من المحاولات الروسية بالعودة كفاعل مؤثر في الازمات الدولية مثل سوريا وليبيا، إلا أنها لازالت لم تصل الى درجة المزاحمة الحقيقية للدور الأمريكي في هذا المجال، أما الزاوية الثالثة فهي متعلقة بالجانب القيمي والأخلاقي للدولة صاحبة الريادة، وهنا لطالما أفضت الولايات المتحدة الامريكية على قيادتها للعالم شرعية قيمية متمثلة في المبادئ السامية التي تدعوإلى نشرها كالديمقراطية وحقوق الانسان والحريات، هذا المعيار الأخلاقي قد بدأ يتصدع منذ احتلال أفغانستان والعراق، وحماية الإدارة الامريكية للأنظمة التسلطية التي تواليها، وتغاضيها عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ليزداد الامر تصدعا، في طريقة التعامل مع المحتجين الأمريكيين واستعمال العنف ضدهم، وعليه ومن خلال هذه النقاط الثلاث يمكن القول اننا امام بداية تحولات مهمة في النظام الدولي قد لا تكون جذرية، لكنها مؤثرة في مستقبل العلاقات الدولية، وحتى إن كانت مكانة الولايات المتحدة كقائد عالمي مازالت محفوظة إلا ان الفجوة بينها وبين منافسيها تتقلص يوما بعد يوم.
- كيف تتصورون مواجهة إدارة ترامب للمصاعب التي تعترضها؟
 شخصية «ترامب» العنيدة لن تقبل الانهزام بسهولة، فسيبقى يقاوم الضغوطات الداخلية بمظهر الرجل القوي المتحكم في الوضع، وسيسعى جاهدا لإخماد الاحتجاجات الحالية في أسرع وقت ممكن حتى ينزع هذه الورقة من خصومه الديمقراطيين، كما سيستند على اليمين المتصهين المتطرف الذي لطالما اتكأ عليه، وما قام به من حمل للإنجيل في الكنيسة قرب البيت الأبيض إلا رسالة ذات دلالات رمزية عميقة لهذه الفئة المتنفذة اليوم في الحزب الجمهوري خاصة، أما على المستوى الاقتصادي فمن المؤكد أنه سيقدم خطة «ضخمة» بآلاف المليارات من الدولارات لإنعاش الاقتصاد تكون بمثابة الرسالة المغرية والمطمئنة للناخب الأمريكي، وتبقى الأشهر الخمسة المقبلة فاصلة للرئيس «ترامب»، وفي كل الأحوال فعهدة ثانية لهذا الرئيس أصبحت أصعب من ذي قبل، لكن من دون شك فإن العالم مع عهدة ثانية لترامب سيكون حتما أقل أمنا.