طباعة هذه الصفحة

قصة قصيرة

الذكور والإناث

بقلم: عبد القادر رالة

كُنت جالسا لوحدي في المقهى، أتفرج على الناس يسيرون، منهم من يمشي ببطء، ومنهم المستعجل، ومنهم الواقف طويلا وبين الحين والأخر ينظر إلى ساعته، ومنهم من يتأمل في الناس والبنايات يفكر في أمر يشغله !...
كان الفصل ربيعا، والجو منعشا، يبعث على الحيوية والتفكير، الشهر الأخير منه، فأخرج صاحب المقهى بعض الكراسي أمام مقهاه ...
إني أندهش من أمر لا يحتاج إلى الدهشة! أمر بسيط، لكن نحن نعقده بتفكيرنا التافه؛ الرجال والنساء، الشيوخ والعجائز، البنين والبنات ...
إذن لماذا كانت زميلاتي في المدرسة تردن أن تكن ذكورا ؟ ويعبرن عن تلك الرغبة بحماس، ولا تزال حتى اليوم كثير من الفتيات يعبرن عن رغبتهن في أن يصبحن شباناً !
ولا يزال الرجل حتى اليوم يرغب في الذكور ولا يحب الإناث ! ما أغباني كنت أنا واحدا منهم !
أنا مؤمن والحمد لله، وأعرف أن الله هو الذي يهب الذكور، أو الإناث أو يجعل من يشاء عقيما.
إني أتذكر ذلك اليوم جيدا، لما اتصلت بي زوجتي بالهاتف وقالت بأن الفحص الطبي يقول بأن من يسكن بطنها بنت ...وصمتت .. وسكتُ أنا .. إنها تنتظر تعليقي ... قالت بهمس: هل أنت غاضب ؟ فقلت بغضب :  ـــ غاضب ! ولماذا أغضب، وهل الأمر بيدك أو بيدي .. تمنيت أن يرزقني الله ولدا وها هي بنت فالحمد لله ...
 غير أن  تغير ملامحي فضحني أمام زميلي في العمل فصوب بصره تجاهي متسائلا :  ـ خيرا إن شاء الله! فقلت بهدوء : ـ  تمنيت ولدا فرزقني الله بنتا ...
 ربت على كتفي ثم قال مبتسما :  ــ لو أعطانا الله الذكور فقط فمن نزوجهم ؟
 نعم ... تلك الكلمة أعادت لي توازني، لو كان جميع المولودين ذكورا لما كنت تزوجت أنا واستمتعت بالحب والمودة والزوجة !
 لو خلق الله الذكور فقط لما كانت حضارة وحياة واستمرار للجنس البشري ...
 لو خلق الله الإناث فقط لما كانت هناك حضارة وحياة واستمرار للجنس البشري ...
 لو جعل الله الجميع عقيما لفنيت البشرية في أول عهودها ...
 لكن الله العزيز القدير الحكيم يخلق بقدر، فيهب الأنثى، ويرزق الذكر، ويجعل من يشاء عقيما لحكمة لا نحيط بها نحن البشر المتضايقون من كل شيء !
 نظرت الى ذاك الرجل يمشي وبجانبه زوجته، وقد أمسك بيده اليمنى ولدا جميلا ، وباليسرى طفلة أصغر منه وجميلة أيضا ...
 تتبعي لهم أنساني كلية ما كان يشوّش عقلي من أفكار ...