اقتراع 12 ديسمبر 2019 المنظم لأول مرة من قبل هيئة مستقلة، ممثلة في السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي تم استحداثها منتصف سبتمبر الأخير، لم يكن امتحانا سهلا ولا هينا، إلا أنها تمكنت من التحضير الجيد لكل محطاته، ليكلل أمس بذهاب الجزائريين الذين خرجوا في حراك شعبي مليوني قبل 9 أشهر، مكنهم من استرجاع سيادته وكلمته.
رغم كل الظروف والصعوبات، إلا أن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات نجحت في تنظيم الانتخابات الرئاسية، التي جرت عموما، ومهما كان الموقف منها الرفض أوالقبول، إلا أن الجزائريين قدموا في أغلب مناطق الوطن درسا في احترام الرأي والرأي الآخر، إذ توجه الذين أرادوا انتخاب رئيسا للجمهورية، واقتنعوا بأحد المترشحين من المتسابقين الخمسة، وامتنع عن التصويت الرافضون لها بكل ديمقراطية.
ومن المنتظر الإعلان اليوم عن نتائجها الأولية، على لسان رئيس السلطة المستقلة محمد شرفي، على أن يعلن المجلس الدستوري بعد الفصل في الطعون عن النتائج النهائية، ورئيس الجمهورية الجديد، الذي تقع على عاتقه مهمة القيام بالإصلاحات الكفيلة بتجسيد تطلعات الشعب التي عبر عنها خلال الحراك الشعبي على مدار أشهر وأشهر.
حركية كبير في المقر...
عاش مقر السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، أمس، على وقع حركية كبيرة، إذ تابع رئيسها محمد شرفي وأعضاؤها عن كثب العملية الانتخابية بكل تفاصيلها من المقر المركزي، وتحولت قاعة الأرضية الرقمية إلى خلية نحل حقيقية ترصد الأرقام، التي وصفها رئيس الهيئة بالمقبولة جدا، لا سيما وأنها فاقت 20٪ إلى غاية الساعة الثالثة مساء، أي حوالي 5 ساعات كاملة قبل انتهاء العملية.
بغض النظر عن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس، والتي من المرتقب أن يعلن المسؤول الأول عن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات عن نتائجها الأولية اليوم، إلا أنها أكدت الاهتمام بالرئاسيات على اعتبار أنها ستفرز رئيسا للجمهورية، يقود البلاد في المرحلة المقبلة، محطة تأتي بعد حراك شعبي فاق 9 أشهر انطلق يوم 22 فيفري مطالبا بالتغيير الجذري.
ولم تكتف السلطة المستقلة التي تكفلت لأول مرة بتنظيم استحقاقات بحجم الرئاسيات، بعدما كانت تنظمها حصريا وزارة الداخلية بمعية قطاعات وزارية أخرى، على غرار وزارة الشؤون الخارجية، ما يعتبره رئيسها وأعضاءها مكسبا حقيقيا تحقق في ظرف وجيز، ولتسهيل العملية بادرت السلطة بوضع أرقام تحت تصرف المواطنين.
والأرقام التي أعلن عنها المسؤول الأول على السلطة، أكدت أن النسبة محترمة وفق ما أكده شخصيا، قياسا إلى الظروف عموما، ويؤكد بأن السلطة المستقلة قد نجحت في أول امتحان لها، بحجم الرئاسيات وفي ظل وضع صعب، لم يمنعها من أداء دورها قدر الإمكان على أكمل وجه، خطوة تأتي بعد كسب تحدي البطاقية الوطنية للناخبين، والمبادرة بميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية، وكذا السير الحسن للحملة الانتخابية على مدار 3 أسابيع.
عيسى بن لخضر:
أصوات المقاطعة لم تقنع الجزائريين
في تصريح لـ»الشعب»، أفاد عضوالسلطة المستقلة عيسى بن لخضر «نستطيع أن نقيم يوم الاقتراع، من خلال مجموعة من الملاحظات، أولها أن الانتخابات تميزت منذ الساعات الأولى باندفاع كبير لأفراد الشعب الجزائري في مختلف الولايات، باستثناء ولايتين تيزي وزو وبجاية، اللتين استعمل فيهما الشباب أسلوبا عنيفا، خلال الحملة الانتخابية وختمها مجموعة منهم بتكسير الصناديق وإقفال أبواب المدارس عنوة وتعنيف الناس.
وإلى ذلك تميزت الساعات الأولى بارتفاع نسبة الناخبين بشكل ملحوظ، مقارنة بالانتخابات الرئاسية سنة 2014، وهذا ما يدل على أن أصوات المقاطعة لم تقنع الجزائريين بل استفزتهم ودفعتهم إلى ردة فعل إيجابية، واللافت أيضا في هذه الانتخابات أن «العديد من العائلات حرصت على التنقل إلى مكاتب الاقتراع بكل أفرادها وتعبر عن استنكارها للتدخلات الخارجية في شأننا الديمقراطي الداخلي».
وحتى إلى الساعات الأخيرة من يوم الانتخاب ـ أضاف يقول ـ «لا يزال الناس على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم يتساءلون من سيكون الفائز، وهذا يحدث لأول مرة منذ الاستقلال، بأن يكون الرئيس غير معروف من بين الخمسة»، كما أن «السلطة رغم حداثة نشأتها استطاعت أن تؤطر العملية الانتخابية بأكملها وطنيا وولائيا وبلديا في شكلها المادي اللوجيستي، والتنظيمي والقانوني».
ورغم التحديات فقد أظهر إطارات المندوبية كفاءة عالية جدا، بحيث أننا لم نسجل إشكالات ذات أهمية تذكر، نتيجة نسبة الكفاءات العالية، وقوة التنسيق مع الأجهزة الإدارية، والتواصل المركزي مع امتدادا السلطة، التي يسجل لها الثقة الكبيرة التي حظيت بها من قبل المترشحين، فإلى غاية نهاية الانتخابات، لم يصرح أي مترشح بأنه غير راض عن أداء السلطة.
وفيما يخص متابعة أعضاء السلطة للاقتراع، أوضح العضو بن لخضر أن الإعداد لهذا اليوم استغرق أسبوعا كاملا، ووضعت خطة عمل وتكفل في الجانب الإعلامي التصريح بالتصريحات الإعلامية كل ساعتين أو ثلاثة لإعطاء نسبة المشاركة وتقديم الملاحظات، وتم تخصيص مركز بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد العزيز رحال للصحافة الوطنية والدولية، تحت إشراف نائب الرئيس ورئيس لجنة الإعلام الناطق الرسمي باسم السلطة، وخصص طاقم من القانونيين من أعضاء السلطة المستقلة بالإضافة إلى 10 قضاة من المستشارين من المحكمة العليا لمتابعة الإشكالات التي قد تطرأ، تحت إشراف عضومن مكتب السلطة، حتى تكون الاستجابة فورية من وجهة نظر المختصين.
وذكر في السياق، سخر لغرفة العمليات المتابعة عبر التطبيقة الإلكترونية وأجهزة الفاكس والهاتف، تابع العملية إلى غاية استلام النتائج النهائية التي ترفع من البلديات إلى السلطة المركزية مباشرة بعد استلام المحاضر، كما ترفع المحاضر الأصلية إلى المندوبيات الولائية، واللجان الولائية لتنقلها في اليوم الموالي إلى مقر السلطة الوطنية حتى يتم التحري وتسلم النسخ الأصلية من المحاضر إلى المجلس الدستوري، بعدما يعلن رئيس السلطة عن النتائج والفائز أوالفائزين فيه في حال تحصيل نسبة تقل عن 50٪ من الأصوات المعبر عنها.