طباعة هذه الصفحة

تجسيـدا لتعهدات التزم بهـا الرئيـس تبـون

لجنـــة خــبراء لصياغـــة مقترحـات مراجعــة الدستور

 محــاور كــبرى تحــدّد توجهـات التغــيير العميـــــق

 أطلق الرئيس تبون أولى ورشات التغيير وفقا للمسار الذي رسمه خلال الحملة الانتخابية ضمن التزاماته الـ 54 التي ترسم التوجهات، بتكليف أحمد لعرابة برئاسة لجنة تتشكل من خبراء تتولى صياغة مقترحات مراجعة الدستور لإرساء أرضية الجزائر الجديدة التي تستوعب كل التطلعات المعبر عنها من طرف الشعب. الخطوة التي تجسد مبادرة مسعى الإصلاح تقود إلى إعداد وثيقة مراجعة الدستور ضمن النطاق الذي حدده رئيس الجمهورية لتمر عبر المسلك الدستوري والقانوني إلى غاية الفصل فيها من خلال استفتاء شعبي يجسد قناعة راسخة لجعل المواطن فاعلا في الحياة العامة بمشاركته في اتخاذ القرارات الكبرى والمساهمة في الحياة السياسية.
رسالة التكليف وضعت معالم الطريق على درب الإصلاح الدستوري الهادف والناجع كون الوثيقة الأسمى التي تنظم الدولة وسلطاتها وهياكلها وصلاحياتها هي حجر الأساس في تشييد الجمهورية الجديدة بوضع أرضية صلبة وواضحة تتجاوز الظروف وتتعدى المستجدات وتضمن الديمومة بحيث يتم إنهاء وبشكل تام كافة اشكال الانفراد بالسلطة كما أكد عليه الرئيس تبون في رسالة تكليف لعرابة وضمان الفصل بين السلطات وتوازنها وكذا تكريس أخلقة الحياة العامة وحفظ حقوق وحريات المواطن.
اللجنة التي تشتغل بحرية ومسؤولية تقدم في فترى لا تتعدى الشهرين الأفكار، الاقتراحات والتوصيات ذات الصلة بموضوع التكليف ضمن المحاور المحددة حتى يكون المسعى ناجعا ويبلغ أهدافه، وتتمثل المحاور الكبرى لورقة طريق مراجعة الدستور في سبعة عناوين بارزة، هي حقوق وحريات المواطنين، أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد، تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها، تعزيز سلطة الرقابة البرلمانية، تعزيز استقلالية السلطة القضائية ومراجعة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، تعزيز المساواة بين المواطنين أمام القانون ومحور يتعلق بالتكريس الدستوري لآلية تنظيم الانتخابات.

وفيما يلي النص الكامل لرسالة الرئيس تبون بتكليف لعرابة برئاسة لجنة صياغة مقترحات مراجعة الدستور:
«حدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في رسالة تكليف لأحمد لعرابة الذي أوكل إليه رئاسة لجنة خبراء مكلفة بصياغة مقترحات لمراجعة الدستور، المحاور الكبرى لهذا التعديل الذي سيطرح لاستفتاء شعبي بعد مصادقة البرلمان على نصه.
وكتب رئيس الجمهورية في هذه الرسالة: « أحمد لعرابة، إنني، كما تعلمون،وضعت على رأس أولويات عهدتي في رئاسة الجمهورية تعديل الدستور كحجر زاوية في تشييد الجمهورية الجديدة التي تصبوإلى تحقيق مطالب شعبنا كما عبرت عنها الحركة الشعبية، مشيرا إلى أنه «وفي هذا الصدد، أصبحت مراجعة الدستور بصفة معمقة أمرا مستحسنا بل وضروريا».
واعتبر الرئيس تبون بأن «مراجعة الدستور مستحسنة» لكونها «ستتيح تكريس الإرادة السيدة لشعبنا وطموحاته المشروعة، من خلال تنظيم الاستفتاء الذي كنت قد تعهدت به للمصادقة على الدستور الجديد».
كما وصفها بالضرورية انطلاقا من أن «مراجعة معمقة للدستور هي السبيل الأوحد الذي من شأنه أن يمكن تجديد أنماط الحوكمة على كافة مستويات المسؤولية، لاسيما على مستوى المؤسسات العليا للجمهورية»، ليذكر بالقول: «في هذا الإطار، تعهدت بوضوح أن أضع دستور جديدا يصون البلاد من كل أشكال الانفراد بالسلطة ويضمن الفصل بين السلطات وتوازنها ويدعم أخلقة الحياة العامة ويحفظ حقوق وحريات المواطن». ولهذا الغرض، «قررت تنصيب لجنة خبراء مكلفة بصياغة مقترحات وتوصيات الغاية منها تدعيم النظام الديمقراطية القائم على التعددية السياسية والتداول على السلطة والفصل الفعلي بين السلطات وإقامة توازن أفضل بينها»، وهذا من خلال «إضفاء المزيد من الانسجام على سير السلطة التنفيذية وبإعادة الاعتبار للبرلمان خاصة في وظيفته الرقابية لنشاط الحكومة، وتحسين الضمانات التي تكفل استقلالية القضاة، فضلا عن ضمان الممارسة الفعلية لحقوق المواطنين وتعزيزها، وكذا إعادة الاعتبار للمؤسسات الرقابية والاستشارية»، يتابع رئيس الجمهورية.
كما أردف مخاطبا لعرابة: «قبل كل شيء، أود أن أشكركم على تفضلكم بقبول تنشيط أعمال هذه اللجنة المشكلة من كفاءات وطنية مشهود لها. والشكر هنا موصول أيضا للشخصيات التي ترافقكم ضمن هذه اللجنة»، داعيا إياهم إلى الإسهام بأفكارهم واقتراحاتهم وتوصياتهم حول جملة من المحاور، وذلك «بموجب الالتزامات التي قطعتها والمنوه بها أعلاه».
ويتصل المحور الأول بحقوق وحريات المواطنين، حيث أكد الرئيس تبون في هذا الصدد على أنه «يجب أن ينصب التفكير على توسيع وإثراء مجالات حرية المواطن من خلال تكريس حريات فردية وجماعية جديدة، عند الاقتضاء، وتدعيم الحقوق الدستورية المكفولة».
و«يتعلق الأمر هنا، بإعطاء مضمون ومعنى للحقوق والحريات المكرسة،وبشكل أخص حماية حرية التظاهر السلمي وحرية التعبير وحرية الصحافة المكتوبة والسمعية-البصرية وعلى الشبكات المعلوماتية، على أن تمارس بكل حرية ولكن دون المساس بكرامة وحريات وحقوق الغير»، يوضح الرئيس تبون.
أما المحور الثاني فيدور حول أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد، حيث أشار رئيس الجمهورية إلى أنه «يتعين على اللجنة أن تقوم بدراسة واقتراح آليات من شأنها تفادي تضارب المصالح بين ممارسة المسؤوليات العمومية وتسيير الأعمال وذلك من أجل إبعاد نفوذ المال عن تسيير الشؤون العامة».
كما «يجب أن تشمل الدراسة أيضا إيجاد الوسائل الكفيلة بتعزيز آليات الوقاية من الفساد ومكافحته، بما في ذلك إشراك المجتمع المدني في عمل التطهير العمومي هذا»، فضلا عن أنه «يتعين أن يوسع التفكير إلى إعادة الاعتبار لمؤسسات الرقابة وتقويتها، بما يضفي على نشاطها أكثر فعالية في حماية المملكات والأموال العامة».
ويتصل المحور الثالث بتعزيز فصل السلطات وتوازنها، حيث شدد رئيس الجمهورية في هذا الإطار، على أن الأمر يتعلق، خاصة، بـ»ترقية العمل السياسي في وظيفته الأساسية المتمثلة في دفع وتنشيط الحياة السياسية في إطار احترام القواعد الديمقراطية المبنية على مبادئ التداول على السلطة وترقية التعددية السياسية».
لذا، «ينبغي على وجه الخصوص ضمان أداء منسجم للسلطات عبر إعادة توزيعها داخل السلطة التنفيذية وإقامة سلطات مقابلة فعالة تهدف إلى تفادي أي انحراف استبدادي»، يؤكد رئيس الجمهورية الذي أشار أيضا إلى أنه «من المهم، بشكل خاص، أن يصبح تحديد العهدة الرئاسية بعهدة واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة، أمرا ثابتا لا يمكن المساس به. كما يتوجب كذلك إعادة الاعتبار لدور الأحزاب السياسية كفاعلين لا غنى عنهم في تنشيط الحياة السياسية للأمة».
أما المحور الرابع، فيدور حول تعزيز سلطة الرقابة البرلمانية. وعلى هذا المستوى «يتعلق الأمر بوضع آليات فعالة تسمح للبرلمان بممارسة مهامه كاملة في مراقبة وتقييم عمل الحكومة من خلال: (1) تعزيز سلطة المنتخبين، لاسيما المعارضة البرلمانية، في وضع جدول أعمال جلسات غرفتي البرلمان، (2) تكريس جلسة كل شهر على الأقل لمراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية بحضور الوزير الأول أورئيس الحكومة، وفقا للصيغة المختارة، وأخيرا (3) تمكين المنتخبين من تشكيل لجان تحقيق برلمانية حول وقائع محل تحقيقات قضائية».
وفي أعقاب هذه الإجراءات، «يتعين أيضا مراجعة تشكيلة مجلس الأمة بما في ذلك آلية تعيين الثلث الرئاسي، من أجل إعطاء الأولوية للكفاءات العلمية مع مراعاة التمثيل الوطني».
كما سيتعلق الأمر، في الختام, بـ»تقييم موضوعي لإمكانية توسيع سلطة مجلس الأمة في تعديل القوانين»، يتابع تبون.    
أما المحور الخامس فيتعلق بتعزيز استقلالية السلطة القضائية، حيث أكد رئيس الجمهورية على كون العدالة «إحدى ركائز دولة الحق والقانون»، كما أنها «يجب أن تمارس بكل استقلالية مع احترام القانون، بعيدا عن كل ضغط أوتأثير» وهوالهدف الذي «لا يمكن تحقيقه دون توفير حماية حقيقة للقاضي».
ولفت في هذا الشأن إلى أنه «من المعلوم أن الدستور الحالي كرس من الناحية الشكلية هذه الاستقلالية، لكن دون وضع الآليات العملية التي من شأنها إضفاء الفعالية اللازمة عليها، والتي يتم تحقيقها بالضرورة من خلال: - احترام مبدأ عدم جواز عزل قضائي المقر، المكرس في الدستور، لكن القانون جعله جد محدود وغير معمول به ميدانيا.
- مراجعة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء لإبعاده عن التأثير المباشر للهيئة التنفيذية وإعادة الاعتبار لدوره في تسيير سلك القضاة (التعيين في جميع الوظائف القضائية وتسيير المسار المهني)».
أما بخصوص المحور السادس المتصل بتعزيز المساواة بين المواطنين أمام القانون، فقد أوضح الرئيس تبون أن الأمر يتعلق أساسا بـ»مراجعة نطاق الحصانة البرلمانية من خلال حصرها في النشاط البرلماني بالمعني الدقيق للمصطلح والذي يستثني كل الأفعال التي ليس لها علاقة مباشرة بالمهام البرلمانية».
وشدد في هذا السياق، على أنه يتعين على الجالية الوطنية المقيمة بالخارج أن «تستعيد كامل مواطنتها لتستفيد من نفس الحقوق وتخضع لنفس الواجبات على قدم المساواة مع المواطنين المقيمين على أرض الوطن»، مما «يتعين مراجعة الأحكام الدستورية التي تحد من تولي الجزائريين المقيمين بالخارج بعض المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية».
وفيما يخص المحور السابع المتصل بالتكريس الدستوري لآليات تنظيم الانتخابات، أوضح الرئيس تبون أن الأمر يتعلق أولا بـ»إعطاء سند دستوري للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات, ثم القيام بإلغاء الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي لم يعد لمهمتها أي مغزى، بما أن تنظيم الانتخابات أضحى الآن من اختصاص سلطة مستقلة، منبثقة حصريا عن المجتمع المدني».
وخلص رئيس الجمهورية، في رسالته، إلى الإشارة إلى أن هذه هي محاور التفكير الكبرى -على سبيل الإرشاد- والتي «يتعين أن تحرص عليها لجنتكم»، مضيفا أنه «سيتاح لها بالطبع، إن اعتبرت ذلك ضروريا، توسيع مجال التفكير إلى مواضيع أخرى متعلقة بسير مؤسساتنا وبالحياة السياسية، وصياغة أي اقتراح مفيد يرمي إلى تعميق دولة الحق والقانون في ظل احترام التناسق العام للمنظومة الدستورية، حتى تستجيب بشكل ملائم لانشغالات المواطنين، لاسيما تلك التي عبرت عنها الحركة الشعبية».
كما أضاف أيضا «هذا، وأطلب منكم إبلاغي بنتائج أعمالكم مجسدة في تقرير ومشروع قانون دستوري، وذلك خلال فترة لا تتعدى الشهرين، مرفقة قدر الإمكان بمشروع أومشاريع النصوص اللازمة لتطبيقها».
وختم رسالته بالقول: «لا شك أن المهمة التي أوكلت إليكم هي عظيمة بقدر ما هي ملهمة. ولكم اليوم شرف المساهمة في إعادة تأسيس مؤسساتنا وأنظمة الحكامة. وأنا على يقين أنكم ستؤدون مهمتكم بكل وعي وحزم وروح مسؤولية عليا. إنها لفرصة أتيحت لكم من أجل تجسيد تطلعات شعبنا في بناء دولة الحق والقانون، دولة قائمة على مبادئ لا يمكن المساس بها ونجتمع كلنا عليها، ترمي إلى تشييد ركائز الجزائر الجديدة’’.