اعتبر أستاذ القانون الدستوري خالد شبلي في حوار خصّ به «الشعب»، بأن مراجعة الدستور «ضرورة ملحة في الراهن الجزائري، ولنجاح هذه المحطة المصيرية في الانتقال والتحوّل الديمقراطي»، مشدّدا على ضرورة أن يتم «ضمن مخرجات حوار واسع ومعمق»، واقترح في السياق «تمحور عمل لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مقترحات مراجعة الدستور، على تشخيص الاختلالات الدستورية الموجودة لتداركها في المستقبل».
«الشعب»: حدّد رئيس الجمهورية الخطوط العريضة لمراجعة الدستور، لدى إسناده إلى لجنة أحمد لعرابة مهمة إعداد المقترحات، انطلاقا من خبرتك كمتخصص في القانون، ما هي قراءتكم للزوايا التي حدّدها؟
الأستاذ خالد شبلي: لتسهيل معرفة واستقراء فلسفة وتصورات الرئيس عبد المجيد تبون وفريق عمله، لمشروع مراجعة الدستور المنتظرة أن يبادر به على الرأي العام، يستوجب البيان بأنه، التزاما بتعهداته في حملته الانتخابية، حدّد الرئيس، في رسالة التكليف لهذه اللّجنة، محاور سبعا للتفكير - على سبيل الإرشاد - وليس على سبيل الحصر، والتي «يتعين أن تحرص عليها اللّجنة التقنية»، تتمثل في:
المحور الأول، يتعلّق بالحقوق والحريات العامة بإعطاء مضمون ومعنى للحقوق والحريات المكرسة، وبشكل أخصّ حماية حرية التظاهر السلمي وحرية التعبير وحرية الصحافة المكتوبة والسمعية - البصرية وعلى الشبكات المعلوماتية، على أن تمارس بكل حرية ولكن دون المساس بكرامة وحريات وحقوق الغير».
وبالمعنى القانوني التقني مراجعة الفصل الرابع من الدستور والموسوم بــ« الحقوق والحريات»، سيما المواد 47-48-49-50 منه، ومع إمكانية مراجعة الفصل الخامس والمعنون بــ«الواجبات»، المادة 77 منه، من الباب الأوّل والمتعلق بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري.
المحور الثاني; فيدور حول أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد عن طريق «دراسة واقتراح آليات من شأنها تفادي تضارب المصالح بين ممارسة المسؤوليات العمومية وتسيير الأعمال وذلك من أجل إبعاد نفوذ المال عن تسيير الشؤون العامة»، ولا يتأتى هذا إلا بتوسيع قانون حالات التنافي بموجب مواد دستورية صريحة، وعدم الاكتفاء بصريح الإحالة المنصوص عليها في المادة 120 من الدستور، والمتعلقة بالتنافي مع العهدة البرلمانية فقط، مع إعادة النظر في المادة 23 من الدستور، والتي تحيل على القانون تحديد كيفيات تطبيق هذه الأحكام.
كما جاء في رسالة الرئيس «يجب أن تشمل الدراسة أيضا إيجاد الوسائل الكفيلة بتعزيز آليات الوقاية من الفساد ومكافحته، بما في ذلك إشراك المجتمع المدني في عمل التطهير العمومي هذا»، فضلا عن أنه «يتعين أن يوسّع التفكير إلى إعادة الاعتبار لمؤسسات الرقابة وتقويتها، بما يضفي على نشاطها أكثر فعالية في حماية الممتلكات والأموال العامة».
وهنا يستنتج الدعوة إلى تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية والمدسترة مؤخرًا بموجب تعديل 2016، وكذا إعادة النظر في الفصل الأول من الباب الثالث المعنون بـ«الرقابة»، لاسيما المادة: 192 منه، والمتعلقة بمجلس المحاسبة، وكذا الفصل الثالث من هذا الباب والمعنون بــ»المؤسسات الاستشارية» لاسيما المادتين : 202-203 منه، والمتعلّقة بالهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته.
المحور الثالث، ويخص الفصل بين السلطات وتوازنها، فإنه يستوجب إعادة النظر في الباب الثاني من الدستور المعنون بـ»تنظيم السلطات»، لاسيما المواد المتعلقة بسلطات رئيس الجمهورية (المواد 91-92-93 منه)، وكذا المادة 94 من الدستور.
وبالنسبة للمحور الرابع المتعلق بالرقابة البرلمانية، ومن خلال رسالة السيّد الرئيس، نلاحظ أنها تتعلق بمراجعة المواد التي كانت مدار جدل لاسيما المادة 114 من الدستور، والتي تمّت إضافتها بموجب تعديل 2016، ولكن وللأسف تمّ إفراغها من محتواها فيما بعد عن طريق النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان، وجعلت المعارضة لا تثق في الإصلاحات الدستورية التي تأتي من الجهاز التنفيذي، وكذا رفع القيود على لجان التحقيق البرلمانية، بالإضافة إلى مراجعة الدور التشريعي لمجلس الأمة وكذا تشكيلته.
المحور الخامس المتعلق باستقلالية السلطة القضائية، يستوجب مراجعة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء لإبعاده عن التأثير المباشر للهيئة التنفيذية، وإعادة الاعتبار لدوره في تسيير سلك القضاة، وهنا يستوجب مراجعة المواد : 173-174-175-176 من الدستور.
أما بخصوص المحور السادس المتصل بتعزيز المساواة بين المواطنين أمام القانون، فتتعلق بـ»مراجعة نطاق الحصانة البرلمانية من خلال حصرها في النشاط البرلماني بالمعنى الدقيق للمصطلح والذي يستثني كل الأفعال التي ليس لها علاقة مباشرة بالمهام البرلمانية»، وهنا يستوجب مراجعة المواد 126-127-128 من الدستور.
وفيما يخص الجالية الوطنية المقيمة بالخارج، مراجعة المادة 63 من الدستور، والمتعلقة بشرط استثناء مزدوجي الجنسية من تقلد مسؤوليات عليا في الدولة والوظائف السياسة، والتي أضيفت مؤخرًا بموجب التعديل الدستوري لعام 2016.
ويحيل المحور السابع المتصل بالتكريس الدستوري لآليات تنظيم الانتخابات إلى ضرورة مراجعة المادة 194 من الدستور.
وكحوصلة عامة، فإن هناك حوالي 27 مادة دستورية ستكون محل تعديل جوهري من منظور كاتب هذه الرسالة، وكقراءة إجمالية، بالرغم من أنّ هذه المحاور جاءت على سبيل الإرشاد، فندعو لتوسيع مجال المراجعة بطرح أسئلة أكثر أهمية والبحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الشعب الجزائري للخروج في مسيرات شعبية منذ 22 فيفري 2019، في حراك مبارك ضد القوى غير الدستورية، من قبيل كيف يكون الدستور المرتقب ديمقراطيًا، وكيف يمكن حمايته من الخروقات مجددًا؟ ولماذا يجب أن يكون دستورًا استشرافيًا؟، وهل نحن بحاجة لدستور تفصيلي (برنامج) أو دستور قانون (موجز)؟ وهل يمكن تحميل رئيس الجمهورية المسؤولية السياسية أو الجنائية مادام يعتبر المركز الحقيقي والفعلي للسلطة في الدولة أو التقليل من سلطاته وصلاحياته الواسعة وجعل تصرفاته وأعماله محل توقيع وزاري حتى تتحمّل الحكومة المسؤولية عنها مثلاً، كما طرح هذه التوصية البروفيسور الأمين شريط في خاتمة رسالته الموسومة بـ»خصائص التطوّر الدستوري في الجزائر» منذ أكثر من ثلاثة عقود.
- كيف يساهم تعديل الدستور الذي يعدّ حجر الزاوية في تشييد الجمهورية الجديدة وفق ما جاء في بيان رئاسة الجمهورية في تحقيق مطالب الشعب؟
مراجعة الدستور من شأنها أن تساهم في «وضع أسس حقيقية لبناء صرّح جزائر جديدة»، ذلك أن هناك ضرورة ملحة للانتقال من «النظام الرئاسي المغلق»، إلى نظام رئاسي أو شبه رئاسي أو حتى نظام برلماني واضح المعالم، عن طريق التكريس الفعلي لمبدأ الفصل ما بين السلطات جامدًا كان أو مرن، واسترداد البرلمان لسلطته التشريعية ودوره الرقابي وكذا استقلالية السلطة القضائية عن طريق استقلالية المجلس الأعلى للقضاء والحماية الدستورية للقاضي»، وكما أنّ دولة الحقّ والقانون تستوجب «تفعيل آليات الرقابة الدستورية، سيما دور المجلس الدستوري ومجلس المحاسبة.
وبالرجوع إلى الماضي، نرى بأن فشل التجربة الدستورية الجزائرية راجع بدرجة كبيرة إلى وجود ثغرات قانونية أدت إلى التلاعب بالإرادة الشعبية، لذا فإن عمل لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مقترحات التعديل الدستوري، يستوجب أنّ يتمحور، «على تشخيص الإختلالات الدستورية الموجودة لتداركها في المستقبل»، وتقديم المقترحات بناءً على ذلك؛ الحلول الحقيقية والناجعة، وفقا لمشروع مجتمع متجدّد، لذلك يجب أن يرافق عمل هذه اللجنة نقاش واسع، فالدستور ما هو إلا وثيقة لعقد اجتماعي سياسي جاءت في شكل مواد وبنود قانونية، تؤسس لعلاقة الثقة، وحماية للحرية، فالخبراء التقنيون دورهم صياغة وهندسة نظام وفق نظرة المجتمع السياسي وبكل أطيافه..
- ما مدى أهمية التعديل الدستوري بالنسبة للجزائر في الظرف الراهن، وما هي المقترحات التي قد تكون إضافة؟
للتعديل الدستوري أهمية ملحة في الراهن الجزائري، ولنجاح هذه المحطة المصيرية في الانتقال والتحوّل الديمقراطي، يشترط أن تكون هذه المراجعة ضمن مخرجات حوار مجتمعي واسع ومعمّق، يضم جميع النخب والفواعل والفعاليات الوطنية وممثلي المجتمع المدني والطبقة السياسية.
أما فيما يخصّ منطلقات ومضامين الإصلاحات الدستورية، نرى بضرورة القطيعة مع الدساتير السابقة، والتي أخيطت على المقاس، حيث أنه لم يتم استشارة الشعب فيها، وضمن هذا الإطار يستوجب التنصيص على: «تجريم خرق الدستور، وذلك بوضع مواد قانونية جديدة في صلبه، وكذا تكريس مبدأ الانتخاب بدل التعيين في جميع المؤسسات الدستورية، رقابية كانت أم استشارية، إضافة إلى دسترة مجلس أعلى للتربية لحماية الأجيال والنشء من التجاذبات السياسوية».
أضف إلى ذلك تفعيل أدوات الرقابة المتبادلة ما بين السلطات، على غرار ملتمس الرقابة والتصويت بالثقة ولجان التحقيق البرلمانية...
هذه بعض النقاط، كما لنا مقترحات مشتركة مع زملاء وإخوة سنحاول إرسالها، بشكل رسمي إلى أعضاء لجنة الخبراء إذا طلب من الأكاديميين المساهمة في عملهم.
- الدستور بشكله الجديد سيخضع لاستفتاء شعبي بعد مروره عبر البرلمان، ما مدى أهمية هذه الخطوة؟
هذا الإجراء جوهري ومهم، منصوص عليه دستوريًا وفقًا لمقتضيات الباب الرابع سيما المادتين 208-209 من الدستور الحالي، كون أن المراجعة للدستوري عميقة فإنه يستوجب عرضه للاستفتاء الشعبي خلال الخمسين (50) يومًا الموالية لإقراره، بعد أن يصوّت عليه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بنفس الصيغة، حسب الشروط نفسها التي تطبق على نصّ تشريعيّ.