يقول ابن عطاء في حكمه متحدثا عن الوصول الى الله عز وجل:»وصولك الى الله وصولك الى العلم به»،ويشرح المفكر و الداعية سعيد حوى في كتابه «تربيتنا الروحية» هذا القول شرحا جميلا، وحسبه أن الوصول هو أن تعرف الله عز وجل حق المعرفة،معرفة يأخذ العقل حده منها،ومعه القلب والروح،معرفة يشهد فيها الانسان قربه من الله عز وجل وقرب الله منه،ثم يستشهد بقوله تعالى: «واذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان».
هنا يمكن لنا أن نفتح باب مهما من أبواب روح شهر رمضان،هو باب الصحة القلبية،وهي تتحقق في الأجواء الروحانية الجليلة الجميلة، وبمعرفة الله يجتمع التسليم العقلي والتذوق القلبي،وهو ما يعيه أهل صوم الخصوص وخصوص الخصوص،أي من يرتقون للمعنى الروحي للشهر الفضيل،ويتجاوزون المعنى البطني لدى البعض.
نحن نحيل القراء لهذا البعد في الدين الاسلامي،أمام مشاهد أليمة مفزعة في العالم نتيجة وباء فتاك،يحاصر البشرية،لنؤكد مجددا اهمية الحجر المنزلي والبحث عن الراحة في العبادة،بعيدا عن التجمع في الأسواق والمحلات،بحثا عن غذاء البطن...فيا ايها الناس الاولوية لمظاهر العبودية وليس لطوابير الزلابية؟؟وكأن بعض أبناء الوطن قد تناسوا مخاطر الوباء فخرجوا جماعات بحثا عن الأواني والأكلات،في ازدحام شديد،و في تجاوز لكل معايير الوقاية والسلامة.
ولندع أحاديث الأسواق،ولنعد لحديث الرقائق والعبادة، فعندما نبحث عن درجة الوصول تحقق لنا المظهر الأعلى للصحة القلبية والنفسية في ديننا،و طريقها من خلال الأوراد اليومية المختلفة،وهي متحققة والجميع في المنازل،وتعوض مثلا الصلاة المنفردة صلاة الجماعة،ومنها التراويح،ولا ننسى الصدقات،الدعاء،الاسنغفار،الذكر....وكلها تسهم في جمع العائلة،على موائد التوبة والعبودية.ولعل هذا من ايجابيات وباء كورونا.
ويمكن ان نكتشف مع علماء الشريعة وأهل الصوفية والرقائق بعضا من مراحل الوصول لمعرفة الله، وهي تبدا بحالة تنفيذ الاوامر واجتناب النواهي ،ثم مرحلة تحقيق الحكمة من الأمر والنهي،ثم مرحلة تنور القلب،ثم مرحلة انبثاق سلوك معين كأثر من ذلك.
وهكذا ترتقي الروح في معراج الصفاء والطهارة،وتبتعد عن دنس الدنيا وشهواتها وصراعاتها الزائفة الضيقة،لتعانق الحكمة من كل أمر إلهي وتعلم النفس أن خلف كل أمر رباني حكمة ومع كل عبادة رسالة ومعنى،فهل نعي رسائل شهر رمضان، وهل نفهم نعمه الصحية والروحية والتعبدية؟ أليست هذه الايام التي غلقت فيها المساجد بسبب كورونا وغيبت عادات رمضانية جميلة هي رسالة عن عدم شكرنا لرمضانات سابقة ؟.
قال ابن عطاء: « من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها،ومن شكرها فقد قيد بعقالها»،والى حيث روحي وتربوي قادم ان شاء الله.