هكذا شاء القضاء والقدر أن يخطف الموت رجلا نفذ إلى قلوب الجزائريين بصبره وحكمته ورجاحة عقله وحنكته في قيادة قاطرة الوطن إلى بر الأمان، فارس الوطن ودرعه، يترجل في هدوء بعد أن أتم مهمته بإتقان وإخلاص، وكأنه كان يوحى إليه من لدن العظيم القدير، أن أجله اقترب ومساره النضالي لن ينتهي بالتقاعد، تقلد قبل أيام وسام شرف «الصدر» ونال احترام ووقار الجزائريين والجزائريات.
الفقيد حمل السلاح في سن 17 سنة ضد المستعمر، وشابا يافعا في حرب أكتوبر ضد الصهاينة وفي حرب الرمال هذا المسار الثري مكنه من أعلى رتبة عسكرية، حيث تقلد رتبة فريق عن جدارة واستحقاق لتختتم مسيرته بإيصال البلاد لبر الأمان بإنتخابات رئاسية أثمرت برئيس يتحكم بزمام الأمور ويطفيء لهيب الفتنة ويوحد الأمة، وهو الذي كان بإمكانه إعتلاء هذا الكرسي بإشارة منه –لكنه كان رجلا صادقا في أقواله وأفعاله.
خبر وفاة الأب ڤايد صالح بدا في أول يوم أمس، إشاعة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي باهتمام وتأثر كبير، وسرعان ما تحولت إلى خبر مفجع تلقاه سكان معسكر كغيرهم من الجزائريين بتأثر بالغ، كيف لا وقد استرسل سكان مدينة معسكر في الثناء على مسيرته الوطنية مستشهدين بمقولاته وخطاباته الخالدة.
وقال الشيخ ابوحنيفة العابدين، إن الفقيد ڤايد صالح «عانى من أجل بلده طيلة هذه الأشهر العشرة، وقبلها بسنوات كانت كالتمهيد للخروج مما كنا فيه، والوصول لهذا الذي بلغناه، وكم تعب في تنقلاته في هذه السنوات الأربعة، وكم جهد وهو يقرأ خطبه بلغة بلده، وكم صبر على الشتائم والسباب والاستنقاص والتهم فتعالى عليها «، ومن أبلغ ما أثر في قول الشيخ العابدين أنه سمعه في مجلس خاص يقول عن عمله لبلده: «عملت هذا لله في سبيل الله «، فجزاه الله تعالى خيرا.
سكان معسكر قاطبة عبروا عن حزنهم لمصاب الوطن الجلل، مستذكرين خطاباته التي أكد فيها أن موقف المؤسسة العسكرية من موقف الشعب الجزائري، على غرار مقولته الشهيرة التي أشار فيها أن «الجيش الجزائري يملك سلاحا متطورا وهذا السلاح نوجهه للعدو وليس للشعب «- ومقولة «عمري ما ننسى الشهداء لي دفنتهم بيدي.. الشهداء لي ماتوا في سبيل الله ليعيش الوطن تحت راية واحدة فقط».
كانت هذه كلمات استحضرها العديد من المواطنين بساحة الأمير عبد القادر، في استجواب للشعب وعملها على نقل تعازي سكان الولاية من كافة الشرائح العمرية والفئات الاجتماعية، التي اتفقت على القول إن الفقيد ڤايد صالح ليس فقيد أهله والمؤسسة العسكرية فحسب إنما فقيد الجزائريين جميعا، منهم من سماه الزعيم ومنهم من سماه القائد ومنهم من سماه ربان السفينة، وتقول سيدة متقدمة في السن التقيناها بساحة مصطفى ابن التهامي « كان جناحا احتمى تحته الشعب وأبناؤنا في الجيش» وتواصل «لقد أتم مهمته وأخلص فيها هي إشارة ربانية عن حسن خاتمته هوصالح فعلا «وتضيف «المسؤولية ليست سهلة أبدا».