طباعة هذه الصفحة

نقطة إلى السطر

بين استنفار وانتحار

فتيحة كلواز

حقيقة ان الازمة الصحية  استدعت اعلان حالة استنفار قصوى على مستوى  المؤسسات الاستشفائية، ما يعني التزام العاملون فيها أماكن عملهم في حالة تأهب الى غاية الخروج من هذا الوضع الاستثنائي، وطبعا كنتيجة حتمية يمنع العاملين بهذا القطاع من الاستفادة بالعطل الموسمية او المرضية بل من كان في عطلة التحق بمؤسسته لان الجزائر بحاجة الى كل كوادرها الطبية دون الاقلال من دور العاملين بالإدارة من سائقين و أعوان امن في المستشفيات.
رفض مدير المؤسسة الاستشفائية التي كانت تعمل بها الطبيبة الشهيدة بوديسة منحها عطلة مرضية مثلما يروج لكن لن استطيع تفهم ترك امرأة حامل في شهرها الثامن تعمل في الخطوط الامامية في مواجهة كوفيد-19، لان حالتها الصحية تؤكد ان مناعتها ضعيفة بسبب حملها ولن تستطيع الصمود امام الوباء بسبب وهن جسمها فالحمل له اثاره على جسم المرأة، ما يعني انه كان الاجدر منحها العطلة المرضية من باب الحفاظ عليها وعلى جنينها ولأنها لن يكون بإمكانها العمل بصفة طبيعية بسبب حالتها الصحية، لكن من سوء حظها ان طلبها رفض و من سوء حظ مديرها انها ماتت، فحتى في ظل ازمة صحية استثنائية وحالة استنفار قصوى على مستوى مستشفياتنا فهذا لا يعني ابدا التخلي عن العقل والحكمة في تقدير الأمور وعواقبها.
المهم، الامر لم يتوقف هنا ففي احد المستشفيات الجامعية وضع اسم طبيبة تخدير وإنعاش على قائمة المناوبة الليلية بعد أسبوع من شفائها من الكوفيد-19 رغم ان المختصين يؤكدون على ضرورة بقاء الشخص الذي شفي من هذا الوباء على الأقل 15 يوما في الحجر الصحي للتأكد من خلوه التام من الفيروس وهذا امر لا يمكن تقبله لان الاستنفار لم يكن يوما مرادفا للانتحار، فحتى جرحى الحروب يبقون في المستشفى الميداني الى غاية شفائهم او تمكنهم من العودة الى ساحة الوغى، طبيبة أخرى بعد خضوعها لجلسة العلاج الكيميائي بسبب اصابتها بالسرطان رفض طلبها لعطلة مرضية والسبب دائما حالة التأهب القصوى التي تعرفها مستشفياتنا، فكيف لمن تعاني الاثار الجانبية للعلاج الكيميائي الذي يصيب صاحبه بحالة وهن وضعف شديدين ان يصمد في معركة الكوفيد -19.
ربما كانت الصرامة في التعامل مع طلبات العطل المرضية هو السبيل لمنع التلاعب و تقديم شهادات طبية كاذبة للتنصل من المهام المنوطة بكل عاملي  قطاع الصحة رغم ان الفريق الطبي اثبت جدارته في حمل سلاح العلم في معركة عدوهم فيها خفي لا يعرفونه الا من خلال اعراضه الجسدية على ضحاياه، واكد انه لن يدخر جهدا و لن يتوانى عن التضحية بحياته من اجل انقاذ الاخرين وفي الطبيبة بوديسة خير مثال على ذلك.