أكد الأستاذ الجامعي في الإقتصاد البروفيسور إبراهيم قندوزي، أن وباء «كوفيد-19» له أثر كبير على المالية العمومية في كل ما يتعلق بقطاع الصحة وعلى الإنتاج الوطني، بحكم أن عديد المؤسسات توقفت عن العمل. ويرى البروفيسور، أن الخيار الوحيد هو التركيز على القدرة الإنتاجية الوطنية وتدعيم الشركات الصغيرة للاستثمار وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي.
الشعب: أكد صندوق النقد الدولي أن وباء كورونا سيكون له أثر شديد على الإقتصاد العالمي خاصة الدول الهشة، أين موقع الجزائر من ذلك؟
إبراهيم قندوزي: في الجزائر الفيروس له أثر كبير على الأموال العمومية بالنسبة للمصاريف الجديدة للتكفل بالأمراض على مستوى المستشفيات، وكل ما يتعلق بقطاع الصحة من عتاد طبي. كما له تأثير على الإنتاج الوطني، لأن هناك العديد من المؤسسات توقفت عن العمل، ما جعل الإنتاج ينخفض. كما نعلم أن أسعار النفط انخفضت إلى أقل من 30 دولارا للبرميل والمداخيل الخارجية للدولار انخفضت كثيرا، بحكم أن إقتصادنا يعتمد على صادرات البترول.
كما أثر الوباء على تموين الاقتصاد الوطني، لأن معظم الدول التي لها عمليات تجارية مع بلادنا والحدود مغلقة، لذلك هناك صعوبة في تموين الشركات لفائدة الاقتصاد، وكذا انعكاسات على اقتصاد التزود. ولهذا يجب على الدولة إتخاذ الاحتياطات لتكون الشركات الجزائرية تعمل بنسبة 100٪، كي لا يكون انقطاع في التخزين.
- هل يمكن للتحولات الكبيرة في أسواق الأسهم أن تؤثر على الاستثمارات؟
على المدى المتوسط، أي خلال سنتين، ستتغير أمور كثيرة في الإقتصاد العالمي، بما أن العديد من الدول الأوروبية كإيطاليا، إسبانيا وفرنسا، ستخرج من هذا الوباء ضعيفة، وسيكون إعادة النظر في القدرات الإنتاجية والاقتصاد بصفة عامة على مستوى العالم، والمؤسسات الدولية تعمل لمساعدة الدول المتضررة بفيروس كورونا.
بالنسبة للتحولات في الأسهم قليلة على مستوى العالم وكل المؤسسات متوقفة، لا يوجد استثمار وهذا يؤثر على النمو الاقتصادي على مستوى البلدان، ما يجعل الاقتصاد الدولي ضعيفا.
- ما هي الخيارات البديلة المطروحة بالنسبة للجزائر؟
على بلادنا التركيز على القوة الإنتاجية الوطنية وتدعيم المؤسسات المتوسطة والصغيرة عن طريق منح الامتيازات ليكون هناك استثمار، فلولا هذا الأخير لا يكون نمو اقتصادي. كما يجب على الدولة إتخاذ احتياطات لعودة المؤسسات للعمل ويكون فيه استثمار جديد يسمح بتقوية النمو الاقتصادي الذي سيكون بعدد نمو التشغيل.
وتحصي الجزائر أكثر 1093170 مؤسسة بين مصغرة وصغيرة ومتوسطة تهمن عليها قطاعات البناء والأشغال العمومية، التجارة الخدمات، النقل والمواصلات، بالإضافة إلى الصناعات التقليدية ومختلف الخدمات التجارية المقدمة للأفراد، الفندقة والمقاهي والمطاعم، الصناعات الغذائية، مواد البناء سيراميك والزجاج، صناعة الخشب والفلين الفلاحة والصيد البحري، صناعة مختلفة، وهذا دون الحديث عن المؤسسات الناشئة التي تنشط كثيرا في مجال التكنولوجيا والبرمجيات، وهو مجال ينشط فيه الكثير من الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية والتقنية.
- هل يمكن للصيرفة الإسلامية أن تكون بديلا للنظام التقليدي الذي يبدو أنه بعيد عن مواكبة التحديات؟
الصيرفة الإسلامية لا يمكن أن تكون بديلا للنظام القائم، بل هي مكمّل له، وذلك من خلال أموال الإدخار أو التوفير التي تتوافر عليها بنسبة كبيرة. هذه المؤسسات المصرفية الإسلامية يمكنها جذب واستقطاب الزبائن الذين يقومون بالتوفير على كل الدائرة المصرفية في إطار التمويل الإسلامي.
نشير هنا، إلى أن صيغ التمويل الإسلامية (دون فوائد ربوية) تهدف إلى المساهمة في تعبئة الإدخار، وخصوصا ضخ النقد المتداول خارج البنوك، أي السوق الموازية التي تقدر قيمتها بأكثر من 40 مليار دولار، بحسب التقديرات، ليصبح داخل السوق الرسمية. علما أن أنشطة الصيرفة الإسلامية في الجزائر دخلت حيز الخدمة مع بداية سنة 2019 بعد سنوات طويلة من تردد السلطات المالية في السماح بهذا النوع من الخدمات البنكية لمواجهة مشكلة السيولة التي خلفتها الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد سنة 2014، حيث سمحت الحكومة لثلاثة بنوك عمومية بفتح شبابيك إسلامية وهي القرض الشعبي الوطني، الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط وبنك التنمية المحلية.
وأذكر هنا أن بنك الجزائر، حدد في آخر عدد صدر بالجريدة الرسمية، ثمانية منتجات للصيرفة الإسلامية وهي المرابحة، المضاربة، المشاركة، الإجارة، الاستصناع والسلم، حسابات الودائع وودائع الاستثمار. ويلاحظ اليوم تشجيع المنتجات الممولة بواسطة الصيرفة الإسلامية ضمن خطة لمواجهة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية.
- برأيك، ما هي القطاعات الأكثر تضررا؟
قطاع النقل هو الأكثر تضررا، خاصة النقل الجوي، وكذا قطاعات الإنتاج، لأن الشركات لا تشتغل بنفس الوتيرة السابقة، مما يجعل الإنتاج ينخفض. في حين إنتاج الصناعة الغذائية والفلاحية يرتفع بحكم الطلب الكبير ومواكبة الظرف الصحي، لأن هناك تزايد في احتياجات وطلبات المواطنين ولا يوجد تموين من الخارج وهو ما تطلب تجندا كبيرا من وزارتي الفلاحة والتجارة لمواكبة الطلب المتزايد وإعادة التنظيم والرفع من الانتاج، خاصة بالنسبة للمواد واسعة الاستهلاك، على غرار ما قام به الديوان الوطني للحبوب لتزويد المطاحن بهدف إنتاج السميد لوقف المضاربة، في حين يلاحظ انخفاض في الخدمات بقطاع الصناعة.
- وماذا عن مجمع سوناطراك، هل هو قادر على التكيّف مع المستجدات؟
سوناطراك لديها مشكل مع السوق النفطي العالمي، حيث أثر عليها انخفاض أسعار البترول، لكن لديها طاقة كبيرة لأنها تسوق النفط ولديها أيضا طاقة إنتاجية في مجال البتروكيماويات واستهلاك الغاز الطبيعي والمميع، ويمكنها مواجهة السوق البترولية الحالية، خاصة وأن سوق الغاز في أوروبا مضطرب، وهو الأول الذي يتزود من السوق الجزائرية. والمجمع يعتمد على أداة عمل استشرافية تحسبا لأي طارئ أو متغيرات تصب في طبيعة عمل المجمع.
هنا نذكر أن مجمع سوناطراك انتهج سياسة مدروسة لتنويع صادراته وتعزيز إنتاج البترول والغاز، من خلال الاستثمار في إنجاز أربعة مجمعات بتروكيماوية تصل قيمتها الإجمالية 6 ملايير دولار، وإنشاء مصافي تكرير جديدة بكل من تيارت، حاسي مسعود، وسكيكدة وإعادة تأهيل مصفاة الجزائر وأرزيو، وهذا نظرا لأهمية الصناعات البتروكيماوية في اقتصاديات الدول المنتجة للنفط عبر تحقيق القيمة المضافة.
وقصد تنويع صادراتها بالخارج، لجأت إلى شراكة مع تركيا لإنتاج مادة البروبلين وهي من المواد الكيماوية الأساسية المستخدمة في الصناعات التحويلية كالنسيج، التعليب، صناعة السيارات، الصناعات البحرية، البناء، النقل وفي المجال الصيدلاني.
- هل سيغير وباء كورونا قواعد اللعبة في سوق النفط؟
هناك قواعد لعبة جديدة في سوق النفط ولن تكون في الطاقة الإنتاجية للدول، بل ستكون على مستوى أسواق السلع الصناعية، أي السلع المستخدمة في المنظمات الصناعية بغرض استخدامها لإنتاج سلع أخرى، أو الاستعانة بها في تشغيل الآلات. من هذه السلع المواد الأولية، والمواد نصف المصنعة والأجزاء تامة الصنع، تجهيزات التشغيل وغيرها، وبالتالي فإن الدول التي تنتجها كفرنسا، إسبانيا، إيطاليا والصين ستنخفض طاقتها الإنتاجية خلال العامين القادمين، ولا يمكنها أن تكون كما كانت مثل السنوات الأخيرة.
- هل يتوقع زيادة نسبة البطالة، وكيف مواجهة الوضعية؟
البطالة سترتفع في كل الدول وليس بالجزائر فقط، لأن البطالة لها علاقة مع النمو الاقتصادي، كون كل المؤسسات توقفت عن العمل مع غياب الإستثمار. كما هناك من سيفقد منصب عمله بسبب توقف عجلة الإنتاج وهو أمر طبيعي ومتوقع مع كل أزمة. وفي التاريخ عدة أمثلة، لعل أحسنها مختلف الأزمات الاقتصادية عبر العالم التي غيرت الكثير، سواء في الدول أو اقتصادياتها أو سياساتها الاستراتيجية لتضمن البقاء أو الخروج بأقل الخسائر.
والجزائر ليست بمنأى عن هذه التداعيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والحل هو الاستثمار وتأسيس شركات جديدة مبنية على أسس قوية محددة الأهداف التي يجب أن تكون قصيرة أو متوسطة المدى لضمان نجاعتها واستدامتها ولتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب في ظرف وجيز، وعلى الدولة أن تكون شريكا فعالا في هذه المقاربة من خلال المرافقة ورسم استراتيجية واضحة مع منح الإمكانات والإمتيازات للمؤسسات كي تتمكن من الإنتاج وتستحدث مناصب شغل جديدة.
- كيف تتوقع أن تكون العلاقات الإقتصادية الجزائرية مع شركائها في الإتحاد الأوروبي، لاسيما فرنسا والصين؟.
هناك مشكلة مع الإتحاد الأوروبي فيما يخص اتفاقية الشراكة في مجال التجارة، والتي تحمل مساوئ كثيرة ولا تخدم إقتصادنا، لأن 50٪ من الاستيراد يأتي من أوروبا. وثانيا المشكل سيكون في أوروبا، كون الأزمة صحية تؤثر على العلاقات بين البلدان الأوروبية، وبالتالي المجال التجاري والإقتصادي أيضا سيتأثر.
فكل المؤشرات تنبئ بتغيرات كبيرة على المستوى العالمي، وأكيد أن الجزائر سيكون لها حصة من هذه التغيرات، سواء في إعادة النظر بعلاقاتها مع الاتحاد الاوربي، خاصة فرنسا، التي وضعت نفسها في موضع المهاجم لكل ما يتعلق ببلادنا، مما ينبئ بالكثير ستكشف عنه الايام القادمة، كما يمكن أن تتوطد العلاقات أكثر خاصة مع إيطاليا والصين.
- هل يتوقع بروز الصين مجددا كأكبر قوة اقتصادية عالميا، وركود أوروبا؟
الصين لها موارد وقدرات جديدة، يمكن أن تسترجع مكانتها كأول دولة مصدرة للعالم، وتعود بقوة للإقتصاد العالمي. وبالرغم من الأزمة الصحية، فهي ما زالت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث بلغ الناتج المحلي 13.6 ترليون دولار، وأكبر مصدر للسلع بـ2.5 ترليون دولار، والإنتاج الصناعي بلغ 35٪ من الإنتاج العالمي، بحسب إحصائيات العام الماضي. كما أن للصين حضور متقدم في الشرق الأوسط، حيث شهدت العلاقات العربية - الصينية نموا مطردا في السنوات الأخيرة، خاصة منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي، وشاركت في العديد من دول المنطقة في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين لتعزيز التبادل التجاري.
وتعد الصناعة الصينية صناعة متميزة، تحتل مرتبة مهمة في صناعات النسيج، الأحذية، الألعاب الإلكترونية، أجهزة التلفاز، الهواتف الذكية، السيارات، الحديد والصلب، فهي تعد مصنع العالم تسعى للاستثمار في كل الدول. كما أن لها عشرات المؤسسات استثمرت في الجزائر في ميادين الإسكان والطرق، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الطاقة، الري، المواصلات... ونلاحظ انتشار اليد العاملة الصينية على مستوى ورشات الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية مثل الطريق السيار شرق - غرب، والبناء نظرا لسرعة الإنجاز ونوعية العمل، وأضحت الجزائر ثاني أكبر سوق للاستثمارات الصينية في مجال البنى التحتية في أفريقيا.