إن تبعات كورونا الحقيقية لم تظهر بعد وهي ليست عدد من سيصابون بها أو ضحاياها فقط بل تأثيرها على التوازنات الدولية عموما، ففيروس كورونا رغم انتشاره عالميا الا أن العقل البشري سيتمكن في نهاية المطاف من احتوائه والسيطرة عليه من خلال ابتكار لقاح له وبالتالي سيتحول إلى مجرد فيروس عادي مثله مثل بقية فيروسات الانفلونزا.
يرى المتابع للأخبار ووسائل الإعلام العالمية الآن أن فيروس "كورونا"، والوباء التاجي المترتب عليه، أحد أكبر التهديدات غير التقليدية التي تواجه العالم في الوقت الراهن، إن لم يكن أكبرها بالفعل، وذلك على جميع الأوجه، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وسياسياً، فالانتشار الواسع لفيروس "كورونا" يُمثّل أخطر أزمة وبائية عالمية في الألفية الثالثة.
المرحلة الاولى التي تخطاها العالم كانت ولادة الفيروس وبدايات اكتشافه الأولى منذ قرابة الثلاثة أشهر في مدينة ووهان الصينية أواخر ديسمبر 2019، والآن تم الانتقال الى المرحلة الثانية وهي الانتشار، لكن في خضم هذا فان الصين وحدها انتقلت الى المرحلة الثالثة وهي الاحتواء فيما لا تزال دول العالم الاخرى بما فيها بلدان أوروبا والولايات المتحدة في مرحلة الانتشار.
وتبدو حالة عدم اليقين المحيطة بأزمة فيروس كورونا أكثر شدة، وتداعياتها أكثر خطورة، نظرًا إلى اتصالها مباشرة بصحة وسلامة أعداد كبيرة من البشر، ما يفرض على صناع القرار اتخاذ تدابير لمواجهة فيروس لم تتوفر بعد معلومات أساسية عن طريقة انتشاره، وقدرته على التحور، والمدى الزمني المتوقع لانتشاره، كما لم يكن معروفًا في الأسابيع الأولى فترة حضانة الفيروس، أي المدة التي تمر منذ أن يصاب الإنسان بالفيروس وحتى ظهور الأعراض عليه، وكل هذه المعلومات ضرورية من أجل تحديد آليات منع انتشاره.
وحتى الآن، لا تزال المعلومات عن أفضل سبل العلاج شحيحة، والتي تطورت بشكل أساسي على الخطوط الأولى لمواجهة الفيروس، وفي ظل ظروف شديدة الصعوبة، لا تنتشر بالسرعة الكافية إلى المجتمع الطبي على نطاق دولي، حتى تتمكن الدول المختلفة من إعداد التجهيزات الصحية اللازمة لمعالجة مرضاها والاتجاه نحو حكامة الصحة العالمية The Globel Health Governance.
لكن بعد فترة قد لا تطول كثيرا سيتمكن العالم من احتواء الفيروس كليا ويبتكر العلماء لقاحا له وبالتالي سينتهي كابوس كورونا للأبد.
والآثار العالمية لكرونا لن تقف عند احتواء الفيروس والسيطرة عليه بل ستمتد الى أبعاد آخرى منها الجانب الاقتصادي خاصة والذي سيؤثر مباشرة على الجانب السياسي، فالعالم اليوم حوّل البلدان وحتى القارات الى جزر معزولة عن بعضها البعض بل لا نبالغ إن قلنا إلى محميات، ووسط كل هذا فان العالم يتكبد خسائر كبيرة وضخمة لم يتم تحديدها بعد لكنه لم يعد قادرا على تحملها.
فمجال الطيران لوحده تجاوزت خسائره 150 مليار دولار، أما خسائر البورصات فقد تجاوزت 3000 مليار دولار نتيجة الهبوط السريع للأسهم يضاف اليها الهبوط الكبير لأسعار النفط.
ويُنبئ ما بدا على الأسواق العالمية من أداء، وحالة التخبط الشديدة التي دخلت فيها جميع هذه الأسواق، وخاصة أسواق المال والنفط، بأن الاقتصاد العالمي في انتظار المزيد من الخسائر. لكن برغم أنه ليس من المنطقي، أو أنه ليس بالأمر الجيد، التهوين من أمر الفيروس وخطورته على البشر وحياتهم، وعلى الاقتصاد والاستقرار العالمي ككل، فمن الضروري بمكان التأكيد على أن ما يشهده العالم الآن من خسائر اقتصادية، وأداء غير مطمئن في العديد من الأسواق، هو جراء حالة من التهويل والمبالغة في ردود الفعل بشأن الفيروس، والخوف الزائد عن الحد إزاء ما يمكن أن يترتب عليه من تبعات في المستقبل.
وهذه المؤشرات في مجملها تدل على أن فيروس "كورونا" ربما يكون قد دخل في طريقه إلى الانحسار الآن، وأن الأسابيع القليلة المقبلة قد تشهد بوادر حقيقية لانحساره وانتهائه بشكل تدريجي، ومن ثم تراجع مخاطره على الاقتصاد العالمي، مع ذلك فإن عولمة الأوبئة قد أعلنت على إمكانية دخول العالم لحلقة جديدة من حلقات العولمة ستكون تحت غطاء ما بعد العولمة أو العولمة العالمية الجديدة أو غيرها، ورغم أنه من المبكر إعلان "وفاة" العولمة، فلا شك أن تفاعلات أزمة فيروس كورونا ستعزز من التناقضات والتوترات التي تضغط عليها أصلًا، وتتسبب في المزيد من الأزمات الإنسانية والسياسية والاقتصادية في المستقبل المنظور.
سلط الانتشار الواسع للفيروس الضوءَ على المخاطر التي تُواكب ارتفاع وتيرة الحركة بين مختلف أركان الكرة الأرضية بسرعة وسهولة، والتي ارتبطت بتنامي حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين مختلف مناطق ودول العالم. لكنّ الإجراءات التي اتُّخذت لمواجهة الأزمة أظهرت أيضًا التداعيات السلبية لتوقف عجلة العولمة عن الدوران، وإغلاق الحدود، ووضع القيود على حركة الأشخاص. فيما اعتبره بعض المحللين عرضًا أوّليًّا أو "بروفة" لما قد يواجه العالم مستقبلًا إذا ما ساد التيار المناهض للعولمة، الصاعد بقوة في عدد من الدول، ولا سيما على الساحة الأمريكية بشكل خاص.
ويعود ذلك لأسباب متعددة، منها: أن بعض الدول ترى في أنشطة المنظمات الدولية تدخلًا في أمور تعتبرها سيادية. في حين ترى أخرى أنها تُحمّلها أعباء اقتصادية ليست مستعدة لها. بينما لا يقتنع عددٌ من الدول أصلًا بالعمل الدولي متعدد الأطراف، كما هو موقف الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس "دونالد ترامب".
مع كل هذا فان العالم مرتبك حاليا فالجامعات والمدارس وكل التظاهرات يتم الغاؤها وصناع القرار عاجزين عن التحرك أو السيطرة على الوضع، في خضم كل هذا فإن العالم مقبل على تغيرات كبيرة فبعد مرحة الحرب الباردة وسيطرة أمريكا والاتحاد السوفياتي تم الانقال الى مرحلة القطب الواحد فالنظام العالمي الجديد المتسم بالفوضى فإننا بعد كورونا بصدد الدخول في مرحلة جديدة لكنها هذه المرة لن تكون بالحروب والدمار لكن بطريقة جديدة وعنوانها الاساسي العملاق الصيني وصوننة السياسة العالمية.