سجلت ولاية معسكر قفزة نوعية وإقلاعا تنمويا هاما، جعل منها نموذجا يحتذى به جهويا بفضل البرامج التنموية التي استفادت منها، على غرار المخطط الخماسي 2010-2014 الذي أخرجها من قوقعة التخلف. وساهمت السياسة المتبعة تجاه المشاريع المسطرة من قبل السلطات المحلية في تجسيد القرارات في آجال زمنية قصيرة، ميزتها الصرامة في التوجيه والانضباط في الإنجاز، الأمر الذي غير وجه الولاية إلى صورة حقيقية للتنمية المستدامة.
ويرفع القطاع الفلاحي تحديات كبرى لما له من دور هام في تنمية الاقتصاد الوطني، حيث يشغل أكثر من 21 ٪ من اليد العاملة ، خاصة بعد تحرير تسويق المنتوجات الفلاحية، في إطار التغيرات التي شهدها القطاع منذ مطلع الألفية، من خلال تحقيق هدف الأمن الغذائي الذي يمر عبر تشجيع الفلاحة وتوفير التسهيلات اللازمة للفلاحين حتى يتمكنوا من تخطي الصعوبات التي يواجهونها.
في حين تسعى السلطات صوب استحداث مناطق الإنتاج وتوسيعها من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي وإنجاح مخطط القطب الفلاحي الكبير كهدف أساسي، نظرا للقدرات الإنتاجية التي تتميز بها ولاية معسكر وتعدد الزراعات الممارسة بها كالخضروات، الكروم، الحوامض، الزيتون ومختلف المحاصيل الكبرى وخاصة الحبوب، ناهيك عن جودة التربة وموقعها الاستراتيجي بتوسطها لـ6 ولايات وقربها من موانئ الجهة الغربية الساحلية بمسافة لا تزيد عن 40 كلم، وحسب السياسة الفلاحية المتبعة في تجسيد برنامج التجديد الريفي، تسعى الجهات المسؤولة إلى تحقيق مساحة مسقية تقدر بـ 46،200 هـ خلال السنة الجارية، وعلى هذا الأساس صنفت منطقة معسكر كقطب فلاحي استراتيجي هام سواء على المستوى الجهوي أو الوطني.
ومن أهم المشاريع التنموية الرامية إلى رفع تحديات القطاع الفلاحي بولاية معسكر، إعادة تهيئة المحيطات المسقية الكبرى بالولاية التي استحسنت الأوساط المنتجة عودتها لما لها من منافع ومردودية خاصة فيما يتعلق بترقية بعض الشعب الفلاحية على غرار شعبة الزيتون التي تشتهر بها منطقة سيق، التي دخل بها المحيط المسقي حيز الخدمة والاستغلال، هذا المشروع الذي كلف الدولة ما قيمته 450 مليار سنتيم موزعة على حصتين لإعادة الاعتبار للمحيط المسقي من خلال مد قنوات الري التي يصل طولها لأكثر من 95 كلم، منهاما هو لجري المياه وأخرى لتوزيعها على ما مجموعه 4993 هـ من الأراضي الزراعية، كما سيسمح المشروح بتوفير 7000 منصب شغل مباشر و 14000 منصب أخر غير مباشر، حيث تكمن أهميته في استعمال تقنيات الري الحديثة وتقليص نسبة التبخر وتسرب المياه التي عانى منها المحيط المسقي جراء اهتراء قنوات السقي القديمة، كما رصدت الدولة أيضا ما قيمته الأولية 1000 مليار سنتيم لتمويل مشروع إعادة الاعتبار وتهيئة المحيط المسقي هبرة بالمحمدية على مساحة قدرها 9971 هـ، إضافة إلى محيط سهل غريس الذي استفادت منه الولاية ضمن البرنامج التكميلي الأخير لتأهيله على مساحة 5 آلاف هكتار كمرحلة أولية على أن تصل المساحة المسقية حدود 7 آلاف هكتار وتعميمها على باقي الأراضي الفلاحية بالمنطقة، حسب الدراسة الجزائرية ـ السويسرية التي قدرت إنجاز المحيط المسقي بسهل غريس بـ 3 ملايير دينار، وتسعى مديرية الموارد المائية للولاية إلى منح رخص استغلال لبعض الآبار التي تم حفرها خلال العشرية السوداء على مستوى سهل غريس لمساعدة الفلاحين، حيث تم إحصاء أكثر من 3400 بئر غير مرخصة، تقدم بعض الفلاحين لتسوية وضعيتهم على مستوى المديرية المعنية ومنحت في هذا الإطار 1875 رخصة استغلال من أصل 3400 بئر غير مرخصة، وتعكف مديرية الموارد المائية بمعسكر على إنجاز مشاريع تنموية ضخمة لتحسين عملية تزويد سكان الولاية بالمياه الشروب ورفع حصص السقي الفلاحي من جانب آخر.
التموين الإصطناعي لسهل غريس
ومن جهة أخرى تدعم القطاع بمبلغ إضافي قدر بـ5620 مليار بعد زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال إلى معسكر، حيث تم تسجيل عمليات جديدة أهمها تجربة تعتبر الأولى من نوعها على مستوى الولاية وهي التمويل الاصطناعي لحوض سهل غريس بالمياه السطحية من الأمطار أو الوديان المتواجدة بالمنطقة. مشروع سينطلق هذه السنة، بالإضافة إلى مشروع جديد يوازي مشروع الماو الذي يمول 11 بلدية من الجهة الغربية للولاية حيث سيمول هذا المشروع الجديد 15 بلدية من الجهة الغربية بتحويل المياه من رواق مستغانم ـ تيارت وهو قيد الدراسة لتوفير كمية 75 ألف متر مكعب يوميا، مقترحات مشاريع جديدة أخرى قدمت للوزير الأول تم قبولها أبرزها إنجاز 9 تنقيبات آبار جديدة، توسعة طاقة محطة معالجة المياه الشروب لبوحنيفية من 250 لتر في الثانية حاليا إلى 450 لتر في الثانية مستقبلا.
وبالموازاة تسعى ولاية معسكر إلى ضمان التوازن في تلبية حاجياتها، من موارد مائية وهذا بالبحث عن مصادر أخرى تغطي النقص خاصة في ميدان الري الفلاحي ولهذا الغرض تم بدءا من سنة 2010 إدماج الولاية للاستفادة من مشروع تحلية مياه البحر مع تحويل مياه ماو في إطار تدعيم التزويد بمياه الشرب للمنطقة الشمالية بالولاية على رواق المحمدية – سيق ومدينة معسكر، وسيساهم هذا المشروع من جهته في توسيع المناطق الفلاحية المسقية بعد توجيه مياه السدود السطحية للري الفلاحي وبالتالي استعادة القطب الفلاحي لمنطقة معسكر، وفي هذا الصدد تعتمد السلطات المحلية حملات للإرشاد والتوجيه حول اقتصاد المياه الموجهة للري الفلاحي عن طريق استعمال الأجهزة والتقنيات المقتصدة للمياه كالرش والتقطير، من أجل المحافظة على المياه وتحقيق الهدف المسطر لتوسيع المساحة المسقية.
من جهة أخرى حظيت ولاية معسكر في شق آخر من برنامج التجديد الريفي وفي إطار تشجيع سكان الأرياف للعودة إلى أراضيهم، بحصص هامة من السكنات الريفية على عدة مراحل، بلغت منذ الإعلان عن هذه الصيغة من البرنامج السكني 44.444 إعانة ريفية موجهة لسكان الأرياف في إطار تشجيعهم على العودة لأراضيهم بعد استتباب الأمن
والاستقرار، حيث عانت قرى ودواوير معسكر لسنوات من ويلات الإرهاب، الذي أوقّف بها كلية عجلة التنمية المحلية، بشهادة سكانها اليوم الذين يحاولون طمس آثار تلك المرحلة السوداء من تاريخ المنطقة، وهو الأمر الذي كان لا محالة بفضل سياسة إعادة إعمار الأرياف المشجعة على عودة الأهالي لأراضيهم من خلال تهيئة المسالك وصيانة الطرقات والربط بالكهرباء الريفية، وشبكة المياه الصالحة للشرب وقنوات التطهير والدعم الريفي فضلا عن المرافق التربوية والصحية والأمنية الضرورية التي تحفز سكان الأرياف على التشبث بأراضيهم والتفرغ لخدمتها، الأمر الذي سيساهم دون شك في إعطاء نفسا جديدا للتنمية الريفية.