بقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره تلقيت بألم وأسى عميقين نبأ وفاة الصديق العزيز عز الدين بوكردوس الإعلامي والصحافي الوطني الذّي كرس حياتهُ في خدمة الجزائر إعلاميًا بارزًا بالتلفزة الوطنية، وصحافيًا مُقتدرًا ومُديرًا عامًا لصحيفة الشعب الرائدة وأم الصحف الوطنية الأخرى التّي تخّرج منها أغلب الصحافيين الذّين يعملون الآن في العديد من الصُحف والمؤسسات الإعلامية الوطنية وغيرها، وقد أدار الراحل العزيز هذه المؤسسة العريقة بقُدرة إعلامية سياسية وطنية مشهودة ومُقدرة لدى كل من عرف هذا الرجل الذّي كان خطّهُ العام هو الدّفاع عن الجزائر ومصالحها من أيّ موقع، وقد رفع اسمها عاليًا في مهمات صعبة وشاقة مثل التغطيات الشاملة والمتميزة للحرب الأهلية في لبنان وتداعياتها داخليًا وخارجيًا وإنجاز هكذا عمل في مثل تلك الظروف المعقدة لم يكن أمرًا سهلاً إضافة إلى التغطيات الهامة أيضًا من إيران بعد سُقوط نظام الشاه ومجيء الإمام الخميني والثورة الإسلامية مع نهاية سبعينات القرن الماضي.
وكثيرًا ما كُنّا نتحدثُ في لقاءاتنا العديدة عن صولاته وجولاته الإعلامية في الخارج وفي القلب منها قضية فلسطين والصحراء الغربية من منطلق مبدأ حق الشُعوب في تقرير مصيرها، كما كانت لقاءاتنا لا تخلوا أيضًا من الحديث عن مستجدات وآخر المؤلفات في السياسة والأدب والتاريخ وتاريخ المقاومات الشعبية في الجزائر وغيرها من بلدان العالم التّي ابتليت بالاستدمار وحققت استقلالها واسترجعت سيادتها وعن دُول العالم الثالث ودور حركة عدم الإنحياز وسعيها لإحداث نوع من التوازن في العلاقات الدولية لاسيما في سبعينات القرن الماضي، ولا أنسى زيارته إلى اليمن عام 1998 عندما كُنت سفيرًا للجزائر هُناك، حيثُ قام الرجل بعدّة تحقيقات وتقارير صحفية زاوج في صياغتها بين الحس الصحافي والرؤية الفكرية والأدبية والخبرة العملية، وكذلك خلال الجلسات التّي قمت بتنظيمها على شرفه وحضرها العديد من الأصدقاء الإعلاميين والمثقفين اليمنيين، وقبل هذا وذاك رجعت بي الذاكرة إلى نهاية 1978 إلى تغطية عز الدين على المباشر للتلفزة الوطنية وقائع جنازة الرئيس الراحل هواري بومدين بشكل مُؤثر جدًا خاصة عندما قال في آخر الأيام من آخر الأسبوع من آخر العام )1978( مات أعظم الرجال مات هواري بومدين، وقد سمعت منه أكثر من مرة روايته للحدث بتأثر كبير يعكس تقديرًا عاليًا للرئيس الراحل.
وأخيرًا أقول إنّ عز الدين قامة أخرى من القامات الوطنية ترحل عن دنيانا كما رحل قبلها العديد من القامات الوطنية ومن هُنا أقول: يرحلُ الرجال وتبقى مآثرهم خالدة على الدوام.
ويبقى أن نشير إلى أنّ تفاصيل الشهادة في حق هذا الرجل الصديق تحتاج بعض الوقت وقد أعود إليها في القريب إن شاء الله.
فرحم الله الأُستاذ عز الدين وتغمدهُ بواسع رحماته وأسكنهُ فسيح جنّاته وألهم أهلهُ وكل أصدقائه ومحبيه وكُل أسرة الإعلام الوطني جميل الصبر وكريم السلوان.
"الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾" سورة البقرة
صدق الله العظيم