سنة 2019 كانت الأفضل في تاريخ المنتخب الوطني لكرة القدم في عهد الجزائر المستقلة على كل الأصعدة، سنة ستظل راسخة في أذهان كل عشّاق الألوان الوطنية بعدما تمكّنت كتيبة المهندس «جمال بلماضي» من كتابة اسمها بأحرف من ذهب حين انتزعت كأس أمم إفريقيا الثانية في تاريخ المنتخب على أرض الكنانة، وأضافت النجمة الثانية على قميص الخضر، مقدّمة أداءً راقيا بعدما فاز «بلعمري» ورفاقه على كبار القارة وكل المرشّحين لنيل التاج القاري في مقدمتهم منتخب السنغال الذي يقوده نجم ليفربول الإنجليزي «ساديو ماني» الذي أسقطه المحاربون في مناسبتين.
لم تكن سنة عادية تلك التي قدّمها رفقاء الدبابة «عدلان قديورة»، حيث كانت سنة التألق وإعادة هيبة الكرة الجزائرية في القارة السمراء وفي سماء الساحرة المستديرة العالمية، كون الجزائر لم تتذوّق مرارة الهزيمة طيلة سنة بأكملها خلال 16 مواجهة رسمية ووديّة، فبعد التّعزيزات والتّدعيمات الجديدة التي قام بها الناخب الوطني على مستوى التشكيلة حين فهم مكمن الداء، بات أداء الخضر يتطور من لقاء لآخر منذ أول مواجهة في سنة 2019، التي بدأها «الأفناك» بتعثّر بهدف لمثله في الجولة الأخيرة من التصفيات الإفريقية المؤهّلة لأمم إفريقيا حين قرّر الطاقم الفني تجريب عدد من اللاعبين الجدد، لتنطلق الانتصارات من المباراة التي تلتها في ودية تونس التحضيرية لأمم إفريقيا، ومن ثمة ضبط الناخب الوطني التعداد المتنقل معه للمشاركة في «كان» مصر.
قبل قدوم ابن مدينة مستغانم على رأس العارضة الفنية للمنتخب، قام بتحليل وتشريح دقيق للمنتخب، وتأكّد بأنّ الأخير كان يعاني الويلات في كؤوس إفريقيا السابقة نظرا لنقص الانسجام من جهة، وعدم تأقلم العناصر الوطنية مع الأجواء الإفريقية من جهة أخرى، وهو ما جعله يقرّر برمجة التربص الأخير للخضر بالعاصمة القطرية الدوحة 15 يوما قبل انطلاق أمم إفريقيا بمصر نظرا للتشابه الكبير في مناخ البلدين، حيث تخلّلته وديتين مع منتخبي بورندي ومالي ضبط خلالهما «بلماضي» آخر التفاصيل قبل الموعد القاري، وهو ما ساهم بشكل كبير في دخول محاربي الصّحراء المنافسة القارية بقوة.
الخضر يتوّجون باللّقب القاري الأطول في تاريخ البطولة
الخضر ظهروا في أمم إفريقيا الأولى من نوعها بـ 7 مواجهات كاملة بوجه مغاير تماما لما كان عليه الحال منذ تنصيب «بلماضي» على رأس العارضة الفنية للمنتخب، حيث دخلوا بقوّة وحقّقوا ثلاث انتصارات متتالية في الدور الأول ضد كل من كينيا بثنائية نظيفة والمرشّح الأبرز لنيل اللقب السنغال بهدف وحيد من قذفة «بلايلي» لتفوز دكّة البدلاء على المنتخب التانزاني في المواجهة الأخيرة من الدور الأول بثلاثية نظيفة، ما جعل اللاّعبين يتحرّرون من كل الضغوطات ويواصلون مشوار البطولة بنوع من الثقة التي ظهرت ضد منتخب غينيا الذي تجاوزه الدينامو «بن ناصر» ورفاقه بثلاثية نظيفة، ليتأكّد الجميع بأنه لا يمكن لأحد أن يوقف زحف الخضر نحو معانقة اللقب حين تمكنوا من الإطاحة بالفيلة الإيفوارية بضربات الجزاء، نتائج جعلت الحكومة الجزائرية تقرر تخصيص جسر جوي لنقل أنصار المنتخب الراغبين في تشجيع الخضر في نصف النهائي أمام النسور الخضراء النيجيرية التي أسقطها «محرز» أرضا في الأنفاس الأخيرة من عمر اللقاء بمخالفة دائرية صاروخية وضعت الجزائر في النهائي الثالث بتاريخ مشاركاتها في البطولة الإفريقية، مباراة حضرها أزيد من 20 ألف جزائري قدموا من كل أنحاء العالم لتشجيع كتيبة المحاربين على التتويج باللقب القاري الثاني في خزائنها الذي طال انتظاره لمدة 29 عاما كاملا، وهو ما حدث حين عاد السوبر «بونجاح» للظهور في النهائي مسجلا أسرع هدف في تاريخ نهائيات «الكان» بعدما صام عن التهديف منذ اللقاء الأول ضد كينيا، هدف جعل الجزائر ترفع كأسها الثانية.
سيطرة على غالبية الجوائز واستقبال «خرافي» للأبطال
لاعبو المنتخب بعد نهاية «الكان» استولوا على غالبية الجوائز بعد تألّقهم بشكل ملفت للانتباه، حيث نال إسماعيل «بن ناصر» جائزتين لأفضل لاعب في البطولة وأفضل مرّر برصيد 3 تمريرات حاسمة، كما نال لقب رجل المباراة في مناسبتين، فيما نال «رايس » لقب أفضل حارس في الدورة بعدما تلقّت شباكه في سبع مواجهات هدفين فقط، ونال «محرز» جائزة أجمل هدف في الدورة ضد نيجيريا.
عودة أشبال «بلماضي» إلى الجزائر كانت خرافية بعدما أدخل نجومها فرحة عارمة وهيستيرية على قلوب 43 مليون جزائري، حيث تمّ استقبالهم كالأبطال بعدما قاموا بجولة بالحافلة على الطريقة الأوروبية دامت أزيد من 5 ساعات كاملة من مطار «هواري بومدين» الدولي إلى غاية قصر الشعب، عاش خلالها الشعب الجزائري أجواء الاستقلال نظرا لخروج كل فئات المجتمع لاستقبال أبطالهم الذين رفعوا الراية الوطنية عاليا في سماء القاهرة والقارة السمراء، استقبال جعل اللاعبين يتأكّدون بأنّهم يلعبون لمنتخب غير عادي يعشقه شعبه للنّخاع، كلّل في النهاية بتقلّد وسام من درجة الاستحقاق الوطني للاعبين والطاقم الفني، وهو ما جعل «بلماضي» ينسج خيوط خطابه الجديد لما بعد «الكان»، حيث عاد وذكّرهم باللّحظات التاريخية التي عاشوها بعد التتويج في أول تربّص جمعه باللاعبين شهر سبتمبر المنقضي، وذلك لمواصلة الظهور بنفس الوجه في الخرجات المتبقية أوّلها كان وديا بفوز ضد البنين بملعب 5 جويلية الأولمبي احتفاءً بالتاج القاري، وتكريما لصخرة الدفاع «رفيق حليش» الذي قرّر الاعتزال الدولي بعد سنوات من العطاء مع المنتخب ختامها كان مسكا.
مواصلة التّألّق بعد «الكان»
حتى يقيس المنتخب وزنه أمام كبار العالم، قرّر الطاقم الفني في آخر تربص يسبق تصفيات مونديال قطر 2022، برمجة لقاءين وديين الأول ضد القوي منتخب كونغو الديموقراطية، الذي فرض التعادل على الخضر والثاني كان ضد منتخب كولومبيا الذي سقط بثلاثية تاريخية من أقدام (محرز وبونجاح) بملعب بيار موروا بمدينة ليل الفرنسية، الأمر الذي أحدث زلزالا في الإعلام العالمي، ما جعل رفقاء «بلايلي» يدخلون غمار التصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2021 المزمع إقامتها بالكاميرون بقوة، بعدما حقّقوا فوزين متتالين، الأول حين قسوا على زامبيا بخماسية نظيفة وبعدها حين تمكّنوا من العودة من بوتسوانا بفوز بهدف وحيد في ظروف صعبة هناك.
نتائج المنتخب الوطني منذ أول تاريخ للفيفا شهر مارس 2019 إلى غاية آخر تاريخ في ذات السنة بشهر نوفمبر، جعلت المنتخب يحقّق ثاني أفضل تطور في ترتيب الفيفا خلال سنة 2019 بعد المنتخب القطري بطل آسيا، محتلّين المركز 35 عالميا خلف منتخبات عالمية قوية، وهو الرقم المرشّح للارتفاع مع السنة المقبلة التي يخوض خلالها الخضر تصفيات منطقة إفريقية المؤهلة لكأس العالم 2022، وكذا باقي جولات التصفيات الإفريقية لكأس الأمم بالكاميرون.