طباعة هذه الصفحة

الأستاذ فؤاد جدو لـ«الشعب»:

الجزائـر تـــؤمن بأهميــة العمـل الجماعي لمعالجة الأزمـة في ليبيـا

الشعب : إيمان كافي

تدخل الأزمة الليبية عاما جديدا دون التوصل إلى حل سياسي شامل وبالموازاة مع ذلك تُبذل على المستويين الإقليمي والدولي مساع حثيثة من أجل إحراز تقدم إيجابي يخدم مسار التسوية في القضية، ومن خلال هذا الحوار سنناقش مع الأستاذ فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة محمد خيضر، بسكرة، أهمية دور الجزائر ودول الجوار ودعمها للجهود الدولية على مستوى الأمم المتحدة في اتجاه التقريب بين أطراف الصراع من أجل التوصل إلى حل سياسي سلمي يضمن وحدة الشعب الليبي وسيادته، بعيدا عن أي تدخل أجنبي وينأى بليبيا والمنطقة عن أية حروب محتملة.

-تؤكد الدبلوماسية الجزائرية في كل مرة وقوفها على نفس المسافة من أطراف الأزمة الليبية مع دعمها للخيار السلمي ورفض التدخل الخارجي بغية إعادة مسار الحل في ليبيا إلى الطريق الصحيح، ما تعليقكم؟
الأستاذ فؤاد جدوى: من الأساسيات والمتعارف عليه أن الدبلوماسية الجزائرية تقوم على مبدأ حل الأزمات بطريقة سلمية، وهذا المبدأ ليس وليد اليوم، بل راسخ في السياسة الخارجية الجزائرية، منذ استقلالها وبالتالي مع بداية النظام السياسي الجديد في الجزائر والتطورات الحالية للأزمة الليبية تحركت الدبلوماسية الجزائرية بهدف احتواء الموقف وإيجاد مخرج سلمي بين الفرقاء في ليبيا، خاصة أن هناك أطرافا خارجية تدعم إما حفتر أو حكومة السراج وأعتقد أن الجزائر تدرك جيدا أن الوضع في ليبيا يتطلب توسط الأمور وحلها بشكل عقلاني وبحكمة حتى لا تتأزم الأوضاع أكثر في ظل تضارب المصالح الدولية والإقليمية في ليبيا من جهة وخطر التمدد الإرهابي في المنطقة من جهة أخرى.

الجزائر على مسافة واحدةمن أطراف الأزمة


- يعتبر إقناع الإخوة الفرقاء بوقف القتال والانخراط في حوار ليبي ليبي الخطوة الأولى نحو طريق إنهاء الأزمة، كيف يمكن للجزائر أن تلعب دورا في ذلك؟
 أظن أن الجزائر تؤمن بالعمل الجماعي في حل الأزمات الدولية من خلال الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، كما تقدم مبادرات بشكل مباشر في حالات أخرى والأزمة الليبية هي أحد الأزمات التي تحركت فيها الجزائر من خلال العمل الجماعي، وهي المشاركة في مؤتمر برلين والذي قدم تصوّرات جماعية لحلول الأزمة في ليبيا، كما قدمت تصورات من خلال الاتحاد الإفريقي بالإضافة إلى تحركاتها لاستقبال الأطراف الليبية في محاولة للتوسط بينها وبالتالي مدركات هذه الأزمة لدى الطرف الجزائري والجزائر من خلال هذه الآليات تعد طرفا أساسيا في الحل السياسي والاجتماع بين الأطراف المتنازعة هو أول خطوة في انتظار بناء تفاهمات ثنائية أو جماعية للأطراف اللّيبية والتي ستمكن من حل الأزمة بتقديم تنازلات والتأسيس لميثاق مشترك للحل السياسي، لأن الأطراف الليبية لوحدها تدرك بأنها بالحرب لن تحسم المسألة والأزمة التي طال أمدها وبالتالي فالحل المقبول هو الحل السياسي وهذا مسعى الجزائر في ذلك.
- التأزّم اللّيبي مردّه إلى التدخّل  الخارجي، حيث باتت ليبيا ساحة لحرب مصالح يخوضها اللّيبيون بالوكالة عن دول أخرى، فهل يمكن حسم الأمور بحل داخلي لصالح إعلاء ليبيا؟
 مسألة حسم الأمر داخليا بدون الأطراف الخارجية أمر غير ممكن أو مستبعد لأن الأطراف الداخلية لها ولاءات خارجية تساندها، كما أن غياب الدولة لعقود في ليبيا وخصوصية المجتمع الليبي الذي يقوم على البعد القبلي زاد من حالة التعصّب والانفلات الأمني وبالتالي بناء أي تفاهم داخلي لابد أن يكون بشراكة أطراف الأزمة الليبية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع ضرورة إدراك الأطراف الليبية على وحدة الصف ووقف هدر الدم الليبي وهذا ما تركز عليه الجزائر في بناء حلولها وتصوراتها للأزمة الليبية، لكنه يتطلب أيضا جهدا ووقتا أطول وبالتالي فإن العمل الدبلوماسي أعتقد أنه يرتكز على بناء تصورات جماعية تراعي مصلحة ليبيا أولا.
- دول الجوار اللّيبي: الجزائر وتونس تحديدا مطالبتان بدعم الخيار السلمي والذود عنه من باب وقف نزيف الحرب اللّيبية التي امتدت لعامها التاسع وظلت معلقة دون حل ومن باب حماية أمن حدودها الإقليمية أيضا، فما السبيل لتفعيل آليات التعاون المشترك لحل الأزمة؟
 أكيد أن التعاون الجزائري التونسي أمر ضروري في معالجة الأزمة الليبية وهذا أحد الملفات التي تناولها الرئيس التونسي في زيارته الأخيرة للجزائر لأن الإرهاب وامتداد الجماعات الإرهابية يمس بأمن البلدين وبالتالي التنسيق الأمني والسياسي أساسي بين البلدين رغم أن تعاونهما في هذا المجال قديم وليس بالأمر الجديد، لكن الأمر يتطلب جهدا أكبر وتنسيقا فعالا وهذا لا يكفي لأن سبب الإرهاب والانفلات الأمني سيبقى قائما ما دامت لم تحل الأزمة الليبية بشكل نهائي بما يساهم في تحقيق السلام في المنطقة.
ربما عدم حضور تونس أو تغييبها في مؤتمر برلين خطوة يمكن استدراكها بالعمل الثنائي بين الجزائر وتونس بهدف تعزيز وجهات النظر والعمل على الدفع بالحلول السلمية نحو الأمام، وبالتالي العمل يرتكز على تنسيق المواقف وتقريب وجهات النظر بين الأطراف ودعم الجهود الدولية على مستوى الأمم المتحدة.

تبني الحل السياسي خطوة نحو انفراج الأزمة

- اقترح مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي ثلاث مبادرات لحل الأزمة اللّيبية، ما هي هذه المبادرات، وهل تتوّقعون أن تمضي بالمفاوضات نحو سكة الحل؟
 الاتحاد الإفريقي أحد الآليات لحل الأزمة الليبية وربما من خلال ما قدمه من قبل في اتفاقية الصخيرات وقبلها أيام النظام السابق، حاول كذلك وآخر قمة للاتحاد الإفريقي المنعقدة، منذ أيام أيضا دعت لحل الأزمة الليبية ولكن التحرك الإفريقي في هذه الأزمة سيكون داعما للحلول السلمية بدون تقديم آليات فعلية للحل، خاصة أنها ستصبح متضاربة مع الدور الأممي والذي أعتقد أنه الأكثر شمولية مقارنة بالدور الإفريقي وبالتالي الاتحاد الإفريقي أظن أنه يفتقد لآليات الحل المباشر، لأن أطراف الأزمة في ليبيا هي أبعد من إفريقيا وبالتالي إن دورها سيكون داعما ليس أكثر للحلول السلمية، لأننا لو تمعنا في مبادرات الاتحاد الإفريقي سنجدها تدور في إرسال قوة إفريقية ونحن ندرك قدرات القوات الإفريقية في أزمة مثل ليبيا التي توجد فيها أسلحة أكثر تطورا من بعض الدول الإفريقية وبالتالي التصورات لن تتجاوز التعاون ودعم المبادرات الأممية.
- قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، خلال اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي، إن الأزمة اللّيبية أسهمت في وصول الجماعات الإرهابية وانتشار الأسلحة، فما هي عواقب النزاع اللّيبي على منطقة الساحل؟
 ما صرّح به الأمين العام للأمم المتحدة، هو أمر صحيح، لأن تدفقات الأسلحة وعدم احترام حظر إرسال السلاح لليبيا سيوّسع من دائرة نشاط الجماعات الإرهابية التي تتحرك في الساحل الإفريقي، والذي عرف تزايدا في هجمات المجموعات الإرهابية ضد القوات المالية والفرنسية في المنطقة مؤخرا وبالتالي مع الانفلات الأمني وانتشار السلاح في ليبيا ويضاف لها إرسال قوات من أطراف دولية سيؤدي إلى تعقيد الوضع مع الامتداد الجغرافي في الصحراء ومنطقة الساحل الذي يصعب مراقبته أو التحكم فيه، وهذا سيجعل الأمر أكثر تعقيدا ويخلق خط أو قوس أزماتي بالمنطقة يجعل من الجريمة المنظمة والإرهاب والهجرة كلها تتقاطع في هذه الممرات الصعبة أمام محدودية دول الساحل الإفريقي في مواجهة هذه التهديدات وتراجع بعض الدول عن التزاماتها الدولية لدعم دول الساحل الإفريقي لمواجهة الإرهاب في المنطقة فالأمر جد معقد.
- بالعودة إلى الجزائر، ألا ترى أننا أمام خطر كبير، نذر حرب في ليبيا وإرهاب يتمدّد في الساحل، فكيف السبيل لمواجهة هذا الخطر؟
 الجزائر تدرك جيدا طبيعة التواجد في منطقة متأزمة وذات حدود غير مستقرة وليس أمام الجزائر، إلا حلّين الأول دعم الحدود الجزائرية بدول الجوار من خلال التعزيزات الأمنية وضمان أمن الحدود بما لها من خبرة في هذا المجال، بالإضافة إلى مواصلة التعاون الدبلوماسي وتقديم مبادرات لحل الأزمة لأن العواقب وخيمة في حالة تأزم الوضع.