- مرصد وطني لترقية الفعل الانتخابي في الأفق
جزم رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي في حوار مشترك خص به «الشعب» و«أوريزون»، أنّ الشّعب الجزائري سيسجّل تاريخ 12 ديسمبر كتاريخ فعلي لإعادة ميلاد البناء الديمقراطي في الجزائر، معتبرا أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يتمتع بكامل الشرعية، وأنه سيقدم الجديد في الحكامة، وبالنسبة له فان الحراك قوة بناء تحسب للجزائر.
@ الشعب: حضّرتم لكل أطوار العملية الانتخابية ومحطّاتها، اليوم وبعد إجراء الانتخابات الرّئاسية كيف تقيّمونها على العموم؟ وهل سجّلتم نقائص سيتم العمل على استدراكها في المستقبل؟
@@ د ـ محمد شرفي: فيما يخص الإطار القانوني التشريعي، فقد تمّ إعداده في عجلة، الأمر يتعلق بقانون عضوي الذي يأتي بعد الدستور يخص استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتعديل القانون المتعلق بتنظيم الانتخابات اللذين تمّ تحضيرهما في ظرف وجيز، وهذا في حد ذاته يعد أمرا استثنائيا، ذلك أن إعداد مثل هذه القوانين يستلزم مشاورات بين الحكومة ووزراء وأفواج عمل، لتمرّر على الحكومة ثم على مجلس الوزراء في مرحلة لاحقة، إضافة إلى مناقشتها في لجان على مستوى البرلمان، أما الجانب التنظيمي نحن نعده.
صراحة فإنّ معدّي القانون تحلّوا بالذكاء، بإعطاء سلطة القرار إلى رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لإضفاء مرونة على عمله، وقد بادرت بإصدار عدّة أوامر عندما استلزم الأمر، والنقائص إن سجّلت لم تكن تتعلق بالانتخابات وإنما بالتسيير، علما أنّه لدينا حرية تامة في إعداد التنظيم الداخلي، ويمكن القول إنّ العزيمة وكذا الكفاءات التي تتوفر عليها السلطة المستقلّة، من محامين وقضاة وموثّقين، مكّنها من التفاعل بطريقة ايجابية، وعموما فإن القانون كان بمثابة مفتاح بالنسبة للسلطة.
وإذا قيّمنا تطبيق القانون، أعتبر أنّها إيجابية 200 بالمائة مادام الانتخابات نجحت، علما أنّ نجاحها لا يتوقّف إلا على الإرادة البشرية، إذ لا بد أن يرفق بتوفر المناخ والقواعد العامة التي تحكم النشاط، وبالتالي أنا مرتاح وإن كان لديّ ما أقترحه لتحسين الأمور، فمثلا أنا رئيس السلطة التي تتمتّع باستقلالية مالية وإدارية، غير أنّ رئيسها هو الآمر بالصرف، أمر ينزع عنه الاستقلالية لأنّه مهدد بالتقاضي أمام مجلس المحاسبة، وقد رفضت هذا الأمر عندما كنت وزيرا، وشدّدت على أن لا يكون رئيس المحكمة العليا آمرا بالصرف، وبالفعل تمّ تحويل هذه الصلاحية إلى الأمين العام، مثل هذه التفاصيل تتطلب الخبرة والبصيرة ليتم الانتباه إليها، أنا رفضت هذا الأمر وراسلت الوزير الأول الذي استجاب، وأعطى أمرا إلى وزير المالية لتعيين آمر بالصرف منتدب.
@ ما الفرق بين تنظيم انتخابات بحجم الرّئاسيات من قبل سلطة مستقلّة ومن طرف الإدارة؟
@@ الفرق شاسع دون أدنى شك، أي حكومة وأي إدارة لديها أهداف سياسية، التي ترتبط دائما بمصالح فئوية وحزبية، ولا تتماشى دائما مع الصالح العام، مثلا للحكومة ميول وفي المجتمع ميول أخرى، وبالتالي في حال تنظيم الإدارة لانتخابات رئاسية، ستكون لها حتما ميول نحو أحد المترشحين سواء كان حزبه متواجدا في الإدارة، أو من خلال تعاطف بعض الموظفين لدى الدولة متواجدين في أماكن حسّاسة.
ومن هذا المنطلق، لابد أن يكون المنظّم للانتخابات متجرّدا من أي انتماء عاطفي، أو توجه إيديولوجي، أو توجه سياسي، وهذا ما كان متوفرا في السلطة المستقلة، التي وكما تعلمون انبثقت عن الحراك الشعبي وكانت لبنة حوار اجتماعي وسياسي دام أسابيع، وضمّ فئات كثيرة من النقابات على غرار «الكناس» و»المحامين والموثقين» والمنظمات المهنية على غرار الأطباء.
فيما يشكّل المجتمع المدني 40 بالمائة من التشكيلة، أي ما يعادل 24 من 50 عضوا، كلّهم غير متحزّبين علما أن السلطة تشترط في أعضائها أن لا يكونوا متحزّبين لمدة لا تقل على الأقل عن 05 سنوات، وأن لا يكون العضو قد سبق له الترشح كمناضل لأي حزب في الانتخابات التشريعية ولا المحلية، لأن شرط الحياد ضروري كان متوفرا مكّن السلطة في نهاية المطاف، من الالتزام بالحياد التام وتفرّغها لتنظيم الانتخابات، وبالتالي لا يهمنا من ترشح، شيء لا يمكن للإدارة التحلي به لأنها تخضع بطبيعتها للسلم التصاعدي.
وبكل صراحة، فإنّ الجرأة التي تحلى بها المسؤولون في البلاد، بقبولهم بوجود السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، كان بمثابة رهان فعلي وكبير.
@ هل تعتقدون أنّ الانتخابات أفضت إلى رئيس يتمتّع بكامل الشّرعية، في ظل استمرار الحراك الشّعبي؟
@@ إذا تكلّمنا عن الشرعية قياسا إلى الأرقام والنسب، فإنّنا برأيي لا ننطلق من القاعدة أو المرجعية الجيدة، لأننا لا نبني بيتا فوق حمم البركان، وأنا سبق لي وقلت إن الحراك مكسب كبير، لأن ديناميكية المطالب السياسية السلمية تعد حلم كل السياسيين عبر العالم، والحراك عندما يكون تعبيرا لشعب وليقظته، ويتسم بالسلمية وانشغاله الجوهري الحفاظ على المجتمع والاقتصاد، يمكن من التقدم بأقل قدر ممكن من الأضرار الجانبية.
والحراك في الجزائر كان قويا ومليونيا أبهرنا العالم، لكن في نفس الوقت حركة الشعب يترتب عنها توقف حركة جسور بأكملها في المجتمع على غرار الإنتاجية، وبالتالي ووفق نظرتي الأكاديمية باعتباري متخصصا في النزاعات الاجتماعية، وليس بصفتي رئيسا للسلطة، فإنّني أجزم بأن استمراره يؤدي حتما الى تحوله الى الضد.
ولتفادي الأمر لابد من السهر على أن يبقى مكسبا، وعلى الدولة البحث عن كيفية توحيده وجعله قوة ديناميكية للمجتمع الجزائري، على أن تتغذى منه المواطنة، ويتغذى هو من الأخيرة، لأن المواطن الواعي بالطابع النشيط لمواطنته، سيمارس بوعي عال أمرا سيؤدي الى تجسيد الانسجام بينه وبين المواطن.
لكن الأمر الأكيد لا بد من أن نرى الحراك على أنه قوة متقدمة، قوة إيجابية وقوة بناء، ونقطة تحسب للجزائر لابد من الحفاظ عليها، لست أدري ما هي السياسات التي ينبغي وضعها في الجانب التطبيقي، الأمر يتطلب التفكير، لكن بشكل عام لا بد أن لا يتلاشى الحراك في الطبيعة أو يبذر أو تحويله عن طابعه الوطني، الذي إذا ضاع منه لن يكون حراكا.
@ انتخابات 12 ديسمبر بداية السّلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وليست النهاية، ما هو برنامج عملكم على المديين القصير والمتوسط؟
@@ بكل صراحة عندما نرى القانون المؤسّس لها، فإن عهدتها تمتد 4 سنوات، مع تغيير لأعضائها كل سنتين، هل المدة كافية لإعداد استراتيجية علما أن المدى المتوسط لإعداد إستراتيجية يمتد على مدى 5 سنوات، فيما نحن منتخبين لمدة 4 سنوات، لكن ومادام الأمر يتعلق بهيئة جديدة، وانطلاقا من تأكيد رئيس الجمهورية المنتخب خلال المناظرة التلفزيونية بأن السلطة مكسب، فإنّني أتوقّع أنّه سيعزّزها لاسيما وأنه يعتبرها تجربة ناجحة جدا.
ويتضمّن برنامجي 20 نقطة، بينها مرصد وطني لترقية الفعل الانتخابي، وقد نصبت هذا الأسبوع فوجي عمل أحدهما أكاديمي وآخر تنفيذي براغماتي، والى ذلك لدينا مشروع لتعديل القانون في حد ذاته المتضمن برنامجا لتعزيز الديمقراطية الدستورية، وهو في حد ذاته برنامج كبير يستغرق وقتا، على اعتبار أن تجسيد الأخيرة لا يمكن أن يكون بنسبة 100 بالمائة، كون كل شيء يمر عبر خيار الشعب، فعلى سبيل المثال حرية التنقل للناخب تطرح إشكالا لأنه لا يستطيع الانتخاب من أي مكان في الوطن، كما سنقترح مشاريع قوانين نرسلها إلى الحكومة أو البرلمان، أي أن البرنامج ثري، لكن كل شيء متوقف على نظرة رئيس الجمهورية.
الاستفتاء حول الدّستور والتّشريعيات المسبقة مرتبطة بنظرة الرّئيس
@ وماذا عن احتمال تعديل الدّستور، أو تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة؟
@@ لا يمكنني الرد على هذا السؤال، لأنّها تقع ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب الذي يتمتّع بكامل الشرعية، وكل شيء متوقف على نظرة رئيس الجمهورية كما سبق وقلت، وأعود في هذا المقام إلى النقطة المتعلقة بالشرعية لأوضّح أمرا مهما، التمتع بالشرعية يعني انتخابك من قبل الشعب بطريقة فعلية وبكل حرية، ولا تهم في هذه الحالة لا النسبة ولا الفارق بين المترشّحين، المهم الانتخاب الذي يمنح الشرعية والدستورية.
طبعا كل الأنظمة تقيس الشرعية بنسبة المشاركة، وليس فقط في الدول في طور النمو، ولكن بتسجيل نسبة مشاركة تجاوزت 41 بالمائة، وبحصد الرئيس أكثر من 58 بالمائة من الأصوات، فإنها بالنسبة للشعب الجزائري تساوي أكثر بكثير من 99.99٪ النسبة المصطنعة المعلن عنها، هناك بلد انتخب رئيسه بنسبة مشاركة لم تتعد 17 بالمائة، وباشر مهامه بطريقة عادية رغم أنها دولة كبيرة.
والمهم أنّ رئيس الجزائر انتخب من قبل أغلبية الناخبين، ولا يهم من لم ينتخبوا لأنه لا يوجد عتبة حد أدنى تحدد الشرعية من عدمها، وهذه هي الديمقراطية الحقة الأغلبية تقرّر إدارة البلد، وبالطبع يوجد حقوق الأقلية لكنها مسألة أخرى، إذا 41 بالمائة نسبة مشاركة بالنسبة لي بمثابة استفتاء قياسا إلى الظروف والأزمة، وأنا أقول دائما لابد من الاعتراف بفضيلة المسؤولين على حفظ النظام في الجزائر، الذين جنّبوا الجزائر إراقة قطرة دم واحدة.
وبالنسبة لبلادنا حقّقت مكسبين هامين في 2019 الحراك الذي لم يتوقف، وإن انقسم إلى مؤيّد للانتخابات باعتبارها المخرج من النفق، وبين رافض لها، لكن المهم هناك رئيس جمهورية انتخب من طرف الشعب الجزائري، ونتمنى له التمكن من توحيد صفوف الشباب الجزائري، وإعادة وضع مسار الديمقراطية الناشئة الهادئ على السكة، والرجال ذوو الإرادة لن يفوتوا المناسبة للقيام بالدور الذي يسمح بتجسيد ذلك، وسيسجل الشعب الجزائري تاريخ 12 ديسمبر، كتاريخ فعلي لإعادة ميلاد البناء الديمقراطي في الجزائر.
@ ما هي الرّسالة التي توجّهونها إلى الرّافضين للانخراط في المسار الانتخابي بعدم التّصويت؟
@@ أحترم كل الآراء ووجهات النظر، من يخالفني الرأي لا بد أن أعمل لتمكينك من التعبير عنه، وهي القاعدة الذهبية للديمقراطية، التي جاءت لتلغي أي لجوء إلى العنف، فلنكن سلميّين.
وضع ميكانيزمات في إطار ثقافة ديمقراطية بمثابة منبّهات ضرورة
@ هل نجحت السّلطة في إعادة الثّقة للمواطن في الفعل الانتخابي؟
@@ أظن أنّ الثّقة عادت اليوم، فقد لاحظنا رد فعل الجزائريّين عبر الوطن الذين لم يخفوا فرحتهم، وكأنّ الأمر يتعلق باستقلال، ما يجعلنا نتذكّر انتخابات 1995، إذ أحسّ الجزائري بأنه مواطن كامل، لاسيما وأنّنا نقطع أزمة، واسترجعوا الثقة في بلادهم، لكن الأمر يستدعي التحلي باليقظة أكثر من أي وقت مضى، لأن ثقة الشعب ليست خالدة، ولابد من التحرك سريعا لعدم تخييبهم، ولكي لا تعود الممارسات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع، و لكي لا يعود الفساد والرشوة، بإيجاد ميكانيزمات في إطار ثقافة ديمقراطية بمثابة منبّهات لا تؤثّر على استقرار رئيس الجمهورية، لكن تتحول إلى ضوء أحمر.
وصراحة أعتقد أنّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون سيقدّم الجديد في الحكامة.
@ كلمة حول رئيس الجمهورية المنتخب، وللشّعب الجزائري؟
@@ رئيس الجمهورية المنتخب عبد المجيد تبون، صاحب خبرة تكنوقراطية وسياسية، وإنسان متشبّع بالقيم الوطنية، متكون باللغتين العربية والفرنسية، لديه خبرة في التسيير تحصّل عليها بتقلده المسؤولية في كل مستويات السلطة، إلى أن وصل إلى هرمها.
وأظن له المؤهّلات، ليأتي بالجديد في مجال الحكامة، وأتمنى له التوفيق، لأن توفيقه يعني رخاء الشعب الجزائري، ونجاح رئيس الجمهورية هو نجاح الشعب.
وأقول للشعب الجزائري مصيرك بيدك الآن، لا تغفل مجدّدا على ممارسة حقك في الانتخاب، لأنّ وحده اختيارك يضمن لك الديمقراطية والسلام، كن يقظا ومارس حقّك في اختيار أي مسؤول رئيس جمهورية أو نائب أو رئيس بلدية لتضمن المستقبل الذي تريده لأبنائك، بصوتك حارب أصحاب «الشكارة».