طباعة هذه الصفحة

الدكتور علي ربيج يقف عند التطوّرات الخطيرة التي تعصف بليبيا:

التدخّل الخارجي فجّر الأزمة و يدفع باتجاه الحرب الأهلية

 لابدّ من وسيط محايد يقود الفرقاء نحو الحوار

عادت «الشعب» مرّة أخرى لتقف عند آخر التطورات التي تشهدها ليبيا، حيث تصاعدت حدّة أزمتها السياسية والأمنية وباتت تنذر بحرب أهلية حقيقية، بدأت ملامحها تتجسّد على أرض الواقع، من خلال الإقتتال الدائر على تخوم العاصمة طرابلس بإيعاز من جهات خارجية همّها الوحيد دفع ليبيا نحو حالة من العنف و الفوضى لتستغلّ هي الوضع وتستحوذ على خيرات و مقدّرات هذه الدولة الشقيقة التي تنتظر يد وسيط محايد و نزيه لإنقاذها من السقوط الى الهاوية التي سبقتها إليها سوريا. للتعرّف على خلفيات التصعيد بليبيا والدور الخارجي فيه، حاورت «الشعب» أستاذ العلوم السياسية بالمدرسة الوطنية للعلوم السياسية، بالجزائر الدكتور علي ربيج.

الشعب: برأيكم إلى أين تتجه ليبيا خاصة مع ما نشهده من تصعيد داخلي وتكالب خارجي؟

الدكتور علي ربيج: الوضع في ليبيا للأسف الشديد، يتّجه نحو التّعقيد والتّصعيد الدّموي، بسبب فشل الإخوة اللّيبيين في إيجاد حلول سياسية سلمية للأزمة التي يتخبطون فيها، وهو فشل يتقاسم المجتمع الدولي المسؤولية فيه، حيث تتحمّل الأمم المتحدة والمجموعة الدولية مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية لما آلت إليه الأوضاع الأمنية والاجتماعية بهذه الدولة الشقيقة، والقرار الأخير للمشير المتقاعد خليفة حفتر بالهجوم الكاسح على العاصمة طرابلس، مؤشر خطير يعكس إصرار قوى إقليمية على الدفع نحو التصعيد وتغليب لغة القوّة والحرب في ليبيا.
وعليه، أتوّقع أن يسعى حفتر هذه المرة  إلى استغلال كل الإمكانيات العسكرية المتاحة والدعم الخارجي لكي يفرض الواقع الذي يريد، وبالمقابل أتوقّع مقاومة شرسة من طرف القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج، والنتيجة كما أتصوّرها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.

كل دولة خارجية لها حليف  في الداخل يدّعمها


- ما أهداف الذين يصبّون الزيت على النار في ليبيا لإشعالها حربا بالوكالة، وماذا سيجنون من خلق بؤرة توّتر في المنطقة؟
 أعتقد أن الأزمة اللّيبية، منذ الوهلة الأولى، كانت أزمة دولية بامتياز، لأن التدخل الخارجي كان السبب في تفجّرها، ففي الوقت الذي قرّر الغرب إسقاط نظام معمر القذافي، كانت لحظة ومؤشر على أن حلقات الأزمة اللّيبية ستكون طويلة ومعقدة.
 نعم الهدف الأسمى والكبير من خلال التدخل الخارجي هو إسقاط النظام ولكن تبعات هذا القرار ولاسيما قرار إنهاء الحرب لم يعد في يد هذه القوى لعدة أسباب:
1-غياب تقاليد ممارسة سياسية وقنوات اتصال تقليدية تسهّل عملية التواصل السياسي، ما جعل من الجلوس الى طاولة الحوار أمرا شبه مستحيل.
2-غياب مؤسسات أمنية وعسكرية، الأمر الذي تسبب في انهيار أمني عنيف، كانت نتائجه واضحة على حياة اللّيبيين وصعوبة فرض القوانين والأنظمة التي تسمح باستمرار مؤسسات الدولة.
هذه الأسباب كلها فتحت المجال للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لليبيا، وهذا التدخّل تحرّكه الرّغبة في الاستحواذ على مقدرات وخيرات اللّيبيين، ومن سهّل عملية التدخل الخارجي، هو الانقسام الأيديولوجي والسياسي بين المجموعات المسلحة اللّيبية، لهذا وجدنا كل دولة متدخلة في ليبيا، تجد حليفا داخليا مسلحا يدافع عن مصالحها قبل المصلحة الوطنية الليبية.

- ما تعليقكم على الاتفاق المثير للجدل الموقّع بين حكومة الوفاق الليبية المعترف بها مع تركيا؟
 الإتفاق الذي تمّ توقيعه بين حكومة السراج وتركيا، هو تطوّر كبير وله انعكاسات من شأنها أن تعزّز التواجد العسكري التركي في شرق المنطقة المتوسطية وليبيا بشكل خاص، ولهذا أعتقد أن إصرار الجنرال حفتر على حسم المعركة عسكريا له صلة مباشرة بهذا الأمر، لأن هذا الاتفاق الليبي- التركي حول الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري، كان له انعكاسات وردود أفعال قوية من خارج ليبيا، وخاصة من بعض الدول التي  تحاول تقويض أي تقارب رسمي وقانوني بين حكومة السراج وتركيا، لأنها تخشى أن يتكرر سيناريو التدخل التركي في سوريا في ليبيا، و لا تريد تغيير معادلة الصراع والقوة لصالح الحكومة الوطنية المعترف بها دوليا.

- في ظل هذه الأجواء العاصفة، الشرخ الليبي يزداد اتساعا،  ألا تخشون أن تتكرّر المأساة السورية في ليبيا؟
 نعم هناك تخوف متصاعد من أن تتكرر مشاهد وسيناريوهات الأزمة السورية في ليبيا نظرا للتشابه بين الأزمتين، خاصة وأن نفس الأطراف الدولية المتصارعة في سوريا، متواجدة في ليبيا وتعالج وتتصدى للأزمة الليبية بنفس الآليات السياسية والأجهزة العنيفة، بالإضافة إلى وجود مجموعات مسلحة واختراق لتنظيمات إرهابية، الفرق فقط أن الحرب الأهلية في سوريا مذهبية دينية، أما في ليبيا فإن هذه المجموعات تتقاتل فيما بينها تحت عنوان إيديولوجي وقبلي عميق.

لا بدّ من وسيط محايد يدفع  الفرقاء نحو الحوار


- كيف للأشقاء في ليبيا أن يدركوا الفخ الذي نُصّب لهم حتى يتفادوا الانزلاق إلى حرب لن يسلم منها أحد؟
 بالنسبة للشعب اللّيبي، هو ضحية لتدخل دولي غربي باسم الشرعية الدولية التي كانت من المفروض أن تقف إلى جانبه وتحميه من حالة الفوضى والحرب بين الإخوة، ولكن حدث العكس، فالتدخل الخارجي في ليبيا غذى حالة الانقسام والفرقة بين الاخوة الأعداء، وأعتقد أن الوضع السياسي وسقوط الآلاف من القتلى في صفوف الفريقين، عزّز وعمّق الجرح والاختلاف ونشر مشاعر الكره والانتقام، مما يجعل مهمة الحوار والجلوس الى طاولة الحوار أمرا شبه مستحيل في الوقت الحالي، لكن وبالنظر إلى تجارب عديدة في المنطقة تجعلنا متفائلين بأن يتدخل وسيط محايد، يعمل على إقناع أطراف الأزمة بالجلوس الى طاولة المفاوضات،ولعل البلد الأكثر ترشيحا للعب هذا الدور هو الجزائر.

أمام العجز الأممي .. الرهان  على الدور الإقليمي


- أمام هذا المشهد الدراماتيكي تكتفي الأمم المتحدة بالتحذير والدعوة للتهدئة، فهل هذا كل ما تستطيع فعله؟

 بالنسبة لدور ومكانة الأمم المتحدة في ليبيا،  يمكن القول أنها فشلت في وضع حد للأزمة هناك، كما فشلت في سوريا واليمن والعراق وفلسطين، ولعل هذا الفشل المركّب المتكرر يقوّض المساعي السلمية والإنسانية في إدارة الأزمات الدولية، ويدفع إلى تصدير صورة سلبية عن دور ومكانة الأمم المتحدة وباقي المؤسسات الإقليمية،  ليفسح المجال أمام ممارسات وسلوك عدواني يعتمد على العنف والفوضى في معالجة المشاكل والأزمات الدولية، ولهذا أصبح التعويل على المنتظم الأممي لحل الأزمات والنزاعات في تراجع، ولعل أكبر مؤشر على ذلك هو الاستقالات المتعاقبة للمبعوثين الأمميين في ليبيا وسوريا واليمن والصحراء الغربية  وغيرها من مناطق النزاع.
أمام هذا الوضع المزري لصورة وأداء الأمم المتحدة في البحث عن حلول للازمة الليبية، بات من الضروري العودة إلى دور ومكانة الأطراف الإقليمية.

- أي دور يمكن أن تلعبه الجزائر لنزع فتيل الحرب في ليبيا؟
 موقف الجزائر تجاه الأزمة الليبية تحدّد، منذ البداية، في رفض التدخل الخارجي والحلول العسكرية، والتشديد على الحلّ السياسي السلمي، وهذا أزعج الكثير من الدول التي ترفض هذه المقاربة، مما جعل المساعي الجزائرية تلقى الكثير من العراقيل والرفض من العديد من الأطراف المتدخلة في الملف الليبي.
 كان للوضع السياسي الداخلي للجزائر، منذ 22 فيفري الماضي بسبب الحراك الشعبي انعكاسات طبيعية على أداء السياسة الخارجية، لأن التحدّيات التي واجهت الجزائر كانت خطيرة ومعقدة، أما الآن وبعد انتخاب رئيس الجمهورية، وفي انتظار تشكيل حكومة جديدة، نتوقع أن تكثّف الجزائر من مجهودها لإيجاد مخرج سريع للأزمة الليبية، وهذا من خلال دعوة أطراف الصراع هناك إلى وقف القتال والجلوس الى طاولة الحوار، و رغم صعوبة المهمة، فإن قدراتها الدبلوماسية ونجاحها في الكثير من عمليات الوساطة، يجعل الجزائر الأقدر على مساعدة الليبيين لتجاوز معضلتهم والخروج الى برّ الأمان.  

- كيف تتصوّرون الوضع اللّيبي في قادم الأيام؟
 أعتقد أن دخول أطراف خارجية في الأزمة الليبية بهذا الشكل، أعطى إشارات قوية لتغليب عناصر الدبلوماسية الصلبة في الأزمة اللّيبية، ولهذا سنتوقع تصعيدا خطيرا، والأخطر من هذا كله أن المنطقة المغاربية ستكون بمثابة رقعة الشطرنج الجديدة للصدام الدولي والذي سيعمل على تكرار تجربة الشرق الأوسط وكل الخوف من أن سياسات هذه الدول ستمتد لنشر الفوضى وإنتشار الجماعات الإرهابية بشكل كبير وواسع في أرجاء المنطقة والتي أصلا تعاني من اختلالات أمنية عميقة، وسيكون أمام الجزائر وتونس والمغرب أن تنخرط في عمل مشترك وصادق وجاد.