اعتبر الخبير في الشؤون الإستراتيجية توفيق هامل، أن جائحة كورونا تمثل تهديدا للأمن القومي للدول، متوقعا في الوقت ذاته أن التبعات الاقتصادية للأزمة الصحية ستخلق دولا أكثر ضعفا وفشلا، والأكثر أن أهم مميزات الوضع الحالي نهاية الزعامة الأمريكية للعالم.
«الشعب»: تفشي وباء كورونا بهذا الشكل المخيف، هل هو مشكلة تهدد الصحة العمومية العالمية، أم يتعداها إلى خطر يهدد أمن الدول؟
الخبير توفيق هامل: أغلبية الأمراض المعدية، كانت لا تحظى باهتمام السياسي، لأن تأثيراتها ضعيفة. فقط بعض الأمراض تشكل تهديدا على الأمن الوطني ويقاس ذلك بدرجات الفتك، مدى انتشار العدوى والمخاوف من حجم الأضرار الاقتصادية.
بتعبير آخر، يعتبر مرض معين، مشكلة أمنية عندما تخلف تداعياته تكاليف باهظة على المجتمع، هذا العبء يمكن قياسه من خلال حالات الاستشفاء، الوفيات وإدراك وفهم المرض.
إن ربط قضية الأمراض المعدية بالأمن، يمكن أن يجلب الاهتمام السياسي ويزيد التحسيس بالنتائج العالمية للوباء، ويساهم في رفع الموارد والمبادرة الدولية المخصصة للصحة العمومية، ووضع تدابير التدخل على المستوى الوطني.
لكن في المقابل، يمكن أن يعيق التعاون الذي ينشده ممارسو الصحة العمومية. وبغض النظر عن النتائج المميتة للأشخاص المصابين مباشرة، الأمراض الوبائية لها مجموعة نتائج مجتمعية، اقتصادية وسياسية سلبية.
والخطر في اعتبار هذا الوباء مشكلة للأمن القومي، أن الدولة ستتبنى مقاربة الحصن، في حين أن مثل هذا النهج لن يكون مجديا أمام مرض لا تعيقه الحواجز السياسية.
المجموعة الدولية لازالت عاجزة عن تصور نهاية للفيروس، لماذا برأيكم؟
الأمراض المعدية المستجدة، تواصل تهديد الأمن القومي الوطني والدولي والعولمة بصيغتها الحالية، والتغيرات المناخية تزيد من سرعة الخطر. وهي تشكل خطرا على الأمن الدولي بسبب آثارها السلبية على الدول، ومن السابق لأوانه وضع توقيت لنهاية الأزمة.
الآجال مرتبطة بالإجراءت التي يبنغي على الشعوب اتباعها والاستفادة منها في نفس الوقت، على غرار التباعد الاجتماعي ووفرة الكشوفات السريعة، الأدوية المضادة للأمراض الفيروسية، اللقاحات وحجم المساعدات الاقتصادية الموجهة إلى الخواص والمؤسسات.
وقد شددت الإرشادت التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية، سنة 2013، على «التقييم الوطني للمخاطر»، إذ أن كل دولة عضو في المنظمة، مدعوة للقيام بتقديراتها الخاصة للمخاطر ووضع إطار «تسيير المخاطر الطارئة للصحة»، مهما كان حجم تداعيات الجائحة الحالية، سيتم تجاوزها عن طريق قوى داخلية وهيكلية التي ستكون أكثر أهمية لقيادة العالم.
ومن المرجح أن تكون هناك إجابات تقنية وتكنولوجية أكثر منها سياسية لهذه الأزمة الصحية، لكن هذا لا يعني أن كل شيء سيكون كالسابق. من المؤكد، أنه سيتم إيلاء أهمية قصوى للأمراض المعدية وسترتفع أصوات تطالب بشفافية أكبر وبتعاون دولي.
لكن النتائج ستكون وخيمة أليس كذلك؟
من بين النتائج المتوقعة، مقاومة جزء كبير من العالم المتطور لقبول أعداد مرتفعة للمهاجرين واللاجئين، (اتجاه كان واضحا منذ العشرية الأخيرة على الأقل)، وستكون هذه المقاومة أكثر حدة بفعل الجائحة.
وهذا يبرر بخطر انتقال العدوى من جهة، ومن جهة بسبب البطالة التي ارتفعت وجعلت الشركات تتردد في قبول الأجانب. هذه المعارضة ستتزايد. وفي المقابل، سيواصل عدد الأشخاص المتنقلين واللاجئين الارتفاع بشكل ملحوظ، لأن الاقتصادات لم يعد باستطاعتها مساعدة الشعوب. وهذا ما سينجم عنه معاناة إنسانية معممة وأعباء ثقيلة على الدول التي لا تستطيع الوفاء بها.
ضعف البلدان مشكل عالمي منذ عقود، لكن الحصيلة الاقتصادية لكوفيد-19، ستخلف دولا أكثر ضعفا وفشلا، وهذا سيتغذى، دون شك، بمعضلة الديون المتزايدة.
الديْن العام والخاص، في جزء كبير في العالم، كان في مستويات غير مسبوقة، وحتمية الإنفاق العام لتغطية تكاليف العلاج ودعم المحالين على البطالة سيزيد من ارتفاع الديْن بسرعة كبيرة.
العالم السائر في طريق النمو على وجه التحديد، ملزم بأن يتصدى لمتطلبات كبيرة والتي لا يستطيع الإجابة عنها، ويبقى انتظار ما إذا كانت الدول المتقدمة ستمنح مساعدات، مع الأخذ في الحسبان طلباتها الداخلية.
هناك إجماع دولي على أن العالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا تماما عما كان عليه، إلى أي مدى يمكن أن نسلم بهذه الفرضية؟
الأوبئة والجائحات تضع على المحك الازدهار، الشرعية، التجانس الهيكلي، وفي بعض الحالات أمن الدول. انتشارها يحد من قدرة الدول على ممارسة الحكم بفعالية وزيادة قوتها الاقتصادية.
لأن الوباء يولد الفقر، العنف بين الدول ويمكن أن يفاقم اللاإستقرار السياسي. وهذا ما سيكون له انعكاسات سلبية على المدى البعيد على الاستقرار الاقتصادي والسياسي الجهوي، ويضر بالعلاقات الدولية والتطور، والمعركة على الكمامات الصينية خير دليل على ذلك.
إعلان الرئيس الأمريكي حظر السفر إلى أوروبا، خلف غضب الحلفاء الأطلسيين للولايات المتحدة، زد على ذلك التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين.
المحللون منقسمون حيال شكل العالم الذي سينبثق عن أزمة فيروس كورونا، لكن أغلبهم يساندون فكرة أن العالم الذي سندخله سيكون مختلفا تماما عن الذي كان موجودا من قبل. البعض يتوقعون أن الجائحة ستؤدي إلى ميلاد نظام عالمي جديد تقوده الصين، وهناك من يعتقدون أن هذا سينجم عنه تبخر الريادة الصينية، البعض الآخر يأمل في أن تدشن عهدا جديدا للتعاون الدولي، وآخرون يقولون إنها (الجائحة) ستضع حدا للعولمة وستتصاعد النزعة الوطنية.
في اعتقادي، هناك احتمال ضعيف في أن العالم ما بعد كوفيد-19 سيكون مختلفا تماما عن العالم السابق. أزمة كورونا لن تغير كثيرا القيادة الأساسية للتاريخ العالمي، بقدر ما ستسرعها.
الجائحة والإجابات التي ستكشفها، ستعزز السمات الأساسية للجغرافية السياسية الحالية. إن هذه الأزمة هي أقل ما تكون منعرجا- وليس مرحلة- على الطريق التي قطعها العالم خلال العقود الأخيرة.
الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب ظهرت مرتبكة للغاية في التعامل مع أزمة كورونا، وحاولت إلقاء اللوم على الصين، ثم منظمة الصحة العالمية، ما السبب؟ وما هي عواقب ذلك؟
تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية، فشل التعاون الدولي، الخلافات بين القوى الكبرى، كل هذا كان يطبع المناخ العالمي قبل ظهور كوفيد-19 وانتشار الجائحة التي زادت من تفاقم الوضع.
وأحد أهم مميزات الأزمة الحالية، هو زوال الزعامة الأمريكية وتصدي الدول للوباء كان على الصعيد الوطني لكل دولة فقط. الاستجابة المتأخرة وغير المتجانسة، وفي أغلب الأحيان غير الفعالة للحكومة الفدرالية، في مواجهة للجائحة عززت الرأي السائد بشأن إضاعة الولايات المتحدة الأمريكية لبوصلتها. ما كانت تمثله أمريكا أصبح، أكثر من أي وقت مضى، أقل استقطابا بالنسبة لكثيرين.
هذا التوجه تعزز برسالة الرئيس دونالد ترامب «أمريكا أولا»، والتي أراد من خلالها القول إن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون أكثر قوة وأكثر ازدهارا، إذا ركزت طاقاتها على الشؤون الداخلية، وأن ما يفعله البلد في مختلف مناطق العالم تبذير.
وينخرط عديد الأمريكيين في هذا المسعى ويفضلون التركيز على الإصلاح وتخصيص الموارد للاحتياجات الوطنية، بدل الخارج. وينبغي الإشارة إلى أن جاذبية النموذج الأمريكي، بدأت في التراجع قبل أزمة كورونا. فيما تبدو الصين أكثر إقداما.
أغلب القراءات تقول إن أمريكا لن تتزعم العالم مجددا، كما تفعل منذ سقوط جدار برلين، وأن الصين ستتقاسم معها القيادة أو تسحبها منها نهائيا. ما تعليقكم؟
فيروس كورونا أجج نظريات المؤامرة في الصين، كما في الولايات المتحدة الأمريكي. بعض أعضاء الكونغرس أطلقوا على الوباء «الفيروس الصيني».
السيناتور توم كوتون، زعم أن الجائحة يمكن أن تكون سلاحا بيولوجيا للصين. وبعبارة أخرى، الوباء يمكن أن يحفز الخلافات السياسية بين الدول ولكن يبقى الاحتمال ضئيلا بشأن تحول الأمر إلى نزاع مسلح.
قادة البنتاغون يقولون «الصين، الصين، الصين»، ولكن الجيش يستمر في إدارة الملايير في أوروبا، وزارة الدفاع مستمرة في إعادة التموقع لقواتها وإعادة توجيه برامجها نحو العصرنة للرد على القدرات العسكرية المتنامية للصين وروسيا.
ولكن الاقتصاد القوي للصين، يعني أن بكين تتقدم حتى على موسكو في عصرنة قواتها، ونادرة هي الوثائق الرسمية الأمريكية التي لا تشير إلى الصين كغريم وكمنافس وكتهديد أو عدو محتمل.
في بداية أفريل 2020، القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي- الهندي، قدمت تقريرا للكونغرس، تطلب فيه 20.1 مليار دولار كمصاريف إضافية للفترة 2021-2026، وهي إشارة واضحة عن طريقة تفحص المسؤولين عن الأمن الوطني الأمريكي لوسائل تعزيز موقع بلادهم في منطقة آسيا-الهادي، فور انتهاء أزمة كورونا.
ومحاولة الصين الظهور بكونها أنموذجا فعالا يقتدى به في مواجهة الجائحة واستغلال هذا الظرف كفرصة لتوسيع نفوذها في العالم، فاقم أكثر التنافس الشرس الصيني-الأميريكي.
لكن خيار التفاوض والتفاهم بين هذين البلدين قائم دائما، ويمكن أن يقدما الكثير للمجموعة الدولية؟
التعاون بين أقوى اقتصادين في العالم مهم لتجاوز التحديات العالمية. لكن العلاقات الأمريكية - الصينية، تتدهور منذ سنوات. والجائحة فاقمت التشجنات بين البلدين. في واشنطن، كثيرون يعتبرون بكين مسؤولة عن الوباء.
محاولة الصين الظهور، حاليا، كأنموذج فعال في مكافحة الوباء واستغلال التوقيت كفرصة لتوسيع النفوذ في العالم، لن يزيد إلا في مفاقمة الرد العدائي الأمريكي، ولا شيء في هذه الأزمة الحالية يغير وجهة نظرة الصين حيال الولايات المتحدة.
فكرة فصل الاقتصادين، نمت قبل أزمة كوفيد-19، محفزة بالتخوف في الولايات المتحدة الأمريكة بأن تصبح شديدة الارتباط بمنافس قوي في عديد المنتجات الأساسية والبالغة الحساسية.
والدافع لفك الارتباط تصاعد خلال الأزمة الوبائية، والمتوقع أن تعطي أهمية قصوى لقطع سلسلة التموين من الصين، مقابل إعادة استقطاب المصنعين الوطنيين (الأمريكيين).
إن التوجه نحو وضع مقارعة الصين كأولية مطلقة، تم الشروع فيه، لقد وضعت الإدارة الأمريكية مسبقا الصين كأكبر منافس للبلاد على المدى البعيد.
ماذا عن الإتحاد الأوروبي؟
إن تفشي فيروس كورونا في أوروبا، جعل من ضياع زخم المشروع الأوروبي حتمية. أغلب الدول ردت بشكل فردي على الجائحة والانعكاسات الاقتصادية، لكن مسار الاندماج الأوروبي انكمش قبل هذه الأزمة، والبريكست أبرز مثال.هناك احتمالات كبيرة بأن الأزمة الصحية الحالية، ستضر كثيرا المشروع الأوروبي وستخلق أزمات وتوترات بين بروكسل والعواصم الأوروبية. الاتحاد الأوروبي ستغمره المشاكل الأوروبية - الأوروبية والتي ستربك دوره على الصعيد الدولي.