يخضع القطاع الصيدلاني لمختلف الأدوية واللقاحات والمستحضرات الطبية على المستوى العالمي لأكبر المخابر ، إلى لوبيات ضخمة جدا تستثمر اقتصاديا في هذه المواد من منطلق تجاري صرف ، ومن هذا المنطلق نود معرفة علاقة البحث العلمي و اكتشاف اللقاحات والأمراض المعدية مع الصيدلانية الباحثة أيضا في توهامي آمال .
الشعب : دكتورة كيف هو واقع العلاقة بين البحث العلمي و اكتشاف اللقاحات و الأمراض المعدية عالميا ومحليا ؟
توهامي آمال : شكرا على هذا الاهتمام بالبحث العلمي في الصحة ، قبل الإجابة على هذا السؤال يجب اولا معرفة وفهم أهم السياقات التي نعيشها في عالم اليوم ، هذا العالم الرأسمالي الليبرالي الحر ، الذي يرتبط بثنائية الربح والخسارة ،وكل مجال بحثي سواء تعلق بالصحة أو التكنولوجيا أو غيرها بات خاضعا إلى الرؤية المالية الاقتصادية ، من هذا المنطلق هناك بحوث هامة على مستوى عالمي في مجال اكتشاف الأمراض المعدية والأدوية واللقاحات والمكملات الغذائية وسجلت براءات اختراع أيضا ضخمة ، لكن هل كل هذه البحوث توجه إلى المخابر العالمية للانتاج ؟ هذا سؤال جوهري أيضا يجيب عليه رئيس معهد باستور السابق بكوريا الجنوبية حكيم جاب الله ، أن اكبر المخابر الصيدلانية على مستوى عالمي تخضع إلى سياسات بعينها في عملية صناعة الأدوية واللقاحات بعيدا أحيانا على نتائج البحوث العلمية ، فهناك أدوية يتم تصنيعها إذا كان لها مردود مالي كبير وغير ذلك تتجنب اغلب المختبرات صناعة الأدوية ذات التسويق المحدود أو إذا لم تجد من يشتريها .
أما فيما يخص العلاقة بين البحوث العلمية ومدى تغطيتها لاكتشاف مختلف الأمراض المعدية اعتقد أن عالم الفيروسات هو عالم مليء بالمفاجآت و التغيرات في بنيتها ، وهذا ما نراه ويعيشه العالم اليوم أمام فيروس كورونا كوفيد 19 ، اعتقد الجيل الرابع من فيروسات كورونا ، وهو في نسخة جديدة خطيرة جدا ومميتة وقف العلم والعالم ككل عاجزا أمام مواجهتها طبيا ، وأعاد المنظومة الصحية العالمية إلى الطرق البدائية للوقاية وعلى رأسها الحجر الصحي التقليدي .
لكن فيروسات كورونا تعمل المخابر عالميا على متابعة مختلف الأجيال من هذا الوباء في نسخه السابقة ، وتتابع أيضا العلاقة بين مختلف اللقاحات والأدوية السابقة والمرض المستجد وطريقة تطوير لقاح مضاد ، كما تتابع الاوساط التي يتكاثر فيها الفيروس وتحوره من صورة لأخرى وفق كل بيئة ظهر بها.
وبالتالي من هذا المنطلق وتيرة البحث العلمي في مجال اكتشاف وتطويق الأمراض المعدية المفروض أن تكون على رأس الأولويات في الدول والحكومات ، لأنها اكبر خطر يهدد البشرية ، وقد يعطيك البحث العلمي فسحة للاكتشاف والتطوير ، لكن بظهور هاته الفيروسات القاتلة لا اعتقد ذلك ، فتضيق الأفق و تتراجع الإمكانات و الحيل لمواجهته في ظل غياب اللقاح والترياق المناسب .
^ماهي أهم نصيحة يمكن أن تقدم في مجال البحث العلمي واكتشاف اللقاحات والأمراض المعدية؟
^^ أود أن أوجه كلمة جادة للقائمين على القطاع الصحي في بلادنا خاصة ، يجب إعادة النظر في البنية التحتية لأهم المختبرات الصحية ، نحن بحاجة إلى وقفة جادة مع الذات أيعقل أننا لازلنا نعتمد على مخبر واحد وهو مخبر باستور والذي إذا صنفنا مجموعة مخابر باستور عالميا أمام نظيراتها الأمريكية والآسيوية و كذا الألمانية والسويسرية ، والصين التي يتوقع ان تحتل الصدارة في السنوات المقبلة نظرا للاهتمام الكبير الذي توليه للبحث العلمي بتخصيص ميزانية 200 مليار دولار ويتوقع أن تصل إلى 1000 مليار دولار سنة 2020.
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الفوارق من ناحية الإمكانيات من ناحية أيضا الرؤية العلمية ، لان هذه المختبرات مرتبطة ارتباطا وثيقا بمجال البحث العلمي ، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز فرنسا تقريبا بـ 40 سنة في مجال البحث العلمي بمعدل 4673 باحث لكل مليون ساكن ، وتخصص ميزانية ضخمة للبحث العلمي تتجاوز 400 مليار دولار ، فما بالك بخلاصة المنتجات الصيدلانية و الطبية ، لهذا يجب على الجزائر أن تتخلص من التبعية لهذه المختبرات التي باتت لا تقدم ولا تؤخر في مجال اكتشاف اللقاحات والأمراض المعدية والتأسيس لمختبرات وطنية محلية ، الم يكن العرب و المسلمون رواد الطب والأدوية في العالم ، إذا يجب أيضا مسايرة مختلف التطورات عالميا والانفتاح أكثر على الدول التي حققت مستويات نمو محترمة كالصين الشعبية وبعض الدول الآسيوية .
هناك أيضا قطيعة يجب أن توصل بين مختلف البحوث العلمية وبراءات الاختراع التي تسجل على مستوى وطني والاحتفاء بها وتثمينها والسير من اجل تطويرها ومختلف المؤسسات الطبية والصحية والمختبرات ، واعتقد هناك إرادة جادة من طرف الدولة الجزائرية مؤخرا بخلق وزارة منتدبة للمنتجات الصيدلانية وأنا اعتبرها أول خطوة في الطريق الصحيح ، أيضا على مستوى الصيدليات التابعة للخواص يجب أن تثمن وتعزز الاكتشافات الصيدلانية ولا تبقى الصيدليات عبارة عن متاجر لبيع وشراء الدواء فقط ، لان الصيدلي هو في الأساس باحث في مجال الأدوية وليس تاجر تجزئة للدواء ،يجب على وزارة الصحة ونقابة الصيدلة ومجلس أخلاقيات الصيدلة إعادة النظر في مهام الصيدلي بعيدا عن المنطق التجاري الذي بات يطغى على مهام الصيدلي ، وهذا ما نراه هذه الأيام للأسف الشديد كيف للصيدليات أن تفقد للمعقمات والهلام الخاص بالتنظيف والتطهير ، وهو من مهام الصيدلي لتحضيره على مستوى مخابر كل صيدلية ، يجب على الدولة أن تضرب بيد من حديد وتعيد ترتيب هذه المهام الصحية والاستثمار في أدق التفاصيل لبعث العلاقة الفعلية بين البحوث العلمية و إنتاج الأدوية واللقاحات واكتشاف مختلف الأمراض المعدية ومسايرة ما يدور على مستوى عالمي من اكتشافات ، لا أن نبقى نغرد خارج السرب .