طباعة هذه الصفحة

قمة الكـويت: الجملة المفيـدة؟!

بقلم: عيسى عجينة
01 أفريل 2014

ربّـما لأول مرّة منذ سنوات، نسمع جملة تعبّر عن موقف: «الأزمة السّورية أكبر من مسألة من يحوز على الكرسي الشّاغر»، إنّها الجملة المفيدة الوحيدة في القمّة.

قائلها هو السيد رمطان لعمامرة، وزير الشؤون الخارجية أثناء اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية أو بالأحرى بقايا الجامعة العربية حين اشتدّت المزايدات على مقعد سوريا بين الضّاغطين الخليجيّين وبين المعارضين على أسس قانونية وإجرائية قبل أن تكون سياسية.
أردتُ أن أبدأ هذه الخربشة بالتّذكير بموقف الجزائر هذا باعتباره يرفع مستوى النّقاش خلال قمّة هي أفشل لقاء عربي باهت، في ظرف تتقاذف فيه أمواج عاتية هذا الفضاء العربي، الذي يبدو أنّ مسؤوليه إمّا لا يعون خطورة الأوضاع، أو هم متورّطون عمدا في خلقها، وهو الأقرب للحقيقة والواقع.
السلطات البروتوكولية الكويتية كانت عقلانية حيث أبقت على علم الجمهورية العربية السورية جنب المقعد الشاغر، ذلك أنّ دمشق عضو مؤسّس للجامعة واللّقاء التّحضيري لمندوبي الدّول المؤسّسة لهذه المنظمة انعقد في بلدة بلودان بمنطقة الزبداني منتصف أربعينات القرن الماضي، هو تصرّف مسؤول بالفعل عكس قمة الدوحة التي استبدلته بعلم كائن ورقي تحت مسمى الائتلاف، وهو أيضا ولسخرية الأقدار علم الانتداب الفرنسي على سوريا!!
حاولتُ لدى قراءتي لبيان قمّة الكويت أن أتبين إن كانت هناك خطّة أو استراتيجية عربية منسجمة للتعامل مع الوضع العربي، أمنيا وعسكريا وسياسيا ودبلوماسيا. لم أعثر على شيء يشير إلى الوعي بهذا الواقع المتأزّم والمتردّي، مجرّد فقرات متناقضة ومتضاربة وكأنّ الأمر يتعلّق فعلا بترضية محاور متعارضة كانت حاضرة في اللقاء، كل محور يسعى لفرض مواقفه وآرائه.
الخليجيات بقيادة الرياض رغم الخلاف بينها وبين الدوحة سعت لفرض جلوس «الجربا» في مقعد سوريا، وهو مسعى مع الأسف يشاركها فيه نبيل العربي، الذي تحوّل إلى طرف في الأزمة وساق معه الجامعة العربية في اتجاه تفضيح الوضع، في حين تعارض مجموعة من الدول التي تسعى دوما إلى البحث عن حل سياسي من خلال دفع الطرفين، الحكومة والمعارضة للحوار أو للتفاوض في سبيل التوصل إلى حل ينهي المأساة.
المقاربات مختلفة ومتناقضة، وأحيانا تثير السّخرية والاشمئزاز، ففي حين نسمع خطابات عن محاربة الإرهاب ومنع انتشاره، فإنّ نفس تلك الخطابات تدعو وتصرّ على تشجيع المجموعات الإرهابية والتنظيمات المسلّحة في سوريا، بل نسمع موقفا سعوديا واضحا بتغيير موازين القوى على الأرض، وهو نفس موقف باريس ولندن وواشنطن.
وقد كنتُ أتمنّى حين سمح لرئيس الإئتلاف الخارجي بمخاطبة القمّة كأحد أطراف الصّراع أن يستدعى ممثل للحكومة السورية المجمّد مقعدها لشرح وجهة نظر الدولة السورية كطرف مقابل في هذا الصراع لقلنا إنّه توازن منطقي، وستكون القمة قد اتّخذت موقفا محايدا ولو شكليا.
كل العواصم المعنية الكبرى تتّفق على أن الحل للأزمة السورية لن يكون عسكريا، وحتى لخضر إبراهيمي جدّد أمام قمة الكويت هذه القناعة، فقط بعض الخليجيات لا تزال تتوهّم بحصول ذلك، وضمن هذا المنظور تعمد إلى مضاعفة تسليح مجموعات إرهابية التناقضات بينها تدفع إلى المزيد من التّدمير وارتكاب المجازر بحق المدنيّين دون أن يحدث توازنا بالمفهوم العسكري.
وفي الوقت الذي كانت القمة منعقدة في الكويت كان هناك تصعيد عسكريا بتورّط تركي مباشر شمال سوريا، وبالتحديد في جبهة اللاذقية. وقد كشفت تسريبات عن خطة مخابراتية للجيش التركي لخلق مبرر لتدخل عسكري مباشر من خلال تسرّب مجموعة داخل الحدود السّورية وقصف أماكن خالية داخل التراب التركي، والادّعاء بأنّ دمشق هي التي فعلت ذلك، ومن ثمّة إيجاد مبرر للهجوم العسكري على شمال سوريا، الذي اجتاحته كتائب إسلامية متطرّفة بمساندة نارية تركية وقادمة من الأراضي التركية، نفس سيناريو الرقة منذ سنتين.
ومرة أخرى، وبعد قرن بالضبط، يتعرّض الأرمن في شمال اللاّذقية لهجوم إرهابي مدعوم من الجيش التركي، الذي سبق له بين سنتي ١٩٠٩ ـ ١٩١٥ أن نفّذ مجازر بحق الأرمن وبعض الأشوريين الشركس ذهب ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون مواطن أرميني، الحوليات التاريخية تسجّل هذه المجازر كمحرقة للأرمن قبل المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية.
أود أن أقول، من خلال هذه الاستطرادات المتباينة التي تصب كلها في الواقع العربي، أنّ قمة الكويت رغم بعض الجمل والكلمات المعسولة في بيانها انتهت بفشل يعكس مرة أخرى سيطرة تيار جامد محنط على المصير العربي الذي تتقاذفه الأهواء.
الأزمة اليوم تدخل عامها الرابع، والثلاثة أشهر أو الستة لانهيار الدولة السورية كما راهنت على ذلك تركيا وقطر والسعودية انقضت، وكان ضحية هذه المراهنة أسيران في الدوحة وثالثهما في السعودية، وأعني هنا حمدو بن جاسم وبندر، وأيضا مرسي الرئيس الإخواني في مصر، وآخرهم كان روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا، وهو مرشد المعارضة الخارجية. هذا المصير يبدو أنّه أيضا يشكّل هاجسا للثنائي أردوغان ـ أوغلو.