أكّد النّاشط الجمعوي بولاية باتنة، سمير بوراس، رئيس جمعية شباب أصدقاء بلدية باتنة، المهتمة بالشؤون الثقافية، أنّ التسارع المذهل للتكنولوجيات وسطوة العولمة زادا من خطورة انقراض التراث بفعل التجاذبات الاقتصادية والسياسية، خاصة ما تعلق بجانبه الهش أي اللامادي، لذلك «فمن الضروري حفظه لأنه يمثل الهوية الثقافية الجماعية «.
لحماية هذا التراث المادي واللامادي من التخريب والسطو والاندثار، يرى بوراس في تصريح لجريدة «الشعب»، أنّه يجب على الجميع كل في مكانه وعلى مستوى دوره، إطلاق حملات تحسيسية لجمع التراث الشعبي والإستثمار الفعلي لها بهدف إحيائها، وكذا توفير جميع الإمكانيات لحماية المواقع وبقايا البنايات المشيدة في مختلف الحضارات التي مرت بها الجزائر لتجنيبها عمليات السرقة الممنهجة لهذه الآثار.
وبخصوص حماية الشق المعنوي للتراث، والذي يسمى اصطلاحا باللامادي لأنّه مرتبط أساسا بعادات الناس وتقاليد تتناقلها الأجيال، فأفضل وسيلة لحمايته حسب محدثنا هي «كتابتها وحفظها في مؤلفات وتسجيلات لتدرس للأجيال في مختلف المراحل التعليمية كالأدب الشفوي من فنون كالأغاني والسير والأمثال والأساطير والخرافات»، حيث يمثل هذا التراث الثري الذي تزخر به عاصمة الاوراس، يقول رئيس الجمعية، كنزا ثمينا خلّفه الأجداد من آثار ومنشآت دينية كالمعابد والمقابر والمساجد والجوامع، والمباني الحربية والمدنية كالحصون والقصور، والأبراج والأسوار، والتي تُعرف بالآثار الثابتة إلى جانب الأدوات التي استخدمها الأسلاف في حياتهم اليومية، والتي يُطلق عليها الآثار المنقولة.
ويرى بوراس الذي قامت جمعيته بمبادرات كثيرة في مجال الحفاظ على التراث والتعريف به، أن للمجتمع المدني خاصة الجمعيات الثقافية دورا هاما في المساهمة في الحفاظ على هذا التراث، ونقله للأجيال القادمة على غرار ما تقوم به جمعيته شباب أصدقاء بلدية باتنة، من خلال تنظيم الملتقيات العلمية الأكاديمية كل سنة بالتزامن مع شهر التراث بحضور دكاترة في الاختصاص، ورفع توصيات للجهات المعنية وإشراك مختلف وسال الإعلام في المبادرات لما لها من دور حساس في عملية الترويج والتحسيس.
توظيف التّراث في السّياحة والثّقافة
دعا برواس إلى توظيف تراثنا في السياحة والثقافة بهدف «خلق بدائل ثروة جديدة، كجميع الدول التي تحترم تاريخها وحضارتها ولارتباط التراث بالسياحة ارتباطا وثيقا لأن أغلبية السياح يفضلون الوجهات الغنية بالمعالم والآثار، لذا وجب إعادة النظر في سياسة تسيير وتسويق معالمنا التراثية لأنها تمثل مصدر دخل كبير وبالعملة الأجنبية من خلال ترميمها وتوفير هياكل استقبال وترفيه بها لجلب واستقطاب أكبر عدد ممكن من الزوار»، يضيف بوراس سمير، الذي يقترح في هذا الصدد دعم الصناعات التقليدية والحرف اليدوية، وتوفير بنوك دعم خاصة بها لرفع اليد العاملة المحترفة، وخلق أسواق جديدة لها من خلال تشجيع جبائي .»
ويجزم محدثنا بالقول أنه لو تضافرت جهود الجميع لأصبح التراث الوطني وخاصة بمنطقة الأوراس أحد المصادر المهمة للدخل الوطني مثلما هو الحال في بلدان كثيرة من العالم، وهذا لما تزخر به من مواقع ومتاحف وإرث حضاري، وهو يتكامل مع قطاع السياحة الذي يدر سنوياً ملايين الدولارات على بعض البلدان التي لا تملك هذا الزخم الذي تملكه الأوراس.
وبما أننا، يقول، أحوج إلى تنويع مصادر الدخل أكثر من أي وقت آخر يضيف محدثنا، «فالرهان على التراث المادي واللامادي أمر واقع لا مفر منه، لذا أصبح فتح المجال أمام الإستثمار في مجال إحياء التراث وترميم العديد من المواقع الأثرية، وإنشاء مؤسسات خاصة وعمومية لتسييرها وحمايتها تحت إشراف مباشر من الدولة من أجل النهوض بقطاع السياحة وجعلها أولوية اقتصادية، حتمية لا خيار، إضافة إلى دور الحرف والصناعات اليدوية في خلق فرص عمل وتطوير الصناعات التقليدية والمحافظة على التراث الوطني، وما التجارب والحلول التي انتهجتها معظم دول العالم أثبتت الأهمية الاقتصادية وأثرها على رفع الدخل.
جهود تحتاج إلى اهتمام
وعن تقييمه لمجهودات الجهات الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة في الحفاظ على هذا التراث وتطويره، فقد ثمّن بوراس الجهود التي تبذلها الجزائر من خلال وزارة الثقافة ومختلف الهيئات الرسمية في سبيل حماية تراثنا الثقافي، ومساهمتها في التعاون الدولي لتحقيق نفس الأهداف، حيث كانت بلادنا أول دولة في العالم تصادق على اتفاقية 2003 لحفظ التراث، لما توفره الجزائر من وسائل مادية وإمكانات بشرية عاملة في هذا القطاع، ناهيك عن الترسانة القانونية التي تصب كلها في مجال حماية وحفظ التراث، في انتظار المزيد في سبيل جمع وتوثيق التراث.
وحرص الأستاذ بوراس خلال حديثه عن هذا الموضوع، على الدور الكبير للمؤسسات التعليمية لتحسيس الأطفال حول أهمية التراث وعلاقته بتاريخهم بهدف الحفاظ عليه والتمسك به، من خلال إدراج مواد تعليمية وتربوية تعنى بالتعريف بالتراث الثقافي والطبيعي، وكذا تنظيم ورشات بمختلف المؤسسات الجوارية من دور شباب وثقافة لترسيخ قيم حماية الموروث الشعبي، وكذا زيارات ميدانية لمختلف الآثار.
رغم تأكيد بوراس على أهمية التراث المادي واللامادي، إلا أنه يسجل غياب مؤلفات حول التراث، وكذا في الأعمال الفنية في السينما للترويج لتراث منطقة الاوراس وطنيا ودوليا، حيث يوجد بعض الإجحاف بخصوص المؤلفات التي تناولت التعريف بتراثنا وكذا الأدب الشعبي لكن المسرح الجزائري هو الأكثر توظيفا للتراث عن غيره من الأنواع الأدبية، وهذا ما تناوله الدكتور تليلاني في الفصول الخمسة لكتابه، وفي مباحثه مباحث مسألة توظيف التراث في المسرح الجزائري، فحاول الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بصور حضوره، وبدوره في التعبير عن الواقع الجزائري المعيش، وذلك من أجل تقييم مدى وعي المسرحي الجزائري بمعطيات العناصر التراثية المستلهمة، ومدى وعيه بالواقع المعيش الذي يحاول إعادة إنتاجه من خلال العناصر التراثية المستلهمة في المنتج الإبداعي، كما حاول تقديم دراسة الطاقات التعبيرية والجمالية التي حققها توظيف التراث في المسرح الجزائري، وخاصة في الجانب المتعلق بتوظيف الأشكال التراثية مثل القوال والحلقة.