صحيح أنّ التاريخ هو رصد لحركة الانسان في زمان ومكان معينين، ولكنه منبع الأسرار والحكم، وهو الأساس في التطور وكما قيل «من لا تاريخ له لا مستقبل له»، فالتاريخ يكشف لك أسباب نجاح الناجحين وسبب فشل الفاشلين، وعلى العموم فاستقراء لهذا الفشل أو ذاك النجاح ممكن تلخيص أسبابهما دون ذكر للحوادث التي استنبط منها هذا السبب.
١ - التّسرّع وعدم الاستشارة:
من أسباب النجاح والفشل هو التسرع والعجلة دون استشارة أهل العلم والعقل في كل الأمور إما لكبر أو خجل، فالقادة الذين فشلوا في تسييرهم ومعاركهم كانت تعتريهم العجلة واتخاذ القرارات الفردية الارتجالية بالرغم من امتلاكهم للقوة والقدرة اللازمتين حتى يكون حليفهم النجاح. فالعجلة والتريث يكونان سببا في النجاح والفشل، وكما قال:
القطامي عمرو بن شييم:
قد يدركُ المتأنِّي بعضَ حاجتِه
وقد يكونُ مع المستعجلِ الزَّللُ
وربَّما فات قومًا بعضُ أمرِهمُ
مِن التَّأنِّي وكان الحزمُ لو عجلوا
٢ - العجب بالنّفس:
قد يقول قائل: أمتلك قوّة عظيمة وفشلت في العديد من المرات؟ ما العمل إذا:
فالجواب: على الانسان أن يتعرّف على قدراته جيدا، بل يحتاج إلى المزيد من تطوير مهاراته وذلك يتأتى بالتدريب، فبالتدريب وحده يمكن للإنسان الوصول إلى مراده، المهم أن يتحلى بالصبر لأن طريق النجاح صعبة وشاقة ونفاذ الصبر يعني السقوط.
اعلم كل القادة والرؤساء كانت لهم القدرة على التفكير، ولكن يجب أن تعلم أن لكل منّا قوة محدّدة لا يستطيع تجاوزها ولكننا قادرون على زيادة قوتنا إن أحسنا استخدام قدراتنا استخداما صحيحا حتى نصل إلى مرحلة تمكّننا من تسخير طاقتنا لزيادة قوتنا على التفكير والابتكار والابداع، ونرتقي بمستوى اقتصاد بلدنا ومستوانا العلمي الذي يساعدنا على مسايرة ركب الدول المتطورة التي كان السبب في نجاحها هو العلم والعمل بأقصى قواتهم، فالبلاد بمقوّماتها وبثرواتها وقدراتهها قاعدة يخضع لها كل العالم مهما كان الاختلاف بينهم، حالها حال الجسد، فللجسد قدرات يمكن تقويها حتى تصل إلى حدود معينة لتجسيد طاقة الداخلية على شكل تزيد من طاقتهم (العقلية والقدرة على التفكير الفعال)، التفكير الذي يخوّلنا لكسب كل المسابقات وتجتاز كل العقبات التى تتعرض لنا والرهانات التي نخوضها، ولكن علينا أن نثق بقدرتنا حتى نفيد منها.
صحيح أن الدول في الوقت الراهن ترغب في التطور والرقي بسرعة كبيرة، ومثال ذلك يتجلى في:
تخيل أنّنا نواجه خصما وصل إلى قوة 100 % من حيث التكنولوجيا والعلم، فما مدى فرصتنا في الفوز؟ نستطيع القول أنّنا وصلنا إلى قوة 60 % من قوة العلم والتكنولوجيا، فإن احتمال نجاحنا أمام الخصم تعادل نسبة 40 % وهي نسبة زيادته علينا.
فالدول العظمى يزيدون من قوتهم دائما لأنهم يشعرون بأنهم يعيشون في سباق مع الزمن والعلماء، من مميزاتهم أنهم شغوفين متعطشين للابتكارات والاختراعات التي ترتقي بمستوى بلدانهم، وهذا هو مصدر قوتهم. وتزعم الدول أن من حقها الدفاع عن ما وصلوا إليه من التطور والرقي والتكنولوجيا بالطريقة التي تناسبهم، لذا يدفعون المبالغ الباهظة لاستقطاب العلماء والمفكرين في جميع المجالات من كل الدول.
٣ - التّحكّم في المشاعر:
ومن أسباب الفشل في كل الأعمال والمشاريع هو عدم ضبط النفس وأحاسسيها، وهنا يجب أن نحافظ على اندفاعنا وحماسنا لنضمن الوصول وتذوق طعم النجاح الذي نسعى إليه.
يجب على الإنسان المريد للنجاح أن يسيطر على مشاعره كالغضب والفرح والخوف والتعاسة والتلهف، فكلها مشاعر عليه أن يضبطها ضبطا جيدا ولا يسمح لردود الفعل العشوائية أن تتحكم في قراراته، وليكن التفكير العميق عنوانا لكل تصرفاتك، افهم ما يحدث من حولك وتصرّف استنادا الى فهمك حتى لا تضيع جهدك بسبب قرار متسرّع، العقل أولا جملة لطالما قلناها، والأهم هو العزيمة والاصرار إذا أردت زيادة قوتك، ولكن اختر الوقت ولا تحاول اللجوء إلى القوة إلا إذا دعتك الحاجة اليها.
٤ - عدم استخدام العلم والعقل في كل الأمور:
جملة تتردّد في قناة تلفزيونية كثيرا تقول: لا سبيل إلى الاجابة على الاسئلة إلا باستخدام العلم، جملة هي التي دفعتني لكتابة هذا المقال.
وأقول أن من أهم الأسباب الفشل هو إساءة التصرف وعدم استخدام القدرات العقلية والعلمية في كل المواقف.
قد يقول قائل: هل أفهم من كلامك أني أستطيع التغلب على خصم يفوقني قوة بشرط أن أحسن التصرف؟
قال لي: هل يستطيع صدرك أن يتصدّى لرصاصة؟
الجواب: مستحيل!
ــ ما السبب؟
لأن الصدر لا يتمتع بالصلابة الكافية لصد رصاصة!
إذا لأنه الطرف الأضعف قد تجد من يقول إن الرصاص لا يواجه إلا بالفولاذ، لأنه يتمتع بقوة لا تؤثر الرصاص فيه.
هذا صحيح تماما: ولكن تخيّل أن الظروف جمعتك يوما ما بعدو مسلح، وأنت أعزل من غير درع، هنا تبرز قوة العقل لتعوض عن قوة السلاح الذي يحمله الخصم.
قوة العقل في الوصول إلى نقطة ضعف الخصم واستغلالها حتى يفقد السلاح أهميته.
للقوة أهمية كبرى لا يمكن نكرانها ولا إلغاؤها، إلا أنه يمكن للعقل أن يعوض نقص قوتنا مثال في حرب اكتوبر 1973 لما منعت الجزائر والدول العربية البترول على الدول الامبريالية التي وقفت بجانب دولة اليهود لم يعد لمعداتها العسكرية من طائرات ودبابات وغيرها قيمة تُذكر بغير مواد الطاقة.
وباختصار شديد نقول: عقلك يعوض نقص قوتك، هذا الذي أستطيع تعليمه إياه ولا دور لي بعد الأن.