تضامن لتموين الأسر وإدراك لمنافع البقاء بالمنازل
خوف وقلق وترقب وانضباط والتزام بالبقاء في المنازل، تعيشه عديد العائلات في مدينة البليدة، وبالتحديد عبر الأحياء التي عصف بها فيروس «كوفيد-19» الشرس، خاصة عبر شارع «20 مترا» الرئيس، الذي يتوسط قلب مدينة الورود، حيث اختطف العدو الشفاف والغامض أرواح الأبرياء ووضع حدا لحياتهم، مما نشر رعبا شديدا. ومع كل ذلك، تبقى العائلات في هذه المدينة العريقة صامدة وتتحلى بوعي كبير، وتنتظر انقشاع ضبابة الخطر وعودة الحياة من جديد إلى الأحياء والأسواق والمدارس والمؤسسات الإدارية والاقتصادية...
«الشعب»، اتصلت هاتفيا بمجموعة من العائلات التي تربض تحت الحظر الكلي الذي يمتد لمدة عشرة أيام، لتنقل الوضع بعيون شاهدة على تفاصيل الحياة الممزوجة بمشاعر الخوف من المجهول.
«لا نبرح أبواب منازلنا إلا للضرورة القصوى؟.. حجزنا الأطفال في الصالة ووفرنا لهم كل وسائل الترفيه حتى نكسر رتابة الملل التي تتسلل إلى نفوسهم. لقد اقتنينا ما يكفينا لمدة تزيد عن عشرة أيام»... عبارات، جاءت إجابات مقتضبة على سؤالنا عن وضعهم وكيفية تجاوبهم مع الحظر وكيف يقضون أيامهم؟ ومدى تأثرهم بالشائعات التي تشتعل عبر وسائط التواصل الاجتماعي؟،
ذعر من العدوى... والتموين متاح
تقول «وردة.س»: «...نتألم كلما نسمع بسقوط وفيات ورحيل أحد أفراد جيراننا الذين قضينا معهم عقودا من الزمن، الوباء قاس لايرحم أحدا.،. علينا بالوقاية والتزام بيوتنا إلى غاية زوال الخطر، دون شك سنتعود على الحظر لأنه ضروري وسيوقف سقوط ضحايا آخرين.. لأن الحل الوحيد وقف انتشار العدوى الذي لن يكون إلا بالعزل..».
وبخصوص طريقة التموين بما يحتاجون إليه من المواد بالغذائية، أوضحت وردة التي تقطن في شارع «20 مترا» بالبليدة والذي تتواجد فيه الإقامة الجامعية وكذا مستشفى «مصطفى بن بولعيد»، أنها «شخصيا اقتنت ما يكفيها طيلة أيام الحظر، لكن ومع ذلك استحسنت الهبة التضامنية لشباب الحي الذين وقفوا وقفة رجل واحد لتوفير كل ما يحتاجه السكان».
نادية، بدورها، كانت شبه مذعورة كون ابنها يعمل في السلك الطبي، وبالتالي معرض لخطر العدوى، خاصة أن ولاية البليدة سجلت أكبر نسبة من الإصابات بعد أن انتشر فيها الوباء، فلم تخف ظروف حياتهم الصعبة رغم وفرة التموين بالمواد الغذائية والخضر والفواكه. لكن، بحسب تقديرها، الخطر قائم. وترى أن حقن الفيروس القاتل يتوقف على يقظة ووعي المواطنين بتجنب الاختلاط الاجتماعي وعدم الخروج من المنازل إلا للضرورة القصوى. وقالت: «إنهم يستقون المعلومة من الإعلام العمومي حتى يتجنبون الشائعات التي تضاعف من الخوف والقلق».
«نرجس.ز»، التي تعمل صحافية، بدت أكثر تقبلا لصدمة الفيروس الذي بدأ في التفشي، لأنها تعتقد أن التزام نصائح الحجر الصحي، يجنب المواطنين أي عدوى. ورغم قولها إنه اكتشفت حالة حاملة للفيروس في بلدية بوقرة المنطقة التي تسكن بها، لكن ذلك لم يؤثر على نفسيتها وتؤدي عملها يوميا على أكمل وجه، لكن تحرص على غسل اليدين وتعقيمهما، وتمنع طفلتها من الخروج من المنزل، كما أن جميع أفراد أسرتها لا يغادرون البيت إلا إذا تعلق الأمر باقتناء دواء أو مادة غذائية أساسية.
الحجر في وقته المناسب
تعترف «زهور زرقيط»، التي تقطن بمدينة العفرون، الكائنة بولاية البليدة، أنها بدأت تطبق حظرا اجتماعيا كليا على زوجها وأطفالها، قبل إعلان حظر كلي على مدينة
الورود واقتنت ما يكفيها من مواد غذائية لمدة تفوق الشهر، وتحرص على توفير كل وسائل الترفيه لأطفالها في صالة المنزل، حتى يندمجوا في نظام الحظر ولا يشعروا برتابة الملل، وبذلك تضمن عدم تسرب أي خطر من خارج المنزل، وتتمنى لو يزول ما وصفته بـ «البلاء في أقرب وقت لتعود إلى عملها في مؤسسة صناعية».
في المقابل، يعتبر «كمال بادو»، موظف من مدينة بوفاريك، ولديه أربعة أطفال، بينما زوجته ماكثة بالبيت، أن «الحظر جاء في وقته المناسب ولو تأخر قليلا كما توقع ستحدث كارثة وبائية، بسبب سرعة انتشار عدوى فيروس «كوفيد-19»، ويقول كمال إن «العديد من الأسر تطبق الحظر ولا تخرج من بيوتها»، لكنه يشتكي من أن بعض من الشباب، الذي ربما غير متعود على البقاء في المنزل، يتضايق فيخرج إلى الحي، لكن في المساء سرعان ما تمر دوريات الأمن فيعود كل واحد إلى بيته، ويعتقد أن المدينة محصنة من انتشار الوباء، مادام مواطنوها يلتزمون بيوتهم ويطبقون الحظر الاجتماعي، والذي يعد إجراءً وقائيا فعالا.
في وقت تسجل فيه مدينة البليدة أكبر نسبة من الإصابات وكذا الوفيات، يبدو أن السكان يدركون بوعي كبير حجم المسؤولية التي تقع على عاتقهم في الحد من انتشار هذا الفيروس القاتل ومن ثم اختفائه بشكل نهائي. وما يحتاجه الظرف، قليلا من الصبر وكثيرا من الحذر، وبذلك فإن شوارع مدينة البليدة، كما وصفتها شهادات مواطنيين تواصلنا معهم عبر الهاتف، شبه خالية من حركة السيارات والراجلين، وكما يقول كمال «كأن أيام الأسبوع تحولت إلى يوم جمعة».