كشف البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث في حوار مع جريدة «الشعب» ان العودة الى الحياة الطبيعية يستدعي رفع تدريجي للحجر الصحي لمنع رفع عدد حالات الإصابة من جديد، مؤكدا على ضرورة التقيد بالإجراءات الوقائية والاحترازية في هذه الفترة بالذات خاصة ارتداء الكمامات، مثمنا في ذات الوقت تكريم رئيس الجمهورية لثلاثة ممن قضوا نحبهم في معركة الكوفيد-19 بإسدائهم وسام عشير كاعتراف بكل ما قدمه سلك الصحة في المعركة ضد الوباء، مذكرا بالدور المحوري الذي لعبه المجتمع المدني في التخفيف من وطأة الازمة على المواطنين، منوها في ذات السياق بالدور الفاصل الذي قام به الاعلام في نجاح خطة مجابهة فيروس كورونا.
- الشعب: ما هي معالم الحالة الوبائية في ظل كوفيد-19؟
مصطفى خياطي: أولا يجب العلم ان كل الفيروسات التي عرفتها الإنسانية منذ الخمسينات مع وصول الإنسان إمكانية تكبير الصورة بالمجهر الالكتروني إلى 200 أو250 ألف مرة تمتلك الأمراض المتسببة فيها خاصية التطور مع الفصول فغالبا تبدأ في أواخر فصل الخريف وتنتهي أخر فصل الربيع اومع بداية فصل الصيف، وهذا ما يعتبره المختصون ناموس تطور الانتانات اوالامراض الفيروسية الصدرية المعروفة.
فقد تعاملت الإنسانية منذ 20 الى 25 سنة مع امراض الكوفيد معروف منها20 فيروس تقريبا اكثرها كوفيد- 1الذي ظهر في 2002 - 2003 اهم خصائصه التطور السريع لكنه بقي 6 اشهر فقط ثم اندثر ولم نسمع عنه الى الان صنفه العلماء بالخطير جدا لأنه تسبب في وفاة 50 بالمائة من عدد المصابين به، اما النوع الثاني «الماس» توطن في جبال الجزيرة العربية فانتشاره قليل.
هناك أيضا فيروسات من عائلة الكوفيد تتسبب في انتانات صدرية مثل الزكام تشبه الانفلونزا العادية لكن لا يوليها الناس قيمة لأنها ليست خطيرة، وحسب تفسير العلماء منحت إصابة الأطفال بها حماية من الكوفيد – 19 اوبما يسمى بـ»المناعة المتقاسمة» ، لهذا تؤكد تقديرات المختصين ان هذا الوباء سيختفي خلال الأيام أوالاسابيع المقبلة في الصيف.
- هل يعني ذلك اختفاءه بصفة نهائية؟
يتنبأ المختصون ببقاء فيروس كورونا في العالم، حيث يصبح مرضا موسميا لأنه مس القارات الخمس ما يعني توطنه فيها، لذلك لا بد من اخذ كل إجراءات الحيطة والحذر في الخريف المقبل خوفا من دورة ثانية لهذا الفيروس، لكن تبقى هذه الاحتمالات على مستوى النظريات العلمية لم يثبت بعد صحتها أو خطئها.
- لماذا اختارت الجزائر الرفع التدريجي للحجر وليس الكلي؟
الوباء سينتهي في الأيام المقبلة لكن هذا لا يمنع الجزائريين من اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لأنه فيروس جديد وغير معروف أدى الى وفاة أكثر من 350 ألف عبر العالم وأصاب ما يقار 4 ملايين شخص عبر العالم ما يجعله من النوع الخطير.
في المقابل تبقى إمكانية ظهور بؤر اوحالات معزولة يمكنها ان تؤدي الى وفيات بالفيروس لذلك كان لا بد من التزام كل المواطنين بالإجراءات الوقائية والاحترازية التي طالبتهم الوزارة الصحة باتباعها لأنها حماية للشخص والمحيطين به، ما سيساهم في اختفاء الفيروس اما إذا تهاون المواطن في إجراءات الوقاية اوأستهزاء بها بإمكان الفيروس ان يظهر في بؤر ثانوية وحالات منعزلة قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه.
فالتدرج في رفع الحجر الصحي جاء لتفادي ظهور حالات منعزلة لذلك ترك التنقل عبر الولايات في اخر مرحلة منه، لان وجود حالات متأخرة في بعض الولايات يستدعي الابتعاد عن الرفع العشوائي للحجر الصحي لمنع إمكانية انتقال الفيروس الى ولايات أخرى بسبب تنقل الأشخاص الحاملين للفيروس، لهذا يجب ان يكون الرفع جزئي وتدريجي يمس في البداية بعض الأنواع من النشاطات الاقتصادية ثم يمس نشاطات أخرى حتى يصبح كليا بعد ثلاث أوأربع أسابيع.
- الإبقاء على غلق المساجد يثير جدلا واسعا، فما سبب هذا الإجراء؟
الإبقاء على غلق المساجد كان منطقيا لأنها من الفضاءات المغلقة وليست الوحيدة بهذا القرار فقاعات الحفلات، المطاعم، المقاهي وكل الاماكن التي تصنف ضمن الفضاءات المغلقة تم التحفظ على فتحها لأنها تزيد من فرص انتشار العدوى خاصة في غياب الالتزام بإجراءات الحماية ،فهي معروفة بكثافة الموجودين داخلها ما، يخلق نوعا من الاكتظاظ وأيضا بقاءهم في نفس المكان في وقت واحد وكذا ارتفاع عدد الاسطح التي يتم لمسها في هذه الأماكن المغلقة مع وجود إمكانية حملها للفيروس ، وأخيرا كمية الهواء المتدفق داخلها خاصة اذا علمنا ان اغلبها تتبع نظام التكييف، لذلك كان لا بد من بقائها مغلقة الى غاية انخفاض عدد الإصابات بصفة ملحوظة اووصولنا الى 0 حالة إصابة.
- والشواطئ هل تبقى معنية أيضا؟
توصلت دراسة قامت بها اسبانيا البلد السياحي بامتياز الى ان ملوحة مياه البحر تقضي على الفيروس ما يعني ان احتمال انتشار العدوى في مياه البحر غير وارد، الخطر الموجود على الشاطئ لذلك وجب احترام كل إجراءات الحماية والوقاية خاصة مسافة الأمان الصحي والتباعد الاجتماعي اثناء تواجد المصطافين على الشاطئ لمنع أي انتشار للعدوى.
- ما هي اهم الإجراءات الوقائية الواجب اتباعها؟
من اهم الإجراءات الوقائية والاحترازية التي يجب الالتزام بها، أولا، ارتداء الكمامة الواقية التي أصبحت اجبارية منذ اول أيام عيد الفطر وعلى السلطات المعنية تطبيق القرار بكل صرامة كما فعلوا مع حزام الامن في السيارات ، ففي هذه الفترة ارتداء القناع ضروري حتى اشعار اخر وحتى وصولنا الى الحالة صفر من الإصابات لا يمكن التهاون في ضرورة ارتدائه.
ثانيا، التباعد الاجتماعي اومسافة الأمان الصحي التي فرضها المختصون لحماية الانسان من تلقي الفيروس كرذاذ اوقطرات من الشخص المصاب ، اما ثالثا، فهوالتعقيم سواء على المستوى الشخصي بغسل اليدين اواستعمال السائل الهيدروكحولي.
اما على المستوى الجماعي فعلى الجماعات المحلية تعقيم الحافلات، السيارات، الطرقات برش السوائل المانعة اواستعمال أجهزة لهذا الغرض مثل تلك التي تستعمل بالاشعة البنفسجية التي لها اثر مانع لبعض الأنواع من الفيروسات، لذلك يمكن استعمالها في المستشفيات، الإدارات وفي كل الاماكن الحساسة، الى جانب استعمال المياه التي فيها الكلور (الجافيل) سواء في المسابح اوالطرقات اوالأماكن التي تعرف اكتظاظا مثل الأسواق.
- كيف تصفون الجهود التي بذلها أفراد جيش المآزر البيضاء؟
اثبت الطاقم الطبي ومختلف العاملين في سلك الصحة انهم لا يتوانون في التضحية بالنفس والنفيس من اجل الجزائر، فقد احتلوا طوال الازمة الصحية الاستثنائية التي عاشتها الجزائر الصفوف الأولى في معركة الجزائر ضد كوفيد-19، أولا، اعتقد ان المؤسسة الصحية منذ الاستقلال كانت دائما تعطي علاوات معنوية اعتراف للاعبي كرة القدم مغنيين الخ، وابرزت الازمة الصحية المؤسسة الصحية بكل طواقمها قدرتها وتطوعها في خدمة المجتمع، وقد رأينا في كثير من المستشفيات أطباء وممرضين ضحوا بكل شيء وبقوا في حالة طوارئ طوال ثلاثة أشهر اوأكثر بعيدين عن عائلاتهم وذويهم بل كان الهاتف وسيلة الاتصال الوحيدة بينهم، عاشوا في استنفار داخل المستشفيات فقط من اجل خدمة المرضى المصابين بالفيروس ولمنع انتقال العدوى للآخرين، قاموا بعملهم على اكمل وجه وآن ان نعترف بجميلهم وبتقديم اعترافات معنوية لهم في هذا الصدد.
- هل يدخل اسداء وسام «عشير» لثلاثة ممن توفوا في معركة كورونا في هذا السياق؟
طبعا، هواعتراف بالدور المحوري الذي لعبه مختلف عمال قطاع الصحة من أطباء، شبه الطبي وعمال الصحة المنتمين الى الجيش الأبيض في مجابهة فيروس كورونا، هوشيء جميل لان المكرمين يمثلون كل أولئك الذين قدموا حياتهم ثمنا للحفاظ على صحة المواطنين.
والاجمل ان التكريم مس ممثلين لعدة مستويات من عمال قطاع الصحة الأستاذ البروفيسور سي أحمد مهدي والطبيبة وفاء بوديسة وسائق سيارة الإسعاف طالحي جمال، ما يجعله اعتراف ضمني بالدور الذي لعبه كل واحد منهم في منصبه دون التقليل من شأن أي واحد مهما كانت رتبته التي يحتلها في سلك الصحةهي التفاتة طيبة ورمزية تحمل في طياتها الكثير من الدلالات.
وارى ان منحها للأحياء الذين مازلوا في ميدان المعركة كان سيخلق الكثير من الحساسية لان مستحقيها كثر، فمعاني الاعتراف والاجلال التي يعكسها هذا التكريم اتجاه المنتسبين الى قطاع الصحة أكبر واقوى من أي شيء آخر.
- وماذا عن الدور الذي لعبه المجتمع المدني؟
ابلت بعض الجمعيات بلاءً حسنا خلال هذه الازمة الصحية الاستثنائية، فقد لعب المجتمع المدني دورا كبيرا في باعتراف السلطات المعنية سواء من خلال تمويل المستشفيات في عز الازمة بالأقنعة، والألبسة والاطعام خاصة اذا علمنا انها كانت تعاني نقصا لوجستيا، كما قدمت مساعدات للأحياء التي كانت تعاني تحت الحجر الصحي بسب صعوبة اقتناء المؤونة، بالإضافة الووجود فئة من المواطنين عاجزة عن شراءها اوالتزود بالمواد الغذائية.
وفي هذا الصدد قامت الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث على مستوى25 مركز موزع على 25 ولاية بأعمال جوارية بمد يد المساعدة للمستشفيات، الاحياء الفقيرة والفئات المعوزة، كما تحصلت الهيئة بالشراكة مع الجالية بالمهجر سواء بالدوحة القطرية اولندن ببريطانيا، مونتريال بكندا على معونات كثيرة مثلا 17الف و500 كشف بيولوجي سريع تم منحها للصيدلية المركزية الجزائرية وأكثر من 20 ألف قناع واقي.
كما قامت الجمعية كذلك بتوزيع اقنعة والبسة واقية على بعض المستشفيات عبر الوطن مثل ادرار، الاغواط، عين الدفلى، ميلة، كما وزعت الجمعية أيضا مبالغ مالية تقدر بـ10 الاف دج على 500عائلة معوزة في عدة ولايات ، كما وزعت مؤن تتمثل في مواد غذائية على العائلات الفقيرة في عزّابة، منيعة، غرداية، عين الدفلى، كل هذه النشاطات تدخل في اطار العمل التطوعي الذي تقوم به الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث.
- ماذا عن الإعلام في هذه الأزمة؟
لعب الإعلام دورا كبيرا في هذه الفترة الحرجة من مجابهة فيروس كورونا، حيث قام بتغطية كل المشاكل التي طرحت في مختلف الولايات عبر الوطن، وسخر كل الوسائل المتاحة لإيصال صوت المواطن الى السلطات المعنية بعد ان وجد نفسه معنيا بكل الإجراءات الوقائية والاحترازية وحلقة مهمة في سلسلة مكافحة انتشار فيروس كورونا، بل كان الاعلام أداة قوية لتعميم كل التوصيات المتعلقة بالحماية من عدوى الكوفيد - 19 بتفسيرها وشرحها للمواطنين، كما أظن أن تجنيد مختلف وسائل الاعلام سواء كانت مكتوبة اوسمعية بصرية أوالكترونية في هذه المرحلة كان من أهم عوامل نجاح السياسة الوطنية للخروج من هذه الأزمة الصحية الاستثنائية.