مثلما وعد بتجسيده ميدانيا، شرع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في المشاورات مع الشخصيات الوطنية والفاعلين السياسيين حول مراجعة أسمى قوانين الجمهورية.
وسبق للرئيس أن أكد، غداة توليه مهامه الدستورية بصفته القاضي الأول للبلاد، أن يده ممدودة للعمل والتشاور مع مختلف الفاعلين، بما فيها المعارضة، في سبيل التوصل إلى توافق حول الدستور الأنسب لإقامة الجمهورية الجديدة.
ولم يستبعد الرئيس إجراء حوار مع «الحَراك» للخروج بأرضية صلبة تشكل المنطلق الأسلم لورشات التغيير التي تحتل فيها مراجعة الدستور أولوية قصوى.
في هذا الإطار، تدرج مساعي استقبال تبون لرئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، الدبلوماسي والوزير الأسبق عبد العزيز رحابي، وقبلهما أحمد بن بيتور رئيس حكومة سابقا، في انتظار شخصيات سياسية أخرى، قادة أحزاب وممثلي المجتمع المدني. كل ذلك، من أجل الاستماع إلى مختلف الآراء بشأن ورشات إصلاح النظام السياسي، آليات الحكم وصلاحيات السلطات والرقابة البرلمانية وغيرها من التدابير الكفيلة بتعزيز الممارسة الديمقراطية التي تحمي الحقوق وتصون الحريات.
نذكّر بالمناسبة، حرص الرئيس على العمل مع الجميع، سعياً لتجسيد مطالب شرعية رفعت شعاراتها خلال المسيرات السلمية وهتفت بها الحناجر عاليا، تنشد التغيير الجذري للمنظومة السياسية، الاقتصادية والقانونية، تبدأ بمراجعة وثيقة الدستور، تكرس الديمقراطية الواسعة وتفتح المجال للمعارضة بإسماع صوتها، وتترك الفرصة للسلطة التشريعية لتأدية دورها كاملا غير منقوص، بعيدا عن احتكار القرار من السلطة التنفيذية وحصر كامل الصلاحيات في إدارة شؤون الدولة والرعية في منصب رئيس الجمهورية.
تظهر من خلال برنامج العمل للرئيس تبون، إرادة سياسية استشرافية في إصلاح هذا الخلل جذريا باعتماد دستور قانون، تتولى تحضيره لجنة خبراء برئاسة القانوني أحمد لعرابة، وليس دستور برنامج، صالح لفترة زمنية محدودة. هو دستور يعمّر طويلا، يعوّل عليه في استكمال الدولة الوطنية، يسمح بالفصل الفعلي بين السلطات، يحدّد العهدة الرئاسية بصفة تؤمِّن البلاد من أيّ انحراف استبدادي ويفتح المجال لتباري البرامج الانتخابية وفوز من هي أقرب للمواطن وأكثرها تكفلا بهمومه ومشاكله بعيدا عن نفوذ المال وسلطة الجاه.
حسم برنامج تبون هذه المسألة نهائيا، مجيبا عن أيّ شروط يتوجّب توفرها لتولي المهام والمسؤوليات في الجمهورية الجديدة، من القاعدة إلى القمة، واضعا خطوطا فاصلة بين المال الفاسد والسياسة، في مشهد يفرض أخلقة العمل السياسي والحياة العامة، في جزائر مقبلة على ورشات إصلاح شامل للدولة بمؤسساتها، سياستها وخياراتها الإستراتيجية التي تتخذ من نوفمبر مرجعية وبوصلة لها وقت الشدائد وتتخذ من صعوباتها العابرة، محطة انطلاق، مستفيدة من دروس الماضي في بناء الحاضر والمستقبل.