وقفت وزيرة الثقافة خليدة تومي على موقع الحفرية الوقائية بساحة الشهداء، رفقة والي ولاية الجزائر عبد القادر زوخ، ورئيس المعهد الفرنسي للبحوث الأثرية الوقائية «inrap «، وشريك المركز الوطني في هذا المشروع «cnra «، إضافة إلى خبراء ومختصين في المجال، حيث حملت تلك الفسيفساء الأثرية الضاربة في عمق التاريخ الجزائر الواقفين عليه في كبسولة الزمن عائدة بهم عبر الفترة الفينيقية، الرومانية، العصور الوسطى فالفترة العثمانية.
أكدت وزيرة الثقافة أمس، في جولتها عبر الآثار التي عثر عليها مع انطلاق مشروع ميترو الجزائر، على استغلال الموروث الثقافي والأثري الذي تزخر به بلادنا ليكون متعة من جهة للجمهور، ومحطة متحفية لمستعملي وسيلة النقل هذه، خاصة وأنها تتواجد بقلب العاصمة هي ساحة الشهداء التي تخفي في جعبتها تاريخ 2000 سنة، تعكس الثراء الذي يعرفه الميدان الثقافي الوطني، خاصة ذلك المتعلق بقصبة الجزائر المصنف ضمن التراث العالمي من طرف «اليونسكو»، الشيء الذي يستدعي المحافظة عليه وحمايته من التلف بكل أنواعه.
وتسعى وزارتا الثقافة والنقل من خلال مجهوداتهما المتكاملة إلى خلق محطة «ميترو» تكون في ذات الوقت بمثابة متحف يسمح للمواطنين وركاب وسيلة النقل هذه السفر في رحلة عبر الأثار والتراث الذي يعود إلى الفترة الفينيقية، فالرومانية، فالقرون الوسطى والتي تعكس ثراء جزائر «مزغنة»، خاصة وأنه يتم تزويدها بمستلزمات العصر الحديث مع الاحتفاظ بالسر التاريخي للقصبة السفلى.
وتعد الجزائر الحديثة سلسلة أثار ضاربة في عمق الحضارات والفترات التي ميزتها في قرون وأزمنة خلت، والدليل على ذلك الحفريات التي عثر عليها في ساحة الشهداء، هذا ما أكده الخبراء الذين رافقوا وزيرة الثقافة خليدة تومي أمس، في جولتها وزيارتها التفقدية لموقع الحفرية الوقائية، الذين تمكنوا من السفر بالصحافيين والحضور إلى عالم الأزمنة والتاريخ، بدءا بالفترة الفينيقية، الرومانية، فالقرون الوسطى التي شهدت تشييدات جديدة بعد سابقتيها خاصة على مستوى الطرقات التي امتدت إلى غاية الفترة العثمانية.
وقد تم التعرف على تلك المخلفات حسب ما قاله الخبراء في المجال بطريقة جيدة، بما يضمن صيانتها وحفظها وتجسيدها بإبداعات تاريخية وضمن مشروع مستقبلي يضمن التنمية والترقية الاقتصادية، ويقدم الشيء الإيجابي للسياحة.
أما عن الخطوات الاخيرة في محطة ساحة الشهداء للميترو على المستوى الثقافي، فتزود في هذا المتحف بتقسيمات مثلا في الفترة العثمانية حيث يتم الاحتفاظ بسر بنيانها وتراثها، سكان في الشمال، الحي الحرفي في الجنوب، إضافة إلى تسوية طرق مبلطة مع الاحتفاظ بورشات الحدادة، الأفران والمصاهر، إضافة إلى منبع للماء يعود الى القرن 17 و18 مغطاة بمربعات رخامية ستعرض للجمهور في مشروع نقل وثقافة يمتع فعلا المواطنين ويسحر نظرهم.
أما مسجد السيدة الذي يقع في الجهة الشرقية من القصبة السفلى، فقد توصلت الحفريات مؤخرا إلى العثور على منارة المسجد، وجزء من قاعة الصلاة.
وتبقى مخلفات الفترة الاستعمارية هي الآخذة لحصة الأسد في التاريخ الجزائري، بحكم السياسة التي اتبعت من طرف الفرنسيين، الذين وبمجرد ان وطأت أقدامهم الجزائر، عملوا على محو التراث السابق وفرض ثقافتهم في البلاد، بما في ذلك الميدان العمراني من خلال هدم كثير المواقع التي تعد كنزا في تاريخ الأمة، واستبدالها بأخرى تضمن لهم البقاء ضمن مكتسبات خاصة بشعب.
وقد أكد زكار عبد الوهاب لـ»الشعب» أن فرنسا في 1831 قامت بتهديم التراث الجزائري الضارب في عمق الفترات والحقب التاريخية، منها عديد المساجد والعمارات، التي كانت شاهدا على حضارات لها مكانة في التاريخ، مبرزا في هذا الشأن ضرورة إعادة علاقة القصبة بالبحر، حيث كانت صورة قلب العاصمة قبل الاحتلال ليست كالوجه الذي هي عليه اليوم، لم تكن ساحة الشهداء مساحة خالية من البنيان والتحف المعمارية، وإنما كان بها مسجد السيدة، والبحر يمتد الى غاية القصبة السفلى، الشيء الذي استدعى منهم فتح نفق إلى غاية «لا ميروتي».
للتذكير فقد استطاعت وزارة الثقافة ان تقنع نظيرتها بالنقل لتغيير عمق الحفر في ميترو الجزائر من 19 مترا الى 34 مترا/ الشيئ الذي يضمن الحفاظ على هوية وتراث الأمة.
أما عن ما ينتظر بعض الحفريات، فقد تم التأكيد على تقديم التقرير النهائي للعملية الأثرية في اكتوبر 2016، يضم تحاليل وأبحاث ومعلومات بإمكانها ان تكون مرجعا للطلبة الجامعيين.
ومن المنتظر أن تنتهي أشغال «ميترو الجزائر» على مستوى الخط الرابط بين البريد المركزي وساحة الشهداء بشقيه المتعلقين بجانب النقل والثقافة في 2017.