طباعة هذه الصفحة

معركة حياة

بقلم: فنيدس بن بلة
28 ديسمبر 2019

في أول تصريح إعلامي له عقب تعيينه وزيرا أول، كلف بتشكيل حكومته، أولى عبد العزيز جراد، للملف الاقتصادي الأهمية القصوى، كونه تحد يجب رفعه اعتمادا على كفاءات وإطارات تعطي للمسؤولية حق قدرها لاستعادة الثقة لدى المواطنين المتطلعين للتغيير بمنحهم عناية واعتبارا وبإدرجهم في قائمة أولويات مسار استكمال الدولة الوطنية.
التحدي القائم في هذا التحول السلس الهادئ، بعد الموعد الانتخابي التاريخي لـ 12 ديسمبر، هو تحريك المنظومة الاقتصادية التي تحتل فيها المؤسسة الجزائرية  حلقة مفصلية في إنتاج الثروة، القيمة المضافة وتوفير مناصب الشغل لموارد بشرية على الهامش، تشكو التعطيل رغم كفاءاتها المعرفية والعلمية وقوة مبادراتها ومقارباتها في تقديم ما هو أفيد للتحول الاقتصادي والإقلاع المنتظر.
إنه الاختيار الحتمي لانطلاقة النسيج الاقتصادي الذي تضرّر من الأزمة التي عاشتها البلاد، أدت بالكثير من المؤسسات إلى التوقف عن النشاط، أو العمل بوتيرة بطيئة. هو الاختيار الذي وضعه الرئيس عبد المجيد تبون نصب الأعين واعتبره أكبر الرهانات التي يستدعى كسبها في ظرف صعب تجتازه الجزائر في محيط دولي مضطرب يواجه أزمة اقتصادية هيكلية تكبح النمو، تعمق الفجوات الاجتماعية وتؤجج الصراعات والحروب.
من أجل ذلك وضع الرئيس تبون في برنامجه خارطة طريق غايتها إصلاح خلل المنظومة الاقتصادية الجزائرية التي لم تنطلق بالكيفية اللازمة لتحقيق التنوع الاقتصادي الذي يسمح بكسر التبعية للبرميل النفطي أو التقليل من حدته على الأقل.جاء هذا البرنامج حاملا للتغيير بعدما لم يجد الخطاب السياسي المشدّد على النموذج الاقتصادي في فترات سابقة البديل ترجمة فعلية في الميدان تعطي الأمل بأن شيئا ما تحقق ولو بالنزر القليل.
نتذكر بالمناسبة كيف كان رئيس الجمهورية حريصا أثناء تدشينه معرض الإنتاج الجزائري على تجنيد المتعامل الاقتصادي ورئيس المؤسسة في تحقيق النموذج الاقتصادي باعتباره المنطلق الآمن لآليات الإنتاج التي توفر الأرضية الخصبة  لاقتصاد تنافسي متنوع يرتكز على المؤسسات الناشئة والمتوسطة. وهي المؤسسات الوحيدة التي تضمن إيرادات منتظمة للخزينة، تقلل من الاستيراد، تحقق الأمن الاقتصادي وتحمي استقلالية القرار السياسي والسيادة.
هذه التجربة الرائدة تخوضها الكثير من المؤسسات الوطنية التي كسرت حالة التردد والإتكالية وانطلقت نحو اقتحام قطاعات إستراتيجية، مسجلة الرواج في الصناعات الغذائية، الإلكترونية، المحروقات، اقتصاد المعرفة والرقمنة، ضاربة المثل الحي في كيفية الانتقال المرن نحو منظومة اقتصادية متحررة فعليا من التبعية للمحروقات، تقدم سلعا نوعية لها مواصفات وتوفر مناصب عمل دائمة لخريجي المدارس العليا والجامعات.
هذه المؤسسات التي تعرض تجربتها وتكشف آخر ما توصلت إليه في مسعى التنوع الاقتصادي بمعرض المنتوج الوطني، هي الآن موضع الاهتمام في السياسة الاقتصادية للجزائر الجديدة وتحتل أولويتها في كسب رهان النموذج الاقتصادي معركة حياة.